اخر الاخبار

هذا الكتاب مجموعة مهمة من المرويات الشعبية التي مثلت الافراد والجماعات بوصفها تراكماً موروثاً من الحكايات الشعبية التي ابتكرها سارد أو مجموعة من الرواة، امتلك مهارة التدخل في حياة الافراد من بعيد والتعامل مع المستمع له عبر الاخر والمساهمة بقص الحكاية من جديد واضفاء ما يظنه ضرورياً في جسد الحكاية ومنحها درساً جوهرياً يحتاجه الرجل والمرأة. ومن هنا يكون دور الحكواتي شبيهاً بالمهمة التي يقوم بها المعلم ويتخذ صفة القصحون اليومي، في ليالي الافراد ويبرز دوره في سرد الحكاية التي لا تبتعد كثيراً عن تاريخ الافراد والمكان الذي دائماً ما يكون واسعاً للغاية ويكشف تفاصيل العديد من الجماعات. لذا دائماً ما تكون استعادة المخزونات نوعاً من الواجب امام الجماعة والافراد، من اجل تداول تفاصيل المرويات التي تمثل رجلاً من الاخرين وهو يعبرعن الاخلاق والكرم والشجاعة والنخوة. كل هذا هو ما تعتني به حكايات نوال جويد المتداولة بين الافراد وتغذيتها لردم ما تحتاجه من مكملات حكواتية، يستعيدها فرد، ما من مكان مجاور للمكان الذي انتج الحكاية او من مضيف بعيد، لكنه استمر وريثه باستعادة كل ما استمعت اليه الجماعة في مضيف والده او جده. ومثل هذه الوظيفة هي معايشة الاجيال لتواريخ سابقة وقديمة ودائماً ما يكون احد ابناء المكان هو المشارك بالحكاية والاصل الاول. ولذا يكون المضيف في حيواته البدئية، عندما كان الجد والاب يؤديان وظيفة كل منهما في تأدية الدور الاجتماعي والعشائري. اشارت الراوية نوال جويد نقلاً عن ذاكرة العائلة التي يمثلها الجد، حتى تضفي عمقاً للحكاية وتمنحها مصداقية عندما تقول: من سوالف جدي الله يرحمه.

ولعل حكاية تسواهن هي الاكثر تعريفاً بالاعراف والانظمة والعرفيات التي انتجها الافراد والجماعات حتى صارت ضوابط ناظمة للحياة اليومية وامتلك قوة السنن التي لا يمكن اختراقها وتفكيكها. ولذا نجد ان نوال جويد اكدت في بداية حكاية تسواهن: من سوالف جدي ولم تكتف باسناد والحكاية لجدها، بل ادخلت حميد طرفاً سردياً لتمنح الحكاية قوة تأثير كما بالامكان الوظيفي للمرويات ان يكون طرف جوهري، يتخذ موقفاً مركزياً داعماً للحكاية وما تضمنته من دقة وحكاية “تسواهن “احدى مخزونات الذاكرة الشعبية الموروثة والتي تحولت نظاماً اجتماعياً وثقافياً يحفظ اخلاق الجماعة. وما ارادته نوال جويد بناء الثقة بالمرأة وتعزيز العلاقة بها ومعها باعتبارها منتجة درساً اخلاقياً، لان العمل هو الروح الحية التي تمنح المرأة تراكماً ثقافياً وشرفاً. لذا اعتقد ان حكاية “تسواهن “احتلت جوهر الكتاب واعني بالجوهرة بدايته، لان تسواهن مدرسة اعداد وتأهيل للإناث والنساء. من هنا لم يستطع حميد مالك الدكان ان يغوي “تسواهن “كي تمنحه جسدها، لأنها تعرف عبر ثقافة المكان والمتعارف من ان جسد المرأة شرفها وشرف كل ماله علاقة بها. للحكاية درس تداولته الجماعات وتحول عرفاً ناظماً للحياة و “تسواهن “ليست بائعة جسد ومانحة المتعة بما يغوي من لم يستجب لطلبه واخبرته بانها ستذهب لأبيها وشيخ عشيرة واتحدث مع اخوتي الذين منحوني امانة وعلىّ المحافظة عليها واذا وافقوا سأعطيك.

واكدت “تسواهن “انها ستقص ما حصل معها لمن تعرف ومن اهمهم اعمام زوجها الذين اقترنت معه ولديها منه ثلاث اولاد. واردفت ما قالته بكلام اختصر كل حياتها وتجربتها عندما كانت انثى وبعد زواجها، لذا منحوها الثقة وسمحوا لها المغادرة والعمل وحكمة مروية “تسواهن “ما قاله الحاج حميد الذي قال. منذ ذلك اليوم، لم اشاهد تسواهن الجميلة في داخل السوق ربما يسذهب الكثير من الذين سيقرأ مقالتي من عن “مشحوفخريبط “بأني ذهبت نحو التأويل المفرط لذا بودي أقول ان الحكاية الشعبية، سردية لا تختلف عن غيرها من السرديات، تخضع لعناصر وقواعد التلقي وتأويلها لا يختلف عن مساعي التلقي في البحث عن المعنى ومغادرته لاحقاً وراء المعنى المغيب. وانا اعتقد بأن هذه المرويات تحتاج ندوة للحوار مع القراء. انا تعاملت مع العنوان “مشحوفخريبط “بوصفه رمزاً دالاً على الانثى “والمشحوف صورياً علامة مع فرج الانثى، او يتسع اكثر واقول ان تسواهن زوجة خريبط الملفت للانتباه في مرويات “نوال جويد “تركيزها والاختصار الذي اضفى على الحكايات تشويقاً مساعداً على القراءة والعناية بها، لذا انا وجدت في الحكايات خصائص مميزة لها. لكل واحدة درس تنفرد به الحكاية وكأنها ذهبت نحو الواقعة والحدث الاول الذي وقع مدوياً في حياة الافراد وتحول الى عنصر سردي توافقت الجماعات كلها على تداوله. والحديث عنه باعتباره حدثاً تعتز به الجماعة التي انتجته.

وصاغته وصار ملكية لها. وتفتخر به وتشجع على تعاطيه، لان التعاطي يضفي الحضور والديمومة والقوة، من اجل حيازة الحكمة التي رشحت عنه الحكاية. بوصفه درساً حياتياً ومجداً تعتز به الجماعة. لابد من اشارة جوهرية حول مرويات نوال جويد التي تم تسجيلها بذكاء مع حفاظ اللغة المحكية ومن هذا الشكل من التدوين حفاظ على اللغة المتداولة والامساك بها عن الضياع وعبر هذا السرد، سيتم تدوين معجم متداولي لجغرافية معنية ومنطقة محددة، معروفة من خلال الاشارة لها. وتميزت هذه المرويات بتركيزها ما يمنحها طاقة تأثير وجذب وتوفرت على رموز وعلامات، لان اللغة المحكية لا تختلف عن اللغة الفصيحة وما تحتفظ به من رموز ودلالات. اما حكاية “ابو فايز العايدي “فهي كشاف مثير لرجل فاقد بصر لكنه وقع بحب فتاة معتمداً على الاستماع واكتفى بإيقاع صوتها وعبر عن ذلك بمقطع شعري من الدرامي. ومثل هذه المروية متكررات عديدة في الارياف والقرى. اما “حكاية اغنية يا حريمة “التي غناها حسين نعمة وكتب كلماتها الشاعر ناظم السماوي وهي عن فتاة استعاد رؤيتها في بغداد وهو يسير على جسر الجمهورية وحصل تبادل حوار بين الاثنين. ما اريد قوله ان الحكاية بوقائعها استيقظت في بغداد وهذه الحكاية مسموعة كثيرة من الشاعر السماوي. اجد ضرورة الاشارة لأهمية انتباه نوال جويد الى تنقية السرد من المفردات الفائضة مثل الرائع، صفة لحسين نعمة وعلى أية حال تعتبر هذه المروية جزءاً من خزان ذاكرة الفن وما زالت حاضرة في ذاكرة الجماعة وكل عام تستولد هذه المروية حياة جديدة لها. ويمكن التعامل مع حكاية “مشحوفخريبط “كنموذج حكائي رمزي بين خريبط ورموز السلطة الذين تحداهم وتخلص منهم، لكنهم سلبوا منه مشحوفه ووضعوه جوار جسر سوق الشيوخ وكتبوا عليه “مشخوفخريبط “والدلالة الرمزية واضحة، ضمن بمشحوفة وانتصر على السلطة. مروية وعشق الجنوني “موروث محفوظ ومتداول كثيراً وبالامكان ان اقول بأن علاقة حكاية عشق احميد مع سعدة امتداد لبدئيات العشق السومري الذي تحول منذ لحظة سومر الى طقس ديني مشهور، اقترن بنظام الخصوبة والانبعاث وتجدد الحياة وكان لهذا الطقس تأثير كبير للغاية بنشوء فنون مثل الشعر الايقاع / الموسيقى / الرقص / الغناء. وتعتبر مروية “عشق الجنوني “احدى محكيات الحب التي عرفتها الارياف وتحولت الى مروية تراجيدية لاسباب اهمها الاعراف العائلية القاسية واخطاء بسيطة اعتبرها المحذورات والضوابط  خرقاً وهذا ما حصل بين احميد وسعده، لكن المشاكسات القدرية جعلت من سعدة ارملة وقادته الصدفة احميد وتعرف عليها ونبض بينها الحب واستعاد طاقته الاولى وارتضى كل منهما بالاخر وتزوجا. ومن بين الحكايات الكثيرة جداً مروية اخرى “مواسم الحصاد “حيث تعرف رجل غني على فتاة وفدت لتمارس الحصاد في نيسان ويبدو لي ان هذا الموسم هو الربيع السومري الذي يصادف 1/4 قبل ويمثل الحصاد طقساً يحتفى به وهو الطقس الخريفي للزواج الالهي، رأى الرجل الميسور الفتاة الجميلة جداً اصطحب عدداً من الوجهاء وذهب لأهل الفتاة، لكن والدها رفض لان ابن عمها ارادها له، والذي ساهم بحل للتراجيديا العشق هو الشاعر “عميته الجار الله “اسمع الجميع نوعاً من الابوذية وسرعان ما حصلت موافقة الوالد بعد استشار ابنته وتم الزواج أخيراً اقترح على المنظمات الادبية والثقافية الاهتمام بمثل هذه التجارب الجديدة والتي تعمقت في المنطقة الجنوبية وبرز عديد من الاسماء منهم الشاعر علي ابو عراق ونوال جويد التي قرأنا لها بعضاً من حكايات مجموعتها ومشحوف خريبط ولنا عودة لمجموعة “حكايا بلون القصب / سوباط زكيوة “.

عرض مقالات: