اخر الاخبار

حُفر نهر العشار في محافظة البصرة أيام عهد الوالي العثماني محمد هدايات باشا عام 1878م، ويعد أحد الأنهر التي لعبت دورا كبيرا في حركة الاقتصاد والتجارة وكان معلما سياحياً وثقافياً يتوافد إليه الكثير من السياح وحتى الشخصيات الدبلوماسية والسياسية. وبين الماضي والحاضر يشهد نهر العشار إهمالاً كبيرا منذ عقد التسعينيات، مرة من قبل الجهات الحكومية المسؤولة ومرة من قبل سكان المنطقة.

وتفوح من جانبي نهر العشار روائح كريهة نتيجة رمي النفايات وسط النهر من قبل السكان، الأمر الذي يتطلب القيام بحملات توعية ثقافية.

إهمال

يقول ستار سعد (57 عاماُ)، أحد سكان منطقة العشار إن “في العقود السابقة كان الكثير من البصريين يستخدمون مياه العشار للشرب، باستثناء الأثرياء الذين كان يجلب لهم المياه من شط العرب، الأنقى إجمالاً، كما كان كثيرون يرتادونه لأجل السباحة في فصل الصيف”.

ويبين في حديث مع مراسل “طريق الشعب”، أن “آخر مرة تم رصف ضفاف النهر بالحجارة وتنظيف قاعه في عام 1989 أما السنوات التي تلت فشهدت إهمالاً كبيرا للنهر، وما زاد الوضع سوءا هو نشوء ظاهرة تصريف مياه المجاري في مجرى النهر في فترة التسعينيات، وتعمقت حالة الإهمال بعد عام 2003”، لافتاً إلى أن “الصيادون بدأوا بهجرته لخلوه من الأسماك، كما أن مياهه التي كانت تعكس زرقة السماء أصبحت داكنة لشدة تلوثها وبروز روائح كريهة منها”.

ويعرب ستار عن استيائه العميق إزاء الوضع الحالي لنهر العشار، معبرا عن قلقه من تراكم النفايات على جانبي النهر الذي يعتبر موروثاً طبيعياً مهماً للمنطقة إضافة إلى وجود ارتباط معنوي بين سكان العشار ونهره.

واختتم حديثه بالتأكيد على وجود حاجة ماسة للوعي بأهمية الحفاظ على جمال ونقاء هذا النهر، وتبني ثقافة عدم رمي النفايات فيه والعمل على المحافظة على بيئتنا الطبيعية.

وعلى مدى مئات السنين كان النهر يحظى بالعناية والاهتمام باعتباره الشريان الأبهر للمدينة، حتى أن ضفافه قبل توفر الكهرباء كانت تُضاء بقناديل زيتية، وباعتبار النهر ضرورة حياتية كان تطهيره من الأعمال المبهجة للبصريين.

بانتظار التصاميم

يقول مدير الموارد المائية في البصرة جمعة المالكي، إن “نهر العشار يتمركز وسط مدينة البصرة ويعد أحد تراثيات البصرة وجماليتها”، مشيرا إلى وجود إيعاز من قبل مدير الموارد المائية بإعادة تأهيله، نظراً لتلك الأهمية”.

ويؤكد في حديث أجرته معه “طريق الشعب”، “ تم إعداد كافة الكشوفات اللازمة لنهر العشار وتم وضع خطة تأهيلية تتوافق مع مكانة النهر وتاريخه”.

ويضيف المالكي، إن “المباشرة بالتنفيذ ستبدأ فور إتمام التصاميم الخاصة بالمشروع”.

وبشأن النفايات التي تتكدس على جانبي النهر، أوضح المالكي أن “دائرة الموارد المائية تواصلت مع بلديات البصرة لأجل حل هذه المشكلة”، مشيرا إلى أن مشكلة النفايات لا ترتبط بالمؤسسات الحكومية فقط انما بوعي المواطن كونه شريكا في تفاقم مشكلة النفايات”، لافتا إلى أن لانتشار النفايات آثار سلبية عديدة منها ما يتعلق بصحة المواطنين”.

جهود طوعية

يعمل سعد ستار حاليا على تنظيم مبادرات بيئية مشتركة بين صناع القرار والمجتمع المدني، لأجل وضع حلول حقيقية وتوعية الجمهور بأهمية الحفاظ على البيئة والمحافظة على نهر العشار، متأملاً أن تتجاوب المجتمعات المحلية مع هذه المبادرات ويكون لها الأثر الإيجابي في تحسين حالة النهر وجعله مكاناً صحياً وجميلاً للجميع.

وعن سبب حماسه بهذا العمل التطوعي، يبين سعد لـ “طريق الشعب”، أن “ وضع النهر الحالي بائس جداً، وبات ينعكس سلباً على المواطنين بسبب ما ينشره من ملوثات وروائح كريهة، كما أصبح يعكس منظراً غير محبب للمارة، وهذا بالأمر المؤسف بعد أن كان معلماً جمالياً مثيراً للإعجاب،”، واصفا سعد نهر العشار في السنوات السابقة بأنه “ذو منظر خلاب يأسر المارة، ويجعلهم يعودون إلية مرة أخرى”.

ويضيف أن “مشاريع تجميل النهر وتأهيل ضفافه لا فائدة منه، كون النهر ميتا سريرياً، والأمر لا يتطلب حلولاً ترقيعية انما حلا جذريا مع تخصيص ميزانية كافية”.

وأثار نهر العشار إعجاب العديد من الرحالة ودبلوماسيين أجانب، منهم قنصل روسيا القيصرية ألكسندر أداموف الذي أفاد في كتابه “ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها” الصادر عام 1912 بأن “نهر العشار بالنسبة إلى البصرة هو الشريان الرئيس لحركة البضائع والركاب. وضفاف النهر غايةً في الجمال، وهي مغطاة كلها تقريباً ببساتين النخيل”، بينما ذكر عالي بك في كتابه “رحلة إلى العراق العثماني والهند” أن “نهر العشار عامر ببعض البساتين والأبنية، وهو يتجه من أمام إدارة الجمارك وحتى مدينة البصرة إلى الداخل، وتتفرع منه ترع عدة تتجه صوب البساتين. ولا يمنع المد والجزر من ذهاب وإياب القوارب التي يطلقون عليها اسم “بلم”، وأرضيتها مفروشة وفوقها مظلة. ولأن أهالي البصرة أصحاب ذوق، فهم يتجولون رجالاً ونساءً في هذه القوارب أثناء فترة الطقس اللطيف، ويعبرون بها النهر من الليل حتى الصباح وهم يغنون ويمرحون”.

عرض مقالات: