اخر الاخبار

يوصف الناتو في الدعايةِ السياسيةِ، بأنه تحالفٌ عسكريٌ (دفاعي) يضمنُ الأمنَ في أوروبا. ولكن، ما هو الدور الحقيقي لحلف الناتو، ولماذا لا تزال هذه المنظمة موجودة حتى الآن، رغم مُضي 30 عامًا على حلِ حلف وارشو؟

الحربُ الباردة ومكافحة الشيوعية

يمكن القول وباختصار، بأن الناتو اليوم، يُعَدْ أحد أهم أدواتِ الولايات المتحدة للحفاظِ على مكانتِها كقوة عظمى في العالم، كما كان الحال بالفعل منذ البداية. فقد تأسس الناتو (منظمة حلف شمال الأطلسي) بناءً على توقيع معاهدة شمال الأطلسي في عام 1949. وكانت الدول الموقِعة هي الولايات المتحدة وكندا على الجانب الغربي من المحيط الأطلسي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا ولوكسمبورغ وأيسلندا والدنمارك والنرويج وإيطاليا والبرتغال على جانبه الشرقي.

وكانت إحدى الخُرافات التي تم ضخها حول الناتو، تفيد بأن الناتو سيكون عبارة عن اندماج “الديمقراطيات” ضد “الديكتاتوريات” الاشتراكية في الشرق. لكن واقع الحال لا يقول ذلك، فقد حَكمَ الديكتاتور أنطونيو دي أوليفيرا سالازار البرتغال منذ عام 1949 ولأكثر من 15 عامًا، ولم يقطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا النازية. كانت البرتغال في عهد سالازار تتمتع أيضًا بعلاقات ممتازة مع إسبانيا فرانكو، ودعمت قواته في الحرب الأهلية.

هناك دولة أخرى لم تكن وعلى الدوام ديمقراطية، وهي اليونان، التي انضمت إلى الناتو عام 1952 - بعد أن قامت الولايات المتحدة بمساعدة الحكومة الرجعية فيها على الانتصار في الحرب الأهلية ضد القوى المناهضة للفاشية، بقيادة الحزب الشيوعي. واصلت اليونان فيما بعد عضويتها حتى بعد الانقلاب العسكري المدعوم من الولايات المتحدة في عام 1967، عندما حكم المجلس العسكري البلاد. أما تركيا فقد كانت عضوًا في نفس المدة الزمنية، على الرغم من عدد الانقلابات العسكرية والأنظمة التي حكمتها. ولم يتم طرد أي دولة من الناتو بسبب تنحيتها للديمقراطية جانباً.

هناك خرافة أخرى مفادها أن حلف الناتو قد تم إنشاؤه ليكون بمثابة ثقلٍ موازنٍ لحلف وارشو، لأن حلف وارشو ببساطة، ظهر في 1955، اي بعد ست سنوات من حلف الناتو، وكرّدة فعل على التحول الواضح للغاية في علاقات الدول الإمبريالية الأخرى مع الاتحاد السوفيتي والجمهوريات الشعبية الجديدة في أوروبا الشرقية.

قبل عشر سنوات من التاريخ أعلاه، كان الأمر مختلفًا، ففي فبراير 1945، التقى قادة الحلفاء في يالطا في شبه جزيرة القرم - التي كانت آنذاك جمهورية سوفيتية مستقلة داخل روسيا الاشتراكية السوفياتية - لمناقشة مصير ألمانيا بعد الحرب. كان المزاج السائد بين ونستون تشرشل وفرانكلين دي روزفلت وستالين محترمًا وجيدًا بشكل عام، على الرغم من انزعاج الأول من الأخير بسبب شدة تدخينه للسيجار، كما يقول أندريه غروميكو السفير السوفييتي آنذاك في الولايات المتحدة والذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد ولفترة طويلة. كان تشرشل وروزفلت ممتنين جداً للاتحاد السوفيتي على مساهمته الحاسمة في الحرب ضد ألمانيا النازية، وتكبده خسائر فادحة، حيث قُتل ما يصل إلى 27 مليون فرد وتدمير ما يقارب 70000 بلدة وقرية. ومع ذلك، فإن القضية الأساسية المتمثلة في تعويضات الحرب الألمانية لموسكو في الاتحاد السوفيتي قد تأخرت من قبل الوفود البريطانية والأمريكية، وكذلك مسألة عدم السماح لألمانيا منزوعة السلاح بإعادة بناء جيشها. وحتى عندما اجتمع قادة القوى المنتصرة مرة أخرى في بوتسدام بألمانيا، بعد بضعة أشهر، كان من غير المرجح أن تلتقي الولايات المتحدة وبريطانيا بالاتحاد السوفيتي.

ولم يمر سوى أقل من أسبوع من انتهاء المؤتمر، حتى ضربت واشنطن هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنبلة الذرية، وحتى تغيرت لهجة واشنطن في المفاوضات مع موسكو. لقد أنتجت الولايات المتحدة أفظع سلاح عرفته البشرية، ولكي تثبت امريكا بأنها الأقوى، عمدت لقتل 200 ألف شخص في اليابان التي كانت مهزومة أصلاً في الحرب، وأعلنت لاحقاً عن تشكيل حلف شمال الأطلسي لحماية أوروبا الغربية من التهديد التوسعي من الشرق، ونُفِّذت حملة صليبية شعواء ضد الكتاب التقدميين والفنانين والشخصيات الثقافية الأخرى داخل البلاد، وفي جميع أنحاء العالم. كما في إندونيسيا مثلاً، حين دعمت وكالة المخابرات المركزية والسفارة الأمريكية بشكل فعاّل قيام سوهارتو بذبح حوالي مليون عضو ومتعاطف مع الحزب الشيوعي الإندونيسي في عامي 1965 و1966، وهي إبادة جماعية طواها النسيان اليوم.

لم يكن لدى الاتحاد السوفيتي المُدمّر للغاية، أي خططٍ لتوسيعِ قدراتهِ بعد الحرب العالمية الثانية. وبدلاً من ذلك قام بتسريح أعداد كبيرة من جيشه وبوتيرة سريعة حيث أصبح عديد الجيش الأحمر الذي كان يبلغ اثني عشر مليون جندي عام 1945، ثلاثة ملايين جندي بعد ذلك بثلاث سنوات.

في عام 1952، عَرضَ الاتحاد السوفيتي على ألمانيا الغربية معاهدة سلام تضمنت إعادة توحيد ألمانيا كدولة مستقلة، مع حقها في إنتاج أسلحة للدفاع عن أمنها فقط، ولكن ليس لأي تحالف موجه ضد أي دولة من الدول التي قاتلت هتلر. رفضت بون العرض وانظمت المانيا إلى الناتو. وفي 1955، رفض الغرب أيضاً عرض الاتحاد السوفيتي بالدخول إلى الناتو، وجرى خلق ستار حديدي بين شرق اوربا وغربها.

كان الناتو أساسيًا للولايات المتحدة لنشر الأسلحة النووية وإنشاء قواعد عسكرية في أوروبا. ومع ذلك، وخلال الحرب الباردة، لم يتبع حلفاء الناتو مغامرة الحرب الأمريكية الأطول والأكثر تدميراً في فيتنام. لقد استنزفت حرب فيتنام الاقتصاد الأمريكي وانهيار نظام العملة الدولي بريتون وودز (الذي ضمن للدولار الأمريكي قيمة ثابتة للذهب) إضافة إلى أزمة النفط في السبعينيات التي أفقدت الولايات المتحدة الكثير من ريادتها الاقتصادية في العالم.

نَمَتْ اقتصاديات الدول التي دعمتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لتصبح ليس فقط شريكة تابعة، بل أصبحت أيضًا منافسة للولايات المتحدة نفسها، وبالتحديد الاتحاد الأوروبي واليابان. وكما فعلت الولايات المتحدة، قامت اليابان ببناء دعامتها الأساسية في آسيا حيث أنفقت وكالة المخابرات المركزية ملايين الدولارات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على بناء الحزب الديمقراطي الليبرالي لمواجهة نفوذ الحزب الشيوعي الياباني.

كانت الولايات المتحدة هي القائد العسكري الفعلي للعالم الرأسمالي بلا منازع. لقد أنشأت الولايات المتحدة وخلال الحرب الباردة قواعد عسكرية حول العالم، بلغت 800 قاعدة وزادت من الإنفاق العسكري للناتو في عهدي كارتر وريغن، فيما كان الاقتصاد السوفييتي يعاني من الركود في السبعينيات والثمانينيات.

من مبدأ توازن الرعب إلى حُكْم العالم

شكّل الاتحاد السوفيتي في عام 1955 حلف وارشو، الذي ضم في البداية كلا من ألمانيا الشرقية، وبولندا، والمجر، ورومانيا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وألبانيا. بعد ما يقارب النصف قرن، لم يعد هناك وجود لعدو الناتو الرئيسي أي الاتحاد السوفيتي، ولا نظير الناتو في أوروبا الشرقية أي حلف وارسو، كما لم يعد جدار برلين قائماً. وبرزت الفكرة عن ضرورة حل حلف الناتو أيضًا، طالما أن العدو لم يعد موجوداً، لكن هذا لم يحدث. وهكذا بان الهدف الحقيقي للمنظمة، ففي مشروع استراتيجية الدفاع للبنتاغون (إرشادات حول التخطيط الدفاعي) للسنوات المالية 1994-1999، والتي تم إعدادها في عام 1992، ورد نص يقول “من الأهمية بمكان الحفاظ على الناتو كأهم أداة للدفاع والأمن في الغرب، فضلًا عن بقاء الناتو همزة وصل لنفوذ الولايات المتحدة ومشاركتها في قضايا الأمن الأوروبي “.

تنص استراتيجية الدفاع المقترحة لعام 1992 على أن “هدفنا الأول هو منع عودة ظهور منافس جديد، في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق أو في أي مكان آخر”، مضيفة أنه “يجب على الولايات المتحدة إظهار القيادة اللازمة المقتدرة لكي نقنع كل منافس يمكن تصوره، بأنه لا ينبغي له السعي من أجل مكانة خاصة وان عليه الدفاع عن مصالحه بنفسه.

كتب مسودة نصوص هذه الإستراتيجية، الدبلوماسي السابق زلماي خليل زادة، الذي أصبح فيما بعد سفيراً للولايات المتحدة في أفغانستان ثم العراق (بعد غزو البلدين في عامي 2001 و2003)، وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في عهد جورج دبليو بوش. لكن في هذا الوقت، كان المسؤول الأعلى لخليل زادة آنذاك هو جورج دبليو بوش الأب، الذي كان رئيسًا عندما تم حل الاتحاد السوفيتي.

وضع خليل زادة الاستراتيجية العامة، لكن نائب وزير الدفاع بول وولفويتز كان هو المسؤول الرئيسي. بعد تسريب المسودة إلى صحيفة نيويورك تايمز، وانتقادها بسبب صياغتها الوقحة، عمد وزير الدفاع ديك تشيني، لإعادة صياغة بعض النقاط، لكن دون تغيير جوهر المحتوى على الإطلاق. قال خليل زادة لاحقًا أيضًا إن ديك تشيني كان متحمساً كثيراً على وثيقة إستراتيجية “النظام العالمي الجديد” التي كتبها.

يمثل هؤلاء الثلاثة، تشيني وولفويتز وخليل زادة، تيار المحافظين الجدد الذي نما قوياً في عهد جورج بوش الأب، وهم النموذج الأصلي لما يسمى بالمحافظين الجدد، والذين سيكون لهم فيما بعد تأثير كبير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تتصف بالعدوانية الشديدة خلال ما يسمى بـ “حرب جورج دبليو بوش على الإرهاب”.

كان تشيني وزيرًا للدفاع أثناء حرب الخليج ونائبًا للرئيس في عهد جورج دبليو بوش، وأحد المؤيدين الرئيسيين للحرب على العراق عام 2003. أما وولفويتز فقد كان نائبًا لوزير الدفاع في عهد دونالد رامسفيلد أثناء غزو أفغانستان والعراق، ثم أصبح رئيسًا للبنك الدولي، الذي يُعدْ، مثل الناتو، أحد أدوات الولايات المتحدة للحفاظ على موقعها في النظام العالمي الإمبريالي.

بالإضافة إلى الأشخاص الثلاثة أعلاه، كانت هناك شخصية استراتيجية أخرى مؤثرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الا وهو زبيغنيو بريجنسكي، الذي كان مستشار الأمن القومي لجيمي كارتر أواخر السبعينيات. ففي كتابه الكلاسيكي الحديث عن السياسة الأمنية المعنوّن (رقعة الشطرنج الكبرى - الأولوية الأمريكية وضروراتها الجيوستراتيجية) كشف بريجنسكي علنًا عن أن المؤسسات المالية “الدولية” مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي في الواقع هيئات تسيطر عليها الولايات المتحدة وأجزاء من نفس نظام الهيمنة الأمريكية على العالم، والناتو هو الأداة الأكثر وضوحاً لذلك.

رقعة الشطرنج العظيمة التي يشير إليها بريجنسكي هي القارة (الأوراسية)، حيث سيطرت إمبراطوريات مختلفة عبر التاريخ على أجزاء أكبر أو أصغر. لكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أصبحت الولايات المتحدة أول إمبراطورية عالمية حقًا في التاريخ، كما يقول بريجنسكي. ويشير أيضًا إلى أنه في منتصف التسعينيات، كان لدى الولايات المتحدة تقريبًا نفس عدد الجنود المنتشرين على اللوح وكما كانت الإمبراطورية الرومانية في أقوى حالاتها قبل 2000 عام تقريبًا. في ذلك الوقت، كان هناك حوالي 300000 من الجيوش المنتشرة في جميع أنحاء الإمبراطورية لضمان قوة روما، وفقًا لبريجينسكي. وفي عام 1996 كان لدى الولايات المتحدة 296000 جندي محترف في القارة.  بريجنسكي - الذي يسلط الضوء على أوكرانيا باعتبارها جزءًا أساسيًا من اللغز في “اللعبة الكبيرة” حول أوراسيا - يرى في كتابه أن الاتحاد الأوروبي الموسع وحلف شمال الأطلسي شرطان ضروريان للولايات المتحدة لكي تتمكن من الحفاظ على موقعها المهيمن، وهذا ما اصبحت عليه بالفعل.

توسع الناتو شرقاً في أوروبا

بعد نهاية الحرب الباردة، توسّع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في الشرق. وبقدر تعلق الأمر بحلف الناتو، فإن هذا التوسّع هو انتهاك للوعد الشفهي الذي قدمه وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر في عام 1990 إلى ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفيتي. ففي أثناء المفاوضات بشأن إعادة توحيد ألمانيا، قال بيكر، وفقًا لمذكرة من أرشيف الولايات المتحدة، “إننا نتفهم حاجة دول الشرق إلى الضمانات. لو واصلنا التواجد في ألمانيا التي هي جزء من الناتو، فسوف لن يتم نقل اي قطعات عسكرية لحلف الناتو شبرًا واحدًا باتجاه الشرق “. لم يتم تدوين هذا الوعد ولا حتى احترامه، حيث يضم حلف الناتو اليوم 30 دولة وجميع الدول التي انضمت اليه كانت في السابق جزءًا من الاتحاد السوفيتي أو حلف وارسو، أو كانت جزءًا من يوغوسلافيا الاشتراكية السابقة.

بدون الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو كمعادل موضوعي، صار العالم ساحة مفتوحة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ففي التمرينات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في كازاخستان عام 1997، قال الجنرال الأمريكي جون شيهان، الذي قاد التدريبات، “الرسالة التي أريد أن أعطيها هي أنه لا توجد هناك دولة على وجه الأرض لا يمكننا الوصول إليها “.

لم تكن الرسالة التي قدّمها الجنرال الأمريكي دعائية فقط، بل كانت واقعية أيضاً، حيث تم استخدام جيش الناتو وللمرة الأولى في القتال في يوغسلافيا عام 1994، عندما أسقطت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي طائرات صربية وقصفت لاحقًا أيضًا المطارات الصربية.

يمكن بعد ذلك الدفاع عن هذا الجهد من الناتو من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - كما في حرب الناتو ضد ليبيا في عام 2011 - بالتصويت على قرارات بأن تحتفظ الأمم المتحدة بمنطقة حظر طيران فوق البوسنة. طلبت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة UNPROFOR رسميًا المساعدة من الناتو، وتم استبدال قوة الأمم المتحدة أيضًا بقوات الناتو والاتحاد الأوروبي في ديسمبر 1995.

وفي انتهاك واضح للقانون الدولي، احتفل الناتو بالذكرى الخمسين لتأسيسه في أبريل 1999 من خلال القصف العشوائي في صربيا، دون أي عقوبات من الأمم المتحدة - بعيدًا عن الدعاية حول “القنابل الذكية” للحلف. تم قصف المستشفيات والمدارس والمناطق السكنية والمباني الحكومية، وقُتل ليس فقط المئات من المدنيين الصرب، بل ثلاثة مواطنين صينيين أيضًا عندما قصفت السفارة الصينية.

ولكي تحظى عمليات القصف الحربية بالقبول، دخلت آلة الدعاية واجهزتها المختلفة في حالة تأهب قصوى، حيث بدأها وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين بالقول، إن ما يصل إلى 100 ألف من ألبان كوسوفو ربما يكونوا قد قتلوا على أيدي القوات الصربية، أما رئيس الوزراء البريطاني توني بلير فقد شبّه صربيا تحت حكم سلوبودان ميلوسيفيتش بألمانيا هتلر!

أدت عمليات القصف التي قام بها حلف الناتو في يوغوسلافيا إلى ظهور تفسير جديد بديل تمامًا للقانون الدولي وهو يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وفقًا لتوني بلير وأصدقائه في الناتو، فأنه بالإمكان الآن شن الحروب حتى لو لم تكن قانونية ويمكن أن تكون هذه الجهود “مشروعة”.

في عام 2001، شهدنا انتهاكًا صارخًا آخر للقانون الدولي عندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا أفغانستان بعد الهجمات الإرهابية في نيويورك في 11 سبتمبر. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تفعيل المادة الخامسة لحلف الناتو، لكن الولايات المتحدة اختارت بدء الحرب على أساس سوء تفسير المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن النفس. عندما سقط نظام طالبان، في عام 2003، تولى الناتو قيادة إيساف (قوة رابطة الأمن الدولي) التي أقرتها الأمم المتحدة، وبعد 20 عامًا من غزو الولايات المتحدة لأول مرة لأفغانستان، غادرت القوات الأمريكية هذا الصيف وعادت طالبان إلى السلطة مرة أخرى في البلاد.

لقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 2000 مليار دولار على الحرب في أفغانستان. يمكن أن يبدو وكأنه عمل تجاري يؤدي إلى خسارة، وهو كذلك للدولة ودافعي الضرائب، ولكن ليس للشركات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالبنتاغون في المجمع الصناعي العسكري. إنه أيضًا أحد أهداف الناتو الحقيقية التي تتجاوز الدعاية، الحفاظ على صناعة الأسلحة المربحة واستمراريتها.

كان ذلك أيضًا سببًا رئيسيًا لدعم البرجوازية الصناعية في الدول الأوربية من خلال بيع الاسلحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أرسلت القوات المسلحة السويدية طائرات (جاس) من أجل زيادة قابلية التسويق، وهذا ما تم كشفه من خلال وثائق ويكليكس في برقية سرية من السفارة الأمريكية في أستوكهولم عام 2008. أما في ليبيا فقد قدمت طائرات الاستطلاع (جاس) دعماً لوجستياً كبيراً لعمليات القصف التي قام بها حلف الناتو علم 2011.

الآن تعمل أجهزة الدعاية للولايات المتحدة والناتو مرة أخرى وبوتائر عالية وهي تزعم بتهديد روسيا للسلام في أوربا، من خلال زيادة قدراتها العسكرية، على أراضيها. وهنا يجب أن نعرف بأن الولايات المتحدة وحدها شكلت 39 في المائة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي بحلول عام 2020، وفقًا لمعهد الأبحاث SIPRI، أما روسيا فقد شكلت ثلاثة في المئة فقط.

منذ الوعد الذي قطعه جورج بيكر لغورباتشوف، توسع الناتو إلى 14 دولة في الشرق، ودعم الانقلاب الذي قاده الفاشيون في أوكرانيا في عام 2014، وضخ الأسلحة والمستشارين العسكريين إلى أوكرانيا، ورفض الاتفاق مع الخط الأحمر الروسي الذي يقضي بعدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، التي هي منظمة تسيطر عليها الولايات المتحدة، هدفها الرئيسي ضمان الهيمنة الأمريكية على العالم.

واخيراً وبعد كل هذا، يبقى السؤال مشروعاً، مَنْ يُهدد مَنْ في واقع الحال؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: (البروليتاري) جريدة الحزب الشيوعي السويدي

عرض مقالات: