اخر الاخبار

يشكل خطاب الكراهية والطائفية في العراق اداة سياسية فاعلة لدى العديد من القوى والاحزاب المتنفذة، التي تعزف على هذا الوتر كلما انخفض رصيدها السياسي وغابت عنها الأضواء.

ان تصاعد خطاب الكراهية والطائفية، اماط اللثام من جديد عن وجه هذه القوى التي تدعي الديمقراطية واحترام الحريات والتعددية الدينية والاثنية. ويأتي هذا التصاعد في وقت حساس توظف فيه هذه الجهات مناسبات دينية خاصة، لإذكاء النزعة الطائفية وتغذيتها.

يؤكد مختصون، ان بعض القوى السياسية التي فقدت نفوذها التقليدي، تستغل هذا الوضع لإعادة إنتاج نفسها وتحقيق مكاسب سياسية من خلال تأجيج الفتن والنعرات الطائفية والقومية، مبينين ان تنامي خطاب الكراهية والطائفية في العراق دون رادع قانوني قوي، يفضي الى انقسامات وتفكك الوحدة الوطنية وغياب الاستقرار. وفي النهاية ما من ضحية لهذا سوى المواطن المكتوي بنار الازمات.

تحذيرات

فريق التقنية من اجل السلام اعلن في بيان له عن «رصد تنامي خطاب الكراهية والطائفية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي سواء عن طريق المنشورات الموجهة أو عبر التعليقات»، مبيناً ان هناك «العديد من الحسابات الوهمية (أجندات) مهمتها زرع وزيادة الخطاب الطائفي بين الناس».

ونصح الفريق التقني بـ»ضرورة الحذر من التفاعل مع هذه المنشورات بأي طريقة (نقاش، تعليق، مشاركة...الخ)، لكي لا تصل لأشخاص آخرين، وبالتالي زيادة التفاعل معها وتحقيق أهدافها الخبيثة والمدفوعة».

تهديد لوحدة المجتمع وسلامته

وزودت مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، صحيفتنا بتقرير مفصل عن (وسائل التواصل الاجتماعي.. منصة لبث الكراهيات وليس لنشر المعرفة او قبول الآخر)، استنتجت خلاله بأن المصدر الرئيس لخطابات الكراهية هو وسائل التواصل الاجتماعي.

وطبقا للتقرير، يحتل فيس بوك الصدارة بنسبة 30 - 33 في المائة خلال الربع الأول والثاني والثالث والرابع من سنة 2023. تليه منصة تك توك التي وصلت نسبتها الى 22 في المائة في الربع الثالث من 2023، ثم منصة X التي وصلت نسبتها الى 21 في المائة، وذلك في الاخيرة الرابع من العام نفسه.

ويشير التقرير الى ان نسبة القنوات التلفزيونية تراوحت بين 19 – 21، وأخيرا منصة انستغرام بين 11 - 13 في المائة خلال العام ذاته.

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس المؤسسة د. سعد سلوم خطابات الكراهية، بأنها تهديد للسلم الاجتماعي في العراق، ومحاولة لإعادة إنتاج العديد من الازمات في صور عديدة.

ووصف سلوم تنامي هذا الخطاب في حديث مع «طريق الشعب»، بانه «مؤشر خطير على اننا من الممكن ان نرجع الى نقطة الصفر في اي فترة تتصاعد فيها ارقام خطابات الكراهية، على نحو يؤشر وجود ازمات اجتماعية وسياسية. عالمنا كان اقل صخبا وخطورة بغياب هذه المنصات التي تحولت الى نقمة، وابرز عامل لتهديد وحدة وسلامة المجتمع».

واكد، ان خطاب الكراهية لم يتصاعد فقط، بل تحول من كراهيات عشوائية إلى منظمة.

وذكر سلوم، ان أبرز ما ميز خطابات الكراهية منذ العام 2023 هو: تحول الخط البياني لتنظيم خطابات الكراهية من العشوائية الى كراهية منظمة بشكل واضح؛ حيث وصلت الى قرابة 66 في المائة مقابل 34 في المائة من خطابات عشوائية في شهر كانون الاول من العام 2023 وهو ادنى مستوى من خطابات الكراهية العشوائية التي يشهدها البلد في عينة الرصد.

وأكد سلوم ان هناك «قوى منتفعة من الكراهيات، وتستخدم هذا الخطاب كاستراتيجيات للتحكم بالرأي العام واختلاق ازمات عديدة او حرف الانظار عن ازمات موجودة باتجاه صناعة ازمات مزيفة، عن طريق التحريض على خطابات الكراهية تجاه موضوعات او مكونات اجتماعية محددة».

وعن كيفية احتواء خطابات الكراهية اوضح بالقول: ان مؤسسة مسارات «اطلقت استراتيجية وطنية لمواجهة خطابات الكراهية، تتضمن تبني مجموعة من السياسات على مستوى التعليم والتشريعات والسياسات العامة»، موكدا ان هناك ضرورة «لتظافر جهود المجتمع والمنظمات المعنية والدولة، بسبب التأثير البالغ لهذه الخطابات على الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي».

نتاجات أفكار سياسية

وقال المتخصص بالشأن السياسي، د. عصام فيلي: ان خطاب الكراهية والطائفية يمثل ثلمة في الحياة الاجتماعية والاستقرار، ويهدد الوحدة الوطنية ويؤدي الى خلق حالة من عدم الاستقرار.

واكد فيلي في حديث مع «طريق الشعب»، ان «تنشئة الاجيال على هذا الخطاب، يعمق نقاط التقاطع ويقضي على نقاط الالتقاء، وهذا يعني نشوء اجيال قادمة تبحث عن امور طائفية وعرقية هي غير مسؤولة عنها، ومحاكاة الماضي بصورة سمجة تؤدي بصورة او بأخرى الى ضرب اللحمة الوطنية وتمزيق شمل الوطن»، مشيرا الى أن «الخطاب الطائفي ما كان له ان يكون، لو كان هناك قانون يجرم الطائفية وخطاب الكراهية».

واشار فيلي الى ان هذا الخطاب «هو نتاج الفكر السياسي الذي تتبناه جهات وشخصيات سياسية، فشلت في تقديم مشروع دولة، وذهبت باتجاه خطاب يعزز الهويات الاثنية والفرعية، بعيداً عن روح المواطنة».

ولفت الى ان «بعض الجهات تستغل مواقع التواصل الاجتماعي في المناسبات الدينية، لتعميق هذا الخطاب، وهذا يؤدي بالتالي الى القضاء على الروح المدنية ودولة المواطنة التي تتساوى فيها الحقوق والواجبات من قبل الجميع، بعيداً عن تفضيل جهة على اخرى».

وخلص الى بالقول ان «استمرار هذا الخطاب المقيت، سيؤدي الى تمزيق الوحدة الوطنية»، مبيناً ان «معظم القوى السياسية التي لا تمتلك مشروع دولة، وتعتاش على هذا الخطاب لصرف انظار الشعب عن استحقاقاته الطبيعية، في العيش تحت ظل دولة تثبت حقوقه».

مسار كارثي

الصحافي علي المياح قال ان «محاولات اعادة انتاج الخطاب الطائفي هي بقصد استثماره لأغراض الاستقطاب والتعبئة السياسية او الانتخابية وغيرها»، مؤكدا «اننا ما زلنا ندفع ثمن صراع القوى المتنفذة، وسندفع أثمانًا أخرى ما دامت الساحة الشيعية بلا طرف منتصر مهيمن، ولذا نحن على موعد مع مسلسل من المزايدات بين المتخاصمين. سباق محموم للفوز بلقب الطرف الأكثر شعبية من غيره».

وذكر أن «الدينامية دارت وبدأت عجلتها في التحرك، ولا أعتقد بوجود فرصة لإيقافها، أو التأثير على مسارها. خيوط اللعبة بيد اللاعبين فقط، ومحددات مدياتها ـ تأثيرها ونتائجها ـ إقليمية عالمية. أما نحن، العاجزون، فلا نملك إلّا الكتابة، أو التفرج، ببساطة».

عرض مقالات: