اخر الاخبار

تحلُّ يومَ غدٍ الذكرى السنوية المجيدة لتأسيس جيشنا العراقي الباسل، في وقت يواجه فيه بلدُنا تحديات ومخاطرَ جمة، وتشتد حالة عدم الاستقرار في المنطقة وانعكاساتها المحتملة على أوضاع العراق الداخلية وتطوراتها.

في هذه المناسبة تجدر الإشادة بالتضحيات الجسام التي قدمها الجيش العراقي ومختلف التشكيلات العسكرية والأمنية الأخرى، مع شعبنا العراقي بأطيافه المتعددة، لتحرير أرضنا من رجس الإرهاب، ولتحقيق النصر العسكري، واجتراح المآثر خلال ذلك وتقديم الشهداء، الذين تتوجب رعاية أسرهم ودعمها، بعيدا عن البيروقراطية والروتين والتمييز.

لقد دفع شعبنا ووطننا ثمناً غالياً لتحقيق الانتصار الكبير على الإرهابيين ومنظماتهم، لذلك يتوجب الحفاظ عليه وتطويره باتجاه حسم فصول الإرهاب في بلدنا، ودحر أية مساعٍ للملمة صفوفه، ولتجفيف منابعه وتخليص بلدنا من شروره. وهذا يتطلب مقاربات متعددة متكاملة: سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية.

ولا يستقيم السعي إلى ذلك قطعا مع أي خطاب أو دعوات الى الكراهية والتفرقة، وإثارة الضغائن، وتأليب المواطنين ضد بعضهم، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية والشوفينية، وتشجيع عسكرة المجتمع وانفلات السلاح والتمادي فيه.

وفي الظروف الراهنة التي تشتد فيها المخاطر وتهدد أمن البلاد وسلامة مواطنيه، إلى جانب التدخلات الخارجية على حساب القرار الوطني المستقلّ، والانتهاكات المتواصلة للسيادة العراقية، تقع على عاتق قواتنا المسلحة بجميع مكوناتها وصنوفها مسؤولية رئيسة، تتمثل في حماية المواطنين وسيادة العراق وصيانة حدوده وتأمين سمائه وارضه ومياهه. وهذا يطرح طائفة من المهمات الملحة، لعل في مقدمتها مهمة توحيد قرارها وتعزيز قدراتها، تسليحا وتجهيزا وتدريبا، وإعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية وفق معايير الوطنية والكفاءة والمهنية والنزاهة واحترام حقوق الإنسان، كذلك تطهيرها من أي فاسد أو مرتش أو فاشل، وان تكون هذه المؤسسات، قولا وفعلا، بوتقة للوحدة الوطنية، لا يعلو فيها صوت على صوت الوطن والمواطنة وخدمة الشعب.

ويتطلب التصدي للمخاطر المحدقة أيضا توفر الإرادة السياسية، وتمتين الجبهة الداخلية، وإطلاق الحريات وعدم التضييق عليها تحت أي عنوان او مسمى، وتجنب اتخاذ قرارات أو الإقدام على تشريعات من شأنها التضييق على ما نص عليه الدستور، وتعزيز بناء النسيج المجتمعي على أسس المواطنة العراقية الجامعة، وتمتين اللحمة الوطنية وأجواء الثقة بين أطياف شعبنا المختلفة. 

كذلك بات ضروريا أكثر من أي وقت مضى ان تقدم الحكومة على اتخاذ إجراءات عملية وخطوات فعلية لتطبيق قرارات حصر السلاح بيد الدولة، وتوحيد القرار الأمني ومركزته حسب ما جاء في الدستور، وعدم السماح بالمظاهر المسلحة خارج المؤسسات العسكرية والأمنية الدستورية، من قبل مليشيات أو جماعات مسلحة مهما كانت مسمياتها، وان يصار في نهاية المطاف الى الاعتماد كليا على هذه المؤسسات. كما يتوجب العمل على تطبيق قانون الأحزاب، الذي يحظر على الكيانات السياسية إنشاء مجاميع مسلحة. كذلك تفعيل المادة ٢٥ من القانون، التي تقول بالامتناع عن "التنظيم والاستقطاب الحزبي او التنظيمي في صفوف الجيش وقوى الامن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى والقضاء والهيئات المستقلة"، وان تُسلم مهام حماية المدن الى أجهزة الأمن الداخلية بدلا من أية قوات أخرى، لاسيما في المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي. كذلك مباشرة عملية اندماج قوات متطوعي الحشد الشعبي في القوات المسلحة الوطنية، بما يضمن وحدة القيادة والقرار والسيطرة تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، بعيدا عن اية اعتبارات سياسية وطائفية ضيقة، أو مؤثرات سياسية خارجية، وحفاظا على حقوق المقاتلين. 

ويتوجب أيضا العمل الجاد لإعمار المدن التي عبث بها الإرهاب، وإعادة الحياة الطبيعية اليها، وإرجاع النازحين الى مدنهم وقراهم وبيوتهم، والكشف عن مصير كافة المختفين قسرا والمخطوفين والمغيبين، وإطلاق سبيل من بقي منهم على قيد الحياة فورا، وإنهاء ملف التعويضات للمتضررين من جرائم داعش الإرهابي.

وفي الذكرى المجيدة نجدد موقفنا الرافض لأي وجود عسكري أجنبي على أراضينا، وندين ونستنكر أية اعتداءات على بلدنا، او التدخل في شأنه الداخلي، ونعدّ هذا مطلبا وطنيا، وهدفا ينبغي العمل الحثيث وبثبات وجدية لتحقيقه، وتوفير جميع الشروط والمستلزمات التي تمكّن العراق من الحفاظ على أمنه وسيادته واستقراره وقراره الوطني المستقل.

ولعل من أهم هذه المتطلبات تحقيق إجماع سياسي وطني بشأن ذلك.

ولا بد من الإشارة إلى ان هذا كله وغيره، يتطلب بإلحاح ولوج عملية التغيير، التي باتت مطلباً شعبياً وسياسياً، وأمراً ضرورياً في ضوء المخاطر والتحديات الكبيرة التي تطرحها التطورات والتغيرات في المنطقة وتداعياتها المحتملة، ومفاقمتها هشاشة الأوضاع الداخلية في بلدنا. كما ان من واجب القوى السياسية الديمقراطية والوطنية إطلاق حوار وطني واسع، يستهدف إعادة النظر في العملية السياسية التي انتهت إلى طريق مسدود، جراء تعمق الأزمة البنيوية لمنظومة المحاصصة وبفعل تفشي الفساد، وبما يمهد الطريق لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، جنبا الى جنب تفعيل كل أدوات العمل السياسي والجماهيري والمطلبي والاحتجاجي السلمي.

تحية الى الجيش العراقي في ذكرى تأسيسه، وان الجميع مدعوون الى العمل على النهوض به وتقويته وتعزيزه، كماً ونوعاً، ليتمكن من إنجاز مهامه الدستورية على أفضل وأكمل وجه.

عرض مقالات: