صديقي الكبير، لا تزعل مما يزعلنا جميعا: هذا الخراب. اعرفُ انك تدفع عنه اكثر مما يدفعه الكثيرون، وتتحمل من خطاياه ما يتحمله الجبل، لكني وجدتك، منذ ايام، تعلّمنا على التحمل، وتطعم اللوز بلابل الامل. لا تزعل، جواد، من وطن مُختطفٍ، ينكر جميلك، كما انكرك وطن الدكتاتور الجلاد. هذا، وذاك، ليسا ذلك الوطن المُعطّر الذي نحبّه، وقد حملتَه الى كل مهرجانات العالم، وحصدتَ باسمه جوائز وأمجاد، وقدمتَه بهياً بكل الدموع، وكل اللغات، فيما اسمك الذي ينهض على اربعة حروف "جواد" صار على كل لسان. سهلٌ. موسيقي. ذو رنين وأيحاء، وقد انساب خلاقاً في ذاكرة المِداد، من على منصات المسارح. ثمة جمهورٌ مسحور لا تغمض عيناه، وتصفيق لا تبترد حرارته. مديرة مسرح المانية قدمتك بموصوف اسمك: جواد، الحصان الجامح. اما أمك التي لا تجيد القراءة والكتابة فانها تلتقط حروف اسمك، بعينيها، من سطور الصحف، وكانت (هل تتذكر جواد؟) تحضر بروفات مسرحياتك في بغداد، بعباءة سوداء وابتسامة فخر.. لها الذكر الجميل.
ما اكبر قامتك صديقي، إذْ تركتهم يتسلقون اسوار السلاطين الجهلة، الجدد، واكتفيت بعمود القزح الوطيد، وصفّ النياشين الباهرة، من مهرجانات برلين وستوكهولم وقرطاج والقاهرة ودمشق وتونس وبيروت. اكتفيتَ برضى انيقٍ لا ينكسر، وباسمٍ باسقٍ لا يباع. وضحكة لا يعرف سر مرارتها كثيرون، واستراحة لا تشبه، في تأملاتها، استراحات نهاية الخدمة .
امس ارشدتني اليك في "مقهى وكتاب" الكرادة، اصواتُ طبولٍ سرية كنتُ قد سمعتها في مسرحيتك الدمشقية المثيرة "رأس المملوك جابر"..
إذن انت في بغداد: في داخل الاسئلة، وخارج المهزلة.
*قالوا:
"قد لا تعرفون اني دربتُ الدببة على الرقص"
محمد الماغوط