اخر الاخبار

كانت النافذة المجوفة في الجدار الوحيد القائم من الدار، تُدخل خيوط أشعة الشمس التي تتثاءب باللون الأزرق والأحمر وقت الغروب. وتلألأت سحب الغبار بين الأشجار شديدة الانحدار كأنها بقايا مدخنة، وكان الغبارُ كأنما صحراءٌ ركامية نائمة. كان الفتى يوركن مغلقاً عينيه، ومتكأً على بقايا ذلك الجدار. وفجأة أصبح الأمر لهُ أكثر قتامة. لاحظ أن شخصاً ما قد جاء نحوهُ، وقد وقف الآن أمامه، غير واضح المعالم، وقف أمامه بهدوءٍ تام. أنهُ جاء نحوي قاصداً التقرب مني! هذا ما كان يدور في خلد الفتى. ولكن عندما حدق فيهِ أكثر، كان يرى ساقين مقوستين يمنعُ الغبارُ وأشعة الشمسي من أن يراهُ بشكلٍ جيد. وقف ذلك الرجل أمام الفتى، بساقيهِ المقوستين، حيثُ كان الفتى يرى من خلاِ ذلك التقوس. رفع الفتى رأسهُ ليرى رجلاً كبيراً في السن يقف أمامه. كان يحملُ في يديهِ سلةً وسكين، وكان الغبارُ يملأ المكان. سألَ الرجلُ ذلك الفتى وهو ينظرُ من الأعلى إلى شعرهِ المجعد الكث: من المحتمل أنك تنام هنا، أليس كذلك؟ حدق يوركن بين ساقي الرجل ليرى ضياء الشمسي من خلالِ ساقيهِ المقوستين، وقال: لا، أنا لا أنام. يجب أن أكون حذرا ويقظاً وحارساً هنا. أومأ الرجل برأسه: إذاً، أهذا هو سبب استخدامك للعصا الغليظة؟ نعم، أجاب يوركن بشجاعة وأمسك بالعصا بقوة. ما الذي تحرسه هنا، وما الذي تخافُ عليهِ؟ أجاب يوركن: لا أستطيع قول ذلك. أمسك يديه بإحكام حول العصا. حسنا على المال، أليس كذلك؟ أنزل الرجل السلة وحرك السكين ذهاباً وإياباً فوق بناطله. أجاب يوركن بغضبٍ وازدراء: لا، ليس من أجل المال على الإطلاق، وأستمر يوركن يقول: أنا أحرسُ شيئاً مختلفاً تماما، ليس كما يدورُ في بالك. وما الذي يزعجك في ذلك؟ تمتمَ الرجلُ قائلاً: (أوه) شيئاً آخر. حسناً، إذا كنتَ لا ترغبْ بأن تخبرني عن سبب وجودكَ هنا في هذا المكان المهجور، وما تحرس، فسوف لا أخبرك ماذا عندي في هذهِ السلة، (وأشارَ إلى السلةِ التي يحملها بيدهَ.. وضع الرجلُ السلةَ على الأرض وحركها بقدمهِ، وطوى السكين التي يحملها وهو يحدثُ يوركن. قال يوركن بازدراء: أوه، يمكنني تخمين ما يوجد في السلة، أنها طعام الأرانب. يا اللعنة، نعم! قال الرجل وهو مندهشٌ من فطنةِ يوركن.، أنت فتى سريع البديهة. كم عمرك إذن؟ تسعة؟ إذا كان كذلك، فعليكَ إذًا أن تعرف كم يساوي ثلاثة في تسعة، أليس كذلك، فكر في الأمر؟ قال يوركن بالتأكيد، ولكسب الوقت أضاف: هذا سهل حقاً. ونظر من خلال ساقي الرجل. ثلاثة في تسعة، أليس كذلك؟ أعاد يوركن السؤال مرة أخرى، سبعة وعشرين. عرفت ذلك على الفور. قال الرجل: هذا صحيح، وهذا هو بالضبط عدد الأرانب التي أملكها. استدار يوركن وهو يردد: سبعة وعشرون؟ والان يمكنك أيها الفتى الذكي ان تنظر إليهم. كثيرون منهم ما زالوا صغاراً جداً. قال الرجلُ مخاطباً يوركن: هل تريد واحداً من هذهِ الأرانب؟ أجاب يوركن: انا لا أستطيع أن أخذ أو أرعى واحداً من هذهِ الأرانب. لأنني يجب عليَّ أن أكون يقظاً وفطناً طوال الوقت. عندها سأل الرجل، في الليل أيضا؟ أجاب يوركن وهو ينظر إلى الأرجل الملتوية للرجل: وفي الليل أيضا. طوال الوقت، يجب أن أكون حذراً ويقظاً طوال الوقت، هل سمعت طوال الوقت وبشكلٍ دائم، وأخذ يوركن يهمس قائلاً: (منذ يوم السبت). عندها قال الرجلُ مندهشاً، لكن ألن تذهب إلى المنزل؟ عليك أن ترتاح وتنام تأكل. التقط يوركن حجرا من الأرض. وكان مع نصف رغيف خبز، وعلبة معدنية. انت تدخن؟ سأل الرجل وهل لديك غليون؟ أمسك يوركن بعصاه بإحكام وقال بخجل وهو مستديراً إلى الوراء: أنا لا أحب ذلك. أنحنى الرجل إلى سلته وخاطب يوركن: بإمكانك إلقاء نظرة على الأرانب. وخاصة الصغار منها. ربما قد اخترت واحدة. قال يوركن بحزنٍ شديدْ: لكنني لا يمكنني مغادرة هذا المكان. التقط الرجل السلة ووقف. حسنا، إذ عليك أن تبقى هنا - إنه أمرٌ محزنٌ للغاية. واستدار. عندها صرخ يوركن بسرعة، إذا لم تشك بي، فأنا باقٍ هنا بسبب الفئران. أنصدم الرجل مما سمع وتراجع الرجل بأرجلهِ المنحنية خطوة إلى الوراء: بسبب الفئران؟ نعم أنهم (الفئران) يأكلون الأموات ويقتاتون عليها. وأن الفئران يعيشون في هذهِ الأماكن الخربة ويأكلون الموتى.  سأل الرجل يوركن: من قال هذا؟ أجاب يوركن: معلمنا، معلمنا قد أكد هذا. سأل الرجل يوركن: وهل أنت موجودٌ هنا الآن بسب تلك الفئران؟ أجاب يوركن: نعم لأن أخي الصغير يرقدُ هنا، وأشار يوركن إلى الجدار المحطم من جراء قنبلة سقطت عليه. عندها انطفئت الأنوار في الطابق السفلي، أن أخي الصغير حتماً مازال هنا تحت الأنقاض، أنه صغيرٌ جداً أصغر مني بكثير، عمره لا يتجاوز الأربعة أعوام. ما زلنا نبحثُ عنه. أنهُ صغيرٌ جداً، اربعة أعوامٍ فقط. ولا يزال هنا، ويتعين أن يكون هنا. نظر الرجل إلى تشابك شعر يوركن من الأعلى. وقال الرجل مخاطباً يوركن: نعم، ألم يخبرك معلمك أن الفئران تنام في الليل؟ لا، همس يوركن وبدا فجأة متعباً للغاية، لم يقل ذلك. قال الرجل: حسناً، هذا ليس بمدرس إذا لم يقلْ لكم ذلك (بأن الفئرانُ تنامُ في الليلِ). أنا أوكدُ لك بأن الفئران تنام في الليل، ويمكنك الذهابُ إلى البيت لتأخذ قسطاً من الراحة.  اذهب للمنزل أيها الفتى. أن الفئران ينامون دائما في الليل. عندما يحل الظلام، نعم تأكد من ذلك. لقد صنع بعصاه يوركن (كهوفًا) صغيرة في الأنقاض. اعتقد أنها كلها أسرة صغيرة، كلها أسرة صغيرة يمكنُ أن ينام أخوه الصغير فيها. ثم قال الرجل (وكانت ساقاه الملتويتان مضطربتين للغاية): أتعرف ماذا؟ الآن سأقوم بإطعام أرانبي الصغار بسرعة، وعندما يحل الظلام، سأصطحبك إلى المنزل. قال يوركن: ربما يمكنني أن أصطحب أزنباً صغيراً معي إلى المنزل. واحداً صغيرة أو، ما رأيك؟ قام يوركن بعمل تجاويف صغيرة في الأنقاض وهو يتحدثُ إلى الرجل. الكثير من الأرانب الصغيرة. الأرانب البيضاء، رمادية، رمادية بيضاء، لا أعرف، قال بهدوء ونظر إلى أرجلهم الملتوية، وقال أحقاً تنام الفئرانُ في الليل. تسلق الرجل فوق بقايا الجدار إلى الشارع. وقال من فوق الجدار بالطبع، يجب على معلمك أن يترك التعليم، إذا لم يكن يعرف ذلك. وقف يوركن (أريد أن أحاول) أريد أن أخذ أرنباً، صاح الرجل وهو يغادر، لكن عليك الانتظار هنا. أجاب يوركن: بل سأذهب إلى المنزل، قال الرجلُ هل تعلم؟ سأذهب معك إلى البيت، يجب أن أخبر والدك كيف يتم بناء قفص الأرانب. لأنه عليك أن تعرف ذلك. نعم، قال يوركن، أنا في الانتظار. لا يزال يتعين عليَّ توخي الحذر حتى يحل الظلام. سأنتظر بالتأكيد حتى حلول الظلام. وصاح يوركن: لدينا في المنزل بعض الصناديق الخشبية والألواح، يمكننا صنع بيتاً للأرانب، لكن الرجل لم يسمع ذلك. أنطلق الرجل بساقية الملتويتين مسرعاً باتجاه غروب الشمس، والتي تزدادُ احمرارا قاتماً حين يحلُ المساء، وكانت سلة الأرانب التي يحملها تتأرجحُ بين يديهِ يمنياً وشمالاً حين، ركض يوركن صوب الرجل وهو يصرخ: لدينا طعاماً للأرانبِ ويمكنني أن أخذ أرنباً صغيراً وأعتني بهِن ربما يكون ذلك الارنب الأبيض الصغير.

ـــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي ومترجم خبير

عرض مقالات: