اخر الاخبار

يؤشر مستوى التخلف الاقتصادي في العراق مقارنة باقتصاديات بعض دول المنطقة والعالم، إلى الحاجة إلى منظومة من المشاريع الاستثمارية وخاصة الأجنبية نظرا لقلة الخبرة لدى المستثمرين العراقيين، غير أن التوجه للاستثمارات الأجنبية تشكل مواضيع جدلية بين خبراء وصانعي السياسات الاقتصادية الوطنية على ان يظهر هذا حتى لدى صانعي السياسات الاقتصادية في العالم، لهذا يتعين تشجيع المناقشات الموضوعية حول هذه المسائل الجدلية بهدف الوصول إلى قانون تشجيع الاستثمار الأجنبي واجتذابه.

وما يهمنا في العراق هو البحث في مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر والتوقف عند فوائده كمصدر تمويلي خارجي للمشاريع الاقتصادية الإنتاجية والخدمية في إطار الاستراتيجيات الإنمائية الوطني وأولوياته. فأن مزايا الاستثمار المباشر باتت واضحة وذات أهمية ملحوظة بالنسبة لتجارب إنمائية عالمية لافتة كالصين والهند وماليزيا والمكسيك والبرازيل والعديد من دول العالم، ومن مزاياها اكتساب التقنيات الحديثة ومكافحة البطالة من خلال توفير الفرص التي توفرها وتنمية وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني وبالتالي تنويع مصادر الدخل، وهذا ما يحتاجه العراق أكثر من أي وقت مضى في إطار سياسته وتوجهاته لإصلاح الاقتصاد وتنويعه وإعادة الاعمار ومعالجة مشكلة البطالة التي تتفاقم يوما بعد آخر بسب تزايد النمو السكاني من جهة وتفاقم عدد الخريجين من جهة أخرى، وكذلك تحسين نوعية الخدمات وتوسيعها وهي ضرورة ماسة يفرضها النقص الملحوظ في الموارد المالية الداخلية بالنسبة للكلفة الكبيرة المقدرة لتحقيق البرامج والمشاريع التي طالما توقفت عندها البرامج الحكومية للدورات السابقة كما هو معروف.

إن تقديم التسهيلات والدعم للاستثمار الأجنبي لا تعفيهما من الاشتراطات الضرورية لضبط إيقاعها كما يراها الاقتصاديون العراقيون وهي أن التسهيلات المقدمة يجب ان تكون مدروسة ومرتبطة بسقوف زمنية دون أن تؤثر على المستثمر الوطني وأيضا قيام المستثمر الأجنبي بجلب رؤوس أمواله كشرط لتقديم الدعم اللازم من قبل الدولة، فضلا عن أن تكون الاستثمارات الاجنبية شاملة في أنشطتها في مختلف قطاعات الاقتصاد في الصناعة والزراعة والسياحة والنقل وأنظمة الرعاية الصحية، غير أن الملاحظ على الاستثمارات الأجنبية العاملة حاليا أنها انصرفت إلى قطاع العقارات والاعتماد على القروض التي يقدمها البنك المركزي وحتى بدون فوائد وأن هذه العقارات موجهة للأغنياء وأصحاب الدخول الثابتة والمضمونة في تسديد القروض، وأكثر من ذلك أن الشركات المستثمرة في هذا القطاع تستوفي تكاليف الوحدات السكنية مقدما وكأنها في هذه الأحوال تقوم بدور المشرف فحسب بدون أن تقدم رؤوس أموالها كما هو مطلوب فضلا عن ذلك فان مثل هذه المشاريع أبعد من أن تقوم بشمول الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة.

إن الهيئة الوطنية للاستثمار قد عرضت من خلال مؤتمر الكويت المنعقد في 14—15 شباط عام 2018 عشرة قطاعات استراتيجية للاستثمار تحتوي على 203 فرصة عمل انطلاقا من طبيعة البيئة الاستثمارية المتمثلة بالتنوع في طبيعة القطاعات والمشاريع التي تكون جاذبة ومغرية لرؤوس الأموال الأجنبية كالسياحة الدينية وقطاع العقارات والبنى التحتية المتهالكة والتي تتطلب إعادة اعمارها وقطاع السياحة وقطاعي الصناعة والزراعة. إلا أن ما عرضته الهيئة قد جوبهت بحزمة من المعوقات وفي مقدمتها الروتين الحكومي المرتبط بعمليات ابتزاز تفرضها اللجان الاقتصادية التابعة لأحزاب المحاصصة ومعوقات يفرضها انهيار القاعدة التحتية فضلا عن عوامل سياسية، فالفصائل المسلحة قد وضعت العقبات أمام الاستثمارات السعودية على سبيل المثال التي جرى التفاهم معها في عام 2018 للاستثمار في أراض صحراوية بالإضافة إلى قطاع الطاقة والبنى التحتية، وبعض الاقتصاديين يرجعون هذه العقبات إلى فيتو إيراني ضد الاستثمارات الخليجية مع ان هذه المشاريع تمت بالرغبة المشتركة ين العراق والسعودية ضمن سياسة مد الجسور والتعاون وبناء فرص الاستقرار والتقدم بين بلدين كبيرين. ان سياسة التعاون مع بلدان الجوار عموما والعربية خصوصا تقتضي ان تفوق اية اعتبارات ضيقة لصيقة بموروثات من ماض ضيق بسبب حروب الخليج التي اهدرت نصف قرن من التنمية وأضاعت فرص التعاون فيما بينها على حساب استقرارها وتقدمها.