اخر الاخبار

بدأت قصة العراقيين مع محاولات وضع حرية التعبير ضمن إطار قانوني في العام 2010، عندما طُرح مشروع القانون في البرلمان بغرض التصويت عليه، غير أنه واجه انتقادات عدّة ادت الى ترحيله، قبل أن يُفتح هذا الملف مجدّداً في عام 2016 لكنه واجه أيضاً رفضا مدنيا واسعا. والآن، يجد معنيون ان المسودة الحالية للقانون ربما تحرج العراق في التزاماته بالمواثيق الدولية الداعية إلى ضمان ذلك الحق.

حقوق مكفولة دستوريا

وكان 36 نائباً يمثلون قوى مدنية ومستقلين وقّعوا في 3 كانون الأول 2022، على عريضة تطالب بسحب القانون لإجراء تعديلات عليه. وأشارت العريضة إلى أنّ القانون «يجب أن يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور».

واعتبر النواب المعترضون، في حينها، أنه لا حاجة لتشريع قانون لحرية التعبير، لأنها مكفولة في الدستور العراقي ضمن المادة 38، ولا توجد إشارة إلى أن تنظم في قانون.

وفي 5 آذار 2023، بدأ البرلمان مناقشة مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، لكن تلك المسودة التي سربت الى الإعلام أفرزت تخوفا لدى الكثير من الأطراف المعنية والناشطين والحقوقيين من بنودها المبهمة والفضفاضة التي تقبل تفسيرات وتأويلات تقلب مفاهيم الحرية والحقوق الفردية والاجتماعية والعدالة والمساواة، وتعزّز هيمنة القوى المتنفذة في السلطة.

يشار الى ان العراق موقّع على «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي ينصّ في المادة 19 على أنّ «لكلّ شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية». وبالتالي لا يجوز أن تكون نصوص القانون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان والدستور العراقي.

نائب: لا لتكميم الأفواه

من جانبه، وجه رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، رسالة اطمئنان الى الصحفيين والناشطين مع قرب تشريع قانون حرية التعبير، مؤكدا أن لجنته لن تسمح بـ»تكميم الأفواه».

وقال الصالحي في حديث صحافي تابعته «طريق الشعب»، إن «الناشط المدني الذي يبرز مساوئ فعالية معينة أو توجيه الانتقاد للعمل الحكومي او السياسي، هذا امر طبيعي، لكن هناك خلطا في التفسيرات، وهذا الأمر يستغل من قبل الجهات التنفيذية الحاكمة لتهديد وترهيب الصحفيين أو الناشطين».

وأضاف الصالحي، أن لجنة حقوق الإنسان البرلمانية تعمل على قانون حرية التعبير، كي تكون هناك ضابطة قانونية لتفسير ماهية التعبير عن الرأي، والقانون في مراحله الأخيرة.

ويحظر مشروع القانون الموجود حاليا في مجلس النواب «الطعن في الأديان، والمذاهب، والطوائف». ويواجه كل من يثبت أنه «أهان علنا نسكا أو رمزا أو شخصا موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية»، عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى 10,000,000 دينار عراقي (7,600 دولار أمريكي).

ويسمح مشروع القانون للسلطات بحظر التجمعات العامة، ما لم يتم الحصول على إذن مسبق من السلطات قبل خمسة أيام على الأقل. ولا يذكر المعايير التي ستطبقها السلطات في الموافقة على الاحتجاجات أو حظرها، ما يمنحها في الواقع سلطة حظر جميع الاحتجاجات.

لكن الصالحي طمأن بالقول: إن «على الصحفيين والنشطاء عدم الخوف إطلاقا من تشريع القانون، فنحن وضعنا هذا القانون لحمايتهم».

مستشار: أنجزنا الملاحظات

وأعلن مستشار رئيس الوزراء لشؤون حقوق الإنسان زيدان خلف، مؤخرا، إنجاز الملاحظات المطلوبة حول قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي.

وقال خلف، إن “هناك لجنة في مكتب رئيس الوزراء برئاستنا، تشكلت بشأن قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، حيث أكملت الملاحظات المطلوبة وتم إرسالها إلى البرلمان، بعدما تم التواصل مع مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني”، مبيناً أن “بعض منظمات المجتمع المدني أبدت عدم موافقتها على قانون حرية التعبير، وهو موضوع طبيعي جداً ونرحب بأي ملاحظات”.

مرفوض جملة وتفصيلاً

رئيس مركز ميترو للدفاع عن الحقوق والحريات الصحفية رحمن غريب قال: ان “مسودة القانون لا تنسجم مع المعايير الدولية لحرية التعبير وميثاق الأمم المتحدة الخاص بحرية التعبير والبند 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

وأضاف غريب في حديث مع “طريق الشعب”، ان عقبات كثيرة ستواجه حرية التعبير في حال جرى تمرير مسودته الحالية من قبل البرلمان، مؤكدا أن تحالف الدفاع عن حرية التعبير وبعض منظمات المجتمع المدني ترفض مشروع القانون.

واكد رئيس ميترو، ان “اي مشروع يخص الحريات والحقوق في العراق يمرر من خلال البرلمان بتركيبته الحالي، لن يكون في صالح الحركة المدنية وجمهورها في العراق”، مشددا على ان هذه المسودة مرفوضة “جملة وتفصيلا”.

ونبه غريب الى ان هناك مسودة قانون اعدها تحالف الدفاع عن حرية التعبير وسيتم تقديمها قريباً وعرضها على جميع الاطراف المعنية.

يشار الى انه في 12 شباط الماضي، أعلن في بغداد عن تشكيل (تحالف الدفاع عن حرية التعبير) الذي يضم مجموعة منظمات غير حكومية وأعضاء برلمان وأفرادا ناشطين في المجتمع المدني وخبراء قانون، والذي يهدف إلى حماية حقوق الإنسان وصونها، بالإضافة إلى خلق مساحات حوار صريحة مع مؤسسات الدولة لردم الفجوة التي عُمِقت بينهما طيلة العقدين الماضيين، والتحول من آليات العداء والإقصاء، إلى آليات الحوار والنقاش وإيجاد المشتركات.

خنق لحرية التعبير

رئيس جمعية المواطنة، وعضو تحالف الدفاع عن حرية التعبير، محمد السلامي، قال لـ”طريق الشعب”، إن مشروع القانون الراهن هو المسودة نفسها التي جرى تقديمها في عام 2011، وقت كانت الاحتجاجات الشعبية المنادية بالخدمات وتحسين الاوضاع في البلاد في أوج عظمتها.

وشدد السلامي على ضرورة سحب المسودة وعدم تشريعها بشكلها الحالي.

وأكد، انه تم التواصل مع لجنة حقوق الانسان النيابية ومع العديد من النواب في لجان الثقافة والاعلام والقانونية وحقوق الإنسان، وإقناعهم بضرورة سحب هذه المسودة.

واشار السلامي الى ان المشروع الحالي “يحمل الكثير من نقاط الخلل التي لا تتلاءم مع مبادئ حرية التعبير ولا وثيقة الدستور ولا الوثائق الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الانسان او العهد الدولي للحقوق السياسية والثقافية والمدنية لسنة 1966”. واسترسل السلامي في حديثه عن هذه الملاحظات بالقول: ان مشروع القانون لم يذكر او يتطرق لمسألة الاعتصام وهي شكل من اشكال حرية التعبير عن الرأي. كما انه يدعو الى تشكيل لجنة من المتظاهرين تقدم طلبا بالتظاهر، وهذه اللجنة تتحمل اي خلل يحصل خلال التظاهر او التجمع او فعالية حرية التعبير، بينما في المعايير ليس هناك اي مسؤولية، انما يجب ان تكون الدولة هي الحامية للتجمع والتظاهر او الاعتصام.

ومن بين الملاحظات التي ذكرها السلامي، “تحديد الفترة من الساعة 10 مساءً وحتى الساعة 7 صباحاً على انها فترة تكون خالية من اي فعالية خاصة بحرية التعبير، سواء كانت تظاهرة ام اعتصاما ام اي فعالية اخرى بهذا الصدد، فهذا مخالف لنص المادة 38 من الدستور، والتي تعطي الحرية الكاملة بالتجمع والتظاهر السلمي، ولا تحددها بفترة زمنية معينة.

ونوه السلامي بان مشروع القانون “لا يسمح ان ينظم التظاهر او التجمع بالساحات والشوارع العامة، بل يشدد على أن يكون في ساحة معينة تحددها الحكومة، وبالتالي تكون بعيدة عن الجمهور، وهذا ايضا خلل كبير لان الغاية من اي عمل او فعالية بحرية التعبير هي تعريف الناس بها وصناعة رأي عام، وممارسة الضغط على السلطات”.

وخلص السلامي الى ترويج هذه المسودة في فترة احتجاجات شباط 2011، كان الغرض منها إضعاف فاعلية الجمهور في التظاهر.