اخر الاخبار

لأول مرة منذ قيام ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958، تمرُّ الذكرى الـ 66 لها بصمت تام من قبل مجلس النواب والحكومة والقوى السياسية الحاكمة، في محاولة لطمس التاريخ وتغييب ذكرى الثورة الخالدة، وقوة مثلها.

ولم تكتفِ هذه القوى برفع الذكرى من قانون العطلات الرسمية، بل راحت تُروّج، عبر مختلف المنصات، لمحاولة تشويه صورة الثورة البيضاء.

ويدرك المتابع، أن هذا العداء لا يقتصر على أسباب تاريخية ناتجة عن تضرر مصالح أسلاف القوى الحاكمة من الثورة، بل هو في حقيقة الأمر خوف ورعب من استذكار حدث ساهم في صنع علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث، وشهد لها الجميع بالوطنية والنزاهة، وهي تشغل بال العراقيين منذ عقود جراء استفحال سرقة المال العام وثلم السيادة وغياب القرار الوطني، وأصبحت جلية للعيان في عراق ما بعد عام 2003.

وعلى النقيض من صمت قوى المحاصصة والفساد، أحيت حشود المواطنين في بغداد والمحافظات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ذكرى ثورة 14 تموز بفخر كبير. واستعرضت إنجازاتها ونقلتها النوعية لواقع المجتمع العراقي الذي كان يعاني من الفقر والمرض والجوع وجور الإقطاع ووجود الهيمنة الاستعمارية وجيوبها وقواعدها والمعاهدات التي تكبل العراق.

شعلة أنارت العتمة

وفي العاصمة بغداد، لبّى حشد من المواطنين دعوة اللجنة الوطنية لتخليد ثورة 14 تموز، فلبّوا رغم حرارة الأجواء وانشغالهم في إحياء أيام عاشوراء، ونظموا مسيرة انطلقت من ساحة النصر واستقرت في ساحة التحرير تحت نصب الحرية لجواد سليم.

وهتف المشاركون في المسيرة للثورة ومنجزاتها وإسهاماتها، معبرين عن استهجانهم لمحاولة القوى المتنفذة التنكر ليوم الجمهورية العراقية، العيد الوطني الحقيقي.

وأمام نصب الحرية، أكدت اللجنة الوطنية لتخليد ثورة 14 تموز 1958 أن الثورة أنارت عتمة البلاد التي هيمنت عليها قوى الرجعية والإقطاع.

وذكرت اللجنة في بيان خلال مسيرة إحياء ذكرى الثورة، أن «الشعلة التي حملها الثوار فجر الرابع عشر من تموز عام 1958، وفي طليعتهم أبطال جيشنا الباسل بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، ومن خلفهم القوى الوطنية التقدمية، الذين أناروا عتمة البلاد التي هيمنت عليها قوى الرجعية والإقطاع».

وأشار البيان الذي ألقاه عضو اللجنة السيد نجم الساعدي إلى أن «إحياء الذكرى هذا العام مرّ بمشاعر الغضب والاحتجاج، بعد أن ركب النظام السياسي الحالي مركبا لم تتجرأ على ركوبه جميع الأنظمة السياسية التي هيمنت على مقدرات البلاد منذ ستين سنة، بما فيها النظام الذي ارتكب جريمة انقلاب شباط الأسود!».

وأكد، أنه «في تحدٍ سافر لمشاعر ملايين العراقيين، ومجافاة وتجاوز على حقائق التاريخ، أقدمت الحكومة والبرلمان على رفع عيد تأسيس الجمهورية العراقية من قائمة العطل».

وتابع، أن «ثورة الرابع عشر من تموز هي ثورة عراقية خالصة، اشتركت فيها أغلب القوى السياسية الوطنية والتقدمية، وحظيت بتأييد الشعب العراقي ودعمه من مختلف الشرائح والانتماءات والمناطق التي خرجت صبيحة يوم الثورة مؤيدة لها، من دون تنظيم مسبق، أو دوافع أيديولوجية ودينية وعرقية ومناطقية، لذا صحّ عليها القول (ثورة عراقية شعبية خالصة)»، مبينا أن «الحكومة والبرلمان كان عليهما أن يأخذا بنظر الاعتبار هذه الحقائق قبل إصدار قانون العطل الرسمية الجديد».

ونوهت اللجنة إلى أن «القانون تجاوز على مشاعر الملايين من الشعب، وعلى الدستور العراقي الذي نصت المادة الأولى من الباب الأول منه على أن (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة، مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي».

ودعت اللجنة في بيانها «الحكومة والبرلمان إلى تعديل هذا القانون باعتبار يوم الرابع عشر من تموز عطلة رسمية وعيدًا وطنيًا، كما تدعو أبناء الشعب العراقي وقواه الوطنية ومنظماته الوطنية والمهنية باستمرار الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية والضغط على الحكومة لاحترام مشاعر العراقيين بإعادة يوم تأسيس الجمهورية العراقية عطلة رسمية وعيدًا وطنيًا».

رفض شعبي وثقافي لتغييب الثورة

وخلال المسيرة، أصدر جمع من المثقفين العراقيين نداءً عبروا فيه عن رفضهم محاولات حذف يوم 14 تموز 1958 من الذاكرة العراقية، مؤكدين أن هذا اليوم يُمثل عيدًا وطنيًا هامًا في تاريخ العراق، كونه ساهم في تحرير البلاد من التبعية ونقلها إلى مرحلة جديدة من الاستقلال والسيادة.

وخلال مشاركتهم في مسيرة التحدي والاستذكار، ألقى الشاعر فالح حسون الدراجي، ممثلا عنهم النداء الذي أكد فيه أن «الأوساط السياسية والثقافية والشعبية في العراق فوجئت بحذف عطلة يوم الرابع عشر من تموز من قانون العطلات الرسمية الذي صوّت عليه مجلس النواب مؤخراً تاركاً تحديد اليوم الوطني لجمهورية العراق فارغاً».

وأضاف النداء، أن «حذف هذا اليوم من الذاكرة العراقية يمثل استفزازاً لمشاعر ملايين المواطنين العراقيين، الذين يعدّون الرابع عشر من تموز عام 1958 عيداً وطنياً، لأنه نقل البلاد من حالة التبعية للهيمنة الاستعمارية والإمبريالية البريطانية والأمريكية المتمثلة بربط العراق بالأحلاف العسكرية، وفي مقدمتها حلف بغداد سيئ الصيت، إلى حالة التحرر التام من القيود الاستعمارية كافة، وأشكال التبعية التي كانت تتمثل في سلطة النظام الإقطاعي وشبه الإقطاعي على الاقتصاد العراقي».

وتابع أن «الثورة أسقطت القيود التي تحول دون تقدم البلاد، وغرست في الوجدان قيم الهوية الوطنية، وفتحت الأفق لسلسلة من الإنجازات الإستراتيجية التي تمثلت بقانون النفط، الذي حرر الأراضي العراقية من هيمنة شركات النفط الأجنبية، وقانون الإصلاح الزراعي، ومشروعات الإعمار والتنمية والانفتاح الديمقراطي من خلال تأسيس الاتحادات والنقابات والمنظمات المهنية والثقافية، وهي من مظاهر تشكل المجتمع المدني الديمقراطي آنذاك».

وطالب المثقفون في النداء «الدولة العراقية بضرورة إعادة النظر في هذا القانون، وإعادة إدراج يوم الرابع عشر من تموز ضمن العطل الرسمية وعدّه العيد الوطني لجمهورية العراق، بوصفه يوما خالداً من أيام العراقيين المباركة، لما يحمله من دلالات إنسانية وتاريخية ترتبط بنضالهم وتضحياتهم من أجل الحرية والسلام»، مشدداً على أن «القوى المؤمنة بهذا اليوم ستستمر في طريقها بالضغط من أجل تحقيق مبتغاها الراسخ والأصيل».

مناسبة تذكرهم بفسادهم

من جانبه، قال الرفيق جاسم الحلفي في حديثه لـ «طريق الشعب» إنّ ثورة 14 تموز في العراق يُراد محوها من السجلات الرسمية بمحاولة بائسة، كما أنّ محاولة محوها من الذاكرة الشعبية بائسة أيضاً. فعند تحليل طبيعة السلطة الحالية، التي أصفها بالطغمة، نجد أنّها لا تختلف جوهرياً عن الطغمة التي حكمت قبل عام 1958.

وتابع حديثه قائلاً إنّ «الفساد وانعدام الخدمات وانتشار الأمية والأمراض والفجوة الهائلة بين الحاكمين الذين يمتلكون الأموال ويسيطرون على الأراضي وبين ملايين الفقراء، كلها عوامل تجعل من الطبيعي في تفكيرهم عدم اعتبار هذا اليوم عيداً وطنياً والسعي لمحوه».

وأكد الحلفي، أن هذا اليوم «يذكرهم ببؤسهم وخيباتهم وفسادهم. ففي فجر هذا اليوم حدث تحرك عسكري، وفي ظرف ساعات قليلة هب الشعب العراقي بكافة طبقاته وفئاته وقومياته وأديانه للخلاص من التبعية والاستعمار والإقطاع وحفظ الكرامة».

ولفت إلى، أن «رموز الثورة يتصفون بسمتين أساسيتين: الوطنية والنزاهة. بينما تعاني الطغمة الحاكمة من أزمة وطنية وأزمة نزاهة، بل إن الفساد هو شعارها الأكبر. لذلك من الطبيعي ألا يأتي ذكر هذا اليوم على لسانها».

فيما أكد الناشط السياسي فوزي البريسم أن هذا اليوم بالنسبة للعراقيين هو عيدٌ حقيقيٌّ، ليس كأي عيدٍ آخر. فقد أنقذت ثورة الرابع عشر من تموز بلدهم من دائرة الأحلاف والاستعمار والانتداب، ونقلت به إلى آفاقٍ جديدة، وغيّرت كل الموازين والقيم. وقد أحسّ العراقيون بذلك جليّاً، حيث انعكست نتائج الثورة على مستوى معيشتهم وحياتهم، من خلال القضاء على الاستغلال.

وقال البريسو في حديثه لـ»طريق الشعب»، أن «ثورة الرابع عشر من تموز هي ثورة الفقراء بامتياز، فكل ما أفرزته وحققته كان من أجل رفاهية الفقراء وتحسين معيشتهم»، مبينا أنّ «منجزات الثورة وعبد الكريم قاسم خلال أربع سنواتٍ عظيمة تفوق الوصف، فقد حقق ما عجز عنه الكثيرون ممن تعاقبوا على الحكم بعده».

خطر على مكتسبات المرأة العراقية

بدورها، أكدت الناشطة السياسية إيناس جبار أن مسيرة هذا العام تختلف عن مسيرات الأعوام السابقة، فهي لم تقتصر على استذكار ثورة الرابع عشر من تموز وإحياء ذكراها، بل عبّرت أيضاً عن غضبٍ شعبيٍّ عارمٍ بسبب إلغاء هذا اليوم من قائمة العطل الرسمية.

وأشارت في حديثها لـ»طريق الشعب» إلى أنّ «إلغاء هذا اليوم من قائمة العطل الرسمية لم يقتصر على ذلك فقط، بل تمّ اعتباره أيضاً إلغاءً ليوم تأسيس الجمهورية. على الرغم من أنّ العراق دولة جمهوريةٌ دستوريّاً، وأنّ هذا اليوم معترفٌ به دستورياً».

وأضافت، أنّ «الطعن بثورة الرابع عشر من تموز وإلغاء عيد تأسيس الجمهورية والهجمات على قانون الأحوال الشخصية يُشكّل خطراً حقيقياً على مكتسبات المرأة العراقية، وهو ما يُلاحظ جليّاً من خلال محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية».

واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ من «أهمّ إنجازات ثورة الرابع عشر من تموز المرتبطة بقضايا المرأة هو تشريع قانون الأحوال الشخصية عام 1959، والذي يُعتبر حتى الآن من أفضل قوانين الأحوال الشخصية في الشرق الأوسط».