اخر الاخبار

يبدو ان هناك حاجة للتذكير بالحقيقة اعلاه في هذه الأيام، حيث عاد البعض يراهن على الخارج في إزاحة منظومة المحاصصة، ونهجها الذي أبقى العراق مصنفا حسب مؤشرات دولية عدة في المراتب الدنيا، وكأن هذا البعض نسي او تناسى تداعيات الحروب، وما تعرض له بلدنا من احتلال، وما فرض عليه من منظومة حكم، كان لها الدور الفاعل في إضاعة فرص حقيقية للنمو والبناء والاعمار، وفي توفير حياة حرة كريمة آمنة للعراقيين جميعا. وهناك أيضا من سعى ويسعى لتحويل العامل الخارجي عموما الى داخلي، لكي ينمّي عناصر القوة عنده ويواصل فرض هيمنته وسيطرته، في اهتزاز واضح للموقف الوطني وما يسببه ذلك من ارتهان لهذا الطرف او ذاك.

وإزاء ما يمر به بلدنا من أزمات متجذرة في بنية منظومة الحكم ومؤسسات الدولة وآلية بنائها وادارتها، لم يعد التغيير ترفا فكريا او مجرد شعار يرفع، او اجتهادا لمجموعة او مجاميع معينة، قدر ما هو حاجة وخيار وطني لا يحتمل التأجيل، ويعتمد التقدم لتحقيقه على الادراك الواعي لجماهير واسعة والعمل المثابر التراكمي من اجل تحقيقه. 

والتجربة تبيّن لنا ان الاعتماد على الخارج، أياً كان، وبايّ شكل تجلى، لم ولن يقدم الحلول الجذرية المطلوبة لاخراج بلدنا وانقاذه مما هو فيه، خصوصا وان بعض الدول لا تنظر الى العراق الا كساحة نفوذ وصراع من اجل المصالح، وتضعه في اطار استراتيجياتها الإقليمية والدولية. 

وهنا يتوجب الاستدراك بان ذلك لا يعني الانكفاء والتقوقع، ولا يعني دعوة لمقاطعة أمريكا او ايران او تركيا او غيرها، او لعدم إقامة علاقات متوازنة معها، قدر ما هو تاكيد لتحرك هذه الدول وفقا لمصالحها قبل كل شيء. لذا فهي غير معنية بتقديم حماية مؤكدة لانظمة حليفة او تدور في فلكها، او ان من ضمن أولوياتها تقديم مساعدة لاقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية، تريد ان تتعامل معها بتكافؤ. وبالطبع هنا تشذ علاقة الإدارات الأمريكية، الجمهورية والديمقراطية،  مع  دولة الاحتلال الصهيوني. فما ينطبق عليها ليس بالضرورة ينطبق على الاخرين  .

وهنا نصل الى حقيقة ان الاستقواء بالخارج، أيا كان ، ليس دليل قوة، بل بالعكس. واذا تطابقت المصالح شكليا في لحظة ما، فانها ليست بالضرورة متماثلة على طول الخط. كما ان الشرعية الحقة تعطيها الشعوب وحدها وليس أي عاصمة من عواصم العالم. نعم، فالشعوب هي مصدر القوة والمنعة التي لا جدال فيها. ومن هنا يتوجب إنماء عناصر البناء الذاتي الوطني، وتمكينه ليكون المعوّل عليه.

كذلك يتوجب التأكيد تكرارا بان مطلب التغيير في بلادنا هو حاجة داخلية ذاتية، قبل أي شيء اخر، والمرتجى ان يأتي هذا التغيير وفقا لمشروع وطني عراقي، يقود الى بناء دولة المؤسسات والقانون، دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، والمنبثقة من الإرادة الشعبية الواسعة. ومن المؤكد ان مثل هذه الدولة هي من تملك مقومات وعناصر القوة لتجاوز التحديات، وهي من يستطيع إقامة علاقات متكافئة ومتوازنة  تُبنى على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع دول العالم المختلفة .