اخر الاخبار

تثير جداول موازنة 2024 التي احالتها الحكومة قبل أيام إلى مجلس النواب، جدلا وانتقادات حادة من قبل نواب ومتخصصين. وصدر أكثر الانتقادات والتصريحات السلبية تجاه هذه الجداول، من اطرافٍ في تحالف الاطار الذي انبثقت عنه الحكومة الحالية. ويتركز أبرزها على التخفيض الكبير في تخصيصات الموازنة للمحافظات، مقابل زيادتها لبعض وزارات الحكومة الاتحادية، المعنية بتنفيذ مشاريع توصف بانها كبرى.

وصدرت عن الحكومة في الأيام الأخيرة بيانات توضيحية ردا على تلك الانتقادات، متضمنة معطيات تفصيلية تبين الحجم الفعلي لحصة المحافظات، وهي تزيد كثيرا على الأرقام المثبتة في جداول موازنة ٢٠٢٤ المقدمة الى البرلمان. فيما نشرت محافظات بيانات تشكو فيها من عدم تسلمها المبالغ المثبتة في موازنة 2023. أما الإقليم فاعلن قبوله بالجداول، لكنه أكد في الوقت نفسه ضرورة الالتزام بصرفها، وهو ما لم يحدث طيلة السنوات السابقة.

يؤشر هذا الجدل الأبعاد السياسية الضمنية الكامنة وراء هذا الصراع، والذي يتمظهر في توزيع  التخصيصات بين الحكومة الاتحادية والمحافظات، فيما هو غير بعيد عن الحسابات المبكرة لانتخابات مجلس النواب القادمة.

ان الجوانب السياسية الضيقة للصراع، ينبغي أن لا تطغي على الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، التي يفترض أن تعكسها بنية الموازنة ومقدار التخمينات المالية وأولوياتها.

ونشير هنا إلى تأخر الحكومة في ارسال الموازنة إلى مجلس النواب، على الرغم من ان تبني إقرار موازنة ثلاثية كان من اهم مبررات تجنب مثل هذا التأخير. كما أن سبب التساؤلات الكثيرة التي تثيرها هذه الجداول يعود إلى ضعف الشفافية في اعداد هذه الجداول، وضيق حلقة القائمين بإعدادها. يضاف الى ذلك انه كما في مشاريع قوانين الموازنات السابقة، لم ترفق أو لم تعلن في الأقل، الحسابات الختامية والمبالغ المصروفة فعلا من تخصيصات العامين المنصرمين، لكي لا تنحصر المناقشات بالتخمينات والأرقام التقديرية. 

ثم أن جداول الموازنة تظهر استمرار المبالغة في ارقام التخصيصات، وما يلازم ذلك من ارتفاع متزايد في العجز وفي المبالغ المخصصة لخدمة الدين، وبما يفوق قدرة أجهزة الدولة التنفيذية الاتحادية والمحلية على انفاقها، لا سيما في شقها الاستثماري. كذلك يتواصل في موازنة 2024 التوسع في المصاريف التشغيلية، وفي اعداد الموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والمشمولين بنظام الرعاية الاجتماعية، ليزيد العدد الكلي على ثمانية ملايين شخص، ولتستحوذ الرواتب والاجور على اكثر من سبعين في المائة من الموازنة التشغيلية.

إن هذا التوسع وما يفضي اليه من ترهل في أجهزة الدولة، يتعارض مع أي منطق اقتصادي، ويشكل عبئا على الموازنة العامة تصعب استدامة تحمله، ويتحول إلى أزمة شديدة في حال تراجع أسعار النفط. وهذه حقائق معروفة للجميع، لكن العنصر الحاكم في اتخاذ مثل هذه القرارات سياسي، وهو يعكس فشلا في تحفيز الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية، في القطاعين الخاص والعام، القادرة على خلق فرص عمل حقيقية منتجة. ومن أسباب هذا التوسع الذي يشدد من الطابع الريعي الاستهلاكي للاقتصاد العراقي، استخدام موارد الدولة وعملية التوظيف وتوزيع الإعانات الاجتماعية لأغراض سياسية وانتخابية.  

ولا تزال هيكلية الموازنة تعكس هزال حصة قطاعات الصناعة والزراعة والبيئة  ، إذا ما استثنينا منها مبالغ  شراء الدولة لمحاصيل الحنطة والشلب. كما انها تغفل التعامل مع مطالب شريحة المتعاقدين في وزارة التربية، وغيرهم من الموعودين بالتثبيت.

إن مراعاة التوازن والعدالة في توزيع التخصيصات بين المواطنين في المحافظات المختلفة أمر ضروري، كذلك الالتزام باولوية المحافظات التي تعاني من الفقر والمحرومية. وينبغي أيضا الانتباه إلى عدم تمدّد السلطة الاتحادية على صلاحيات السلطات المحلية في المحافظات، مع ادراكنا لما تشكله آفة الفساد من تهديد بالتهام جزء غير قليل من هذه التخصيصات، وهذا خطر داهم في المحافظات كما على  المستوى الاتحادي.

عرض مقالات: