اخر الاخبار

يعد خبراء اقتصاديون الهدر في المال العام بأنه صورة من صور الفساد، والذي يأخذ أنماطا عديدة لا حصر لها.

وللعراق سجل حافل في هذا الملف، نظراً لكثرة المشاريع التي تستحوذ عليها شركات اما ان تكون وهمية او تابعة بشكل او بآخر لمتنفذين في السلطة.

وتسببت هذه الشركات في هدر كبير للمال العام واضرار بمصالح الناس والخدمات التي من المفترض ان تقدمها لهم. ويؤكد معنيون ان كل هم هذه الشركات الفاسدة هو السيطرة على المشروع وسرقته دون تنفيذه، معللين ذلك بعدم وجود معايير ومحددات تضعها الجهات الرسمية عند التعاقد مع الشركات، إضافة الى ما موجود من اختلالات لدى الجهاز الرقابي.

البداية برؤوس الفساد

وفي هذا الصدد، يُعرف الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني الهدر على انه صورة من صور الفساد، بل انه الفساد بعينه، لأنه يأخذ صورا عدة تؤدي في النهاية الى الفساد. وواحدة من اشكاله البسيطة تبدأ من عدم استغلال الوقت بالنسبة للموظف المطلوب منه عمل 8 ساعات دوام.

وتابع قائلا: ان “تقرير البنك الدولي يقول ان العمل الذي يؤديه الموظف في العراق هو 17 دقيقة، ونحن نقول ساعتين في اليوم، بالنتيجة هذا معناه ان هذا الهدر يتسبب بعرقلة مصالح الناس وضياع للوقت، لان هذا الوقت يقابله استلام دخل، وهذا الهدر هو صورة من صور الفساد”.

وتحدث الخبير المشهداني لـ”طريق الشعب” عن شكل اخر من اشكال الهدر وهو: “المشاريع المتلكئة والوهمية، حيث يتم صرف مستحقات لمشاريع يفترض ان تقدم خدمات للناس سواء كانت طرقا او شبكات صرف صحي او شبكات مياه صالحة للشرب والكهرباء وغيرها، تقر كمشاريع يتم صرف دفعات منها، ويكون هنالك تلكؤ ولا ينفذ المشروع”.

نماذج هدر المال العام

وأوضح بالقول: “لدينا اليوم 9000 مشروع متلكئ بين 2010 و 2021، حيث إن هذه المشاريع صرفت عليها أموال بين 15 ـ 60 في المائة، لكن نسبة الإنجاز فيها بين صفر - 40 في المائة”.

وقال المشهداني: ان واحدا من النماذج عن ذلك “هو المشروع الذي يتحدث عنه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، طريق مدخل بغداد _ موصل، بطول 16 كم”، منوها الى ان “ 6 كم منه منذ 8 شهور تم قشطه وترك على حاله؛ من غير المعقول اننا غير قادرين على تعبيد طريق بطول 6كم كل هذه المدة”.

وذكر أيضا نموذجا اخر عن الهدر والاضرار بالمال العام وهو “صفقة القرن التي تعد واحدة من عشرات الالاف من النماذج خلال هذين العقدين لسرقة ونهب المال العام، والاستيلاء على اراضي الدولة والمعامل والمصانع والساحات والحدائق وغيرها التي تدخل ضمن تصنيفات الهدر”.

ويعلل عبد الرحمن المشهداني في حديثه لـ”طريق الشعب”، اسباب تفاقم الفساد بـ”نتاج ثقافة حيث ان التراجع في ثقافة المجتمع واحدٌ من أسباب هذا الهدر، لان الفرد من المفترض ان تقيده ثقافته المجتمعية وقوة القانون، اضافة لذلك القانون غير قوي يطبق على الضعيف ويستثني القوي”.

ولفت في السياق الى انه “عندما يكون هناك متهم ثبتت ادانته بسرقة أكثر من نصف مليار دينار، يحكم عليه السجن لمدة سنة مع ايقاف التنفيذ وفرض غرامة 200 ألف دينار، وعندما يسرق طفل علب محارم وصاحب المحل يتنازل عنه، يتم الحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات”.

واكد انه “لا يوجد شيء لا يمكن إيقافه سواء كان فسادا ام هدراً”، لكن هذا يحتاج الى إرادة سياسية وقوة القيادي السياسي، فعندما يكون ذا شخصية قوية وقادرا على ان يتخذ قرارات دون الرجوع الى الكتل السياسية والخوف منها، اعتقد انها ستكون بداية للإصلاح”.

وخلص الى ان الإصلاح “يبدأ من الرؤوس الكبيرة ثم ينزل الى الشرائح الاوسع. وأتمنى وأتأمل ان نبدأ بخطوات حقيقية في الإصلاح. واعتقد ان الحكومة الحالية جادة في ذلك، ولكن هل تستطيع ان تتوفق؟ هذا السؤال يبقى مطروحا”.

سرقة لا تنفيذ!

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي منار العبيدي، ان “العراق يعتبر من أكثر الدول استهلاكا للمواد بمختلف انواعها، والفرد العراقي من أكثر المستهلكين مقارنة مع الدول المجاورة وتحديداً الشرق الاوسط”.

وتابع العبيدي قائلاً “اننا بحاجة قبل كل شيء الى وعي شعبي بأهمية ان تكون عملية الاستهلاك مدروسة ووفق معايير محددة، ونحن نفتقد حملات التوعية بضرورة عدم الاسراف في الهدر بمختلف الاشكال وهنا نحن نتحدث عن سلوكيات المواطن ونظرته”.

واضاف في حديثه لـ “طريق الشعب”، ان “الدولة هي الاخرى لا تضع محددات للاستهلاك، فنمط الاستهلاك بالعراق مفتوح نتيجة لعدم وجود محددات، وغياب التخطيط يؤدي الى ان العراق يستورد كل شيء بدون وجود تعرفة جمركية صحيحة”.

وعن الهدر الكبير بالمال العام عزاه العبيدي الى “عدم وجود نظام رقابي صحيح وعدم وجود اليات لاختيار الجهات التي تنفذ المشاريع، بشكل يتناسب مع المعايير العالمية، وهذا حتماً يؤدي بكل تأكيد الى الهدر”.

وذكر ان مختلف دول العالم “ تتبنى شركات يكون لديها شهادات مثل الايزو وما يشابهها، لأجل ان تضمن ان الجهات التي تنفذ المشاريع هي جهات عالية التصنيع، وقادرة على إنشاء هذه المشاريع بأحسن المواصفات”، لافتا الى انه “في العراق ونتيجة العقود الحكومية التي يدخل فيها طابع سياسي لها علاقة بالكتل السياسية، يتم تسليمها الى شركات قد يكون بعضها وهمياً، والبعض الاخر منها غير رصين، ويكون هدفها الأساسي سرقة المشروع دون تنفيذه”.

معايير محددة

ورهن الخبير “تخلصنا من الهدر في المال العام بالعقود والمشاريع الحكومية، بذهابنا باتجاه تبني معايير محددة للشركات التي تقبل الدخول في العقود والمشاريع الحكومية”.

وأضاف انه “من غير المعقول ان أحيل مشروع مستشفى قيمتها 40 مليون دولار الى شركة لا تمتلك أعمالا مشابهة وشهادات من جهات عالمية ولم تنفذ أي مشروع، لذلك لا بد من وجود هذا التوجه من اجل تقليل هذا الهدر”.

وعن حجم الهدر في المال العام في العراق منذ سنة 2003 وحتى 2023، دخل أكثر من 1500 مليار دولار، قيمة المصروفات الاستثمارية التي من المفترض ان تكون على المشاريع الاستثمارية، وتتعلق ببناء مختلف المشاريع والبنى التحتية بحدود 400 مليار دولار أمريكي، ونحن نتحدث عما يعادل 600 تريليون، طبقا لما أفاد به الخبير.

وأضاف انه “على ارض الواقع نرى ان حجم المشاريع المنفذة والمنجزة من 600 تريليون عند مقارنتها مع الواقع لا تتجاوز 50 او 100 تريليون في أفضل الحالات. وهذا يعني ان الهدر بالمصروفات الاستثمارية فقط كان بحدود 400 مليار دولار تقريباً”.

 وفي ما يخص المصروفات التشغيلية قال ان “هناك 1000 مليار دولار ايضا جزء كبير منها مهدور ويُتوقع انه بين 200_ 300 مليار دولار، وإذا ما جمعنا الرقمين يتوقع ان حجم الهدر بحدود 500_ 600 مليار دولار خلال عقدين”.

عرض مقالات: