اخر الاخبار

نتيجة لازمة تغير المناخ العالمية وسوء الادارة في البلاد، يواجه العراق تحدياً كبيراً ازاء فقدانه مساحات واسعة من اراضيه الزراعية التي لم تعد صالحة للزراعة، نتيجة تغير نوعية التربة، وفق ما افاد به خبراء في الشأن.

ووضع سوء الادارة والتخطيط وغياب الارادة السياسية لمعالجة ما يواجهه ملف البيئة من مشاكل وتحديات، العراق اليوم في مأزق كبير، نتيجة لتفاقم الازمة ووصولها الى مديات خطيرة، باتت تهدد الامن الغذائي، وتنذر بهجرة من الريف الى المدينة نتيجة البطالة.

يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية

وفي هذا الصدد، يقول رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بغداد، آوكي لوتسما، في حديث صحفي تابعته “طريق الشعب”، ان “العراق يواجه حالياً أسوأ موجة جفاف في العصر الحديث، تقوض الإنتاجية الزراعية، وتهدد الدخل والأمن الغذائي للسكان”، مشيراً إلى أن “تغير المناخ يشكل تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان الأساسية والنمو المستدام والسلام والاستقرار في العراق”.

ويتابع لوتسما حديثه قائلا: ان التغير المناخي “يؤدي إلى تفاقم مشكلة شح وتراجع جودة مياه نهري دجلة والفرات اللذين ينتجان أكثر من 90 في المائة من المياه السطحية للعراق”.

وينوه الى ان التقديرات تشير إلى أن “زيادة درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة وانخفاض هطول الأمطار بنسبة 10 في المائة بحلول عام 2050 سيؤديان إلى انخفاض بنسبة 20 في المائة في المياه العذبة المتوفرة، وبالتالي انخفاض بنسبة 25 في المائة في كمية المياه التي تستخدم لقطاع الزراعة الذي يستهلك حوالي 80 في المائة من مياه العراق، ما يجعل تغير المناخ تهديداً حقيقياً للأمن الغذائي”.

ويؤكد لوتسما “ تراجع حصول البلاد على المياه من حوالي 30 مليار متر مكعب عام 1933 إلى حوالي 9.5 مليارات في الوقت الحالي. ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030. والأمر بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنوياً، وهذا يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية”.

فقدان الكثير من المساحات المزروعة

يقول الخبير البيئي احمد صالح نعمة: ان العقود الخمسة الاخيرة اهمل العراق فيها الجانب البيئي بشكل كبير جداً، لذلك اصبح شبح التغير المناخي قائماً ليس لكونه اتى فجأةً، لا بل لأننا راكمنا الاهمال الكبير لهذا الجانب، ما تسبب في فقداننا مساحات كبيرة جداً من المزروعات من غابات النخيل والبساتين والزراعة الحقلية والبستنية.

ويضيف صالح لـ”طريق الشعب”، “تصحرت مساحات واسعة جدا من اراضينا في العراق، ما ادى الى فقدان النباتات وتغير نوعية التربة والوسط الزراعي، وهذا ما اصبح يعيق اعادة زراعتها بسهولة، الا اذا اشتمل ذلك على كثير من الاصلاحات”.

ويقترح الخبير البيئي إنشاء “مبازل واقنية للري واليات حديثة للري ومكافحة التصحر”، مردفا “هناك جهود حكومية باتجاه زراعة بعض المناطق، لكنها غير منظمة وخجولة”.

ويعلل السبب في اعاقة العمل “بعدم توفر المياه في الموسمين الماضيين، ما تسبب بفقدان المساحات المزروعة، منها محصول الشلب ـ رز العنبر العراقي ـ الصنف النادر في المنطقة، واصناف اخرى من المحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والشعير والذرة”، عازيا ذلك الى “التخبط الواضح بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، وعدم وجود تنسيق؛ فعلى سبيل المثال قررت وزارة الزراعة رفع مستوى المساحات المزروعة الى مليون دونم اضافي دون الرجوع لوزارة الموارد المائية. بينما ستكون هذه المساحات عرضة للجفاف في الصيف القادم. هذا الخلل يتعلق بالادارة، وفي ما يخص الخلل في الطبيعة فإن العراق خلال السنوات الماضية لم يواكب كل هذه التغيرات المناخية، فتراكم الاهمال، وبالتالي فقدنا مساحات شاسعة وصولا الى تصحر اراض كبيرة”.

ويلفت الى ان “80 في المائة من المياه الواردة يستهلكها العراق في مجال الزراعة. وليس من المنطقي ان نطلب من المواطن ان يسترشد بالاستهلاك في مقابل عمل الحكومة على هدر هذه الكمية الكبيرة من واردات المياه للزراعة فقط، دون الوصول الى اليات حديثة للزراعة، تضمن للعراق خزينا استراتيجيا مائيا مطمئنا”.

التصحر قد يصل لـ90 في المائة

من جانبه، اشار المستشار السابق لدى لجنة الزراعة النيابية عادل حمزة، في مستهل حديثه مع “طريق الشعب” الى الاجتماع الذي عُقد قبل ايام للجنة التنسيقية لوزارة الموارد المائية مع الوزير، مشيرا الى ان اللافت للنظر هو تصريح الوزير الذي أشار الى ان الواقع المائي خطير جداً، وعلى ضوء ما متوفر من خزين مائي، سنضع خطة زراعية”.

وقال ان “الخزين المائي لا يسمح بتغطية متطلبات الخطة الزراعية لموسم الصيف، لانه الاسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي”، مسلطا الضوء على حديث الوزير الذي ذكر بأن السلطات تركز على توفير مياه الشرب، وهذا يعني ان الخطة الزراعية ستقل بشكل كبير، وبالتالي توسع التصحر واضمحلال الغطاء النباتي”.

ونبه حمزة الى “أننا امام حالة كارثية ومجنونة تصيب العراق؛ فحتى ممثل الامم المتحدة وصف الجفاف الذي يضرب العراق بانه الأخطر في التاريخ الحديث، وهذه تصريحات خطيرة تثير سؤالا واقعيا: ماذا لو كان الشتاء القادم جافا أيضا؟ فما هو مصير العراق وشعبه؟”.

واكد ان “أزمة المياه هي الأساس في تصحر أراضينا الزراعية التي تفقد قيمتها الاقتصادية. وبالنسبة لمدير عام البستنة فانه قال قبل عامين ان التصحر سيصل الى نسبة 90 في المائة!”، متسائلا “الى اين نحن ذاهبون، ونحن بلا خزين ولا مياه صالحة للشرب؟”، لافتا الى انه يجب ان “يتم إعداد خطة زراعية وفق الكمية التي ستصرف من المياه، لا على اساس المساحة، والعمل على زيادة انتاجية الدونم حتى تكون هنالك فروقات مائية وإنتاجية”.

ويقول المستشار السابق في لجنة الزراعة النيابية ان “البطالة والهجرة من الريف الى المدينة والتلوث الذي يزداد يوما بعد يوم، ومشكلة توفير مياه شرب، كلها مشاكل سنواجهها في قادم الايام، برغم أنها ظاهرة بشكل واضح الان في محافظات كربلاء وذي قار وميسان”.

وفي ختام حديثه، يدعو حمزة الى ضرورة ان يعيد المعنيون النظر في السياسة الزراعية “لأنها اكبر قطاع مستهلك للمياه، فلا احد يعرف كم هي الحاجة الفعلية لهذا القطاع من المياه”.

عرض مقالات: