اخر الاخبار

مهنة النجارة واحد من القطاعات الحرفية المهمة، وهي تشكل مصدرا مهما للبلد يساهم في انعاش الاقتصاد، وفي استقطاب اعدادا كبيرة من الايدي العاملة. الا ان هذه المهنة تراجعت بشكل كبير بعد عام 2003، بسبب الفوضى الاقتصادية وما يسمى بالسوق الحر، الذي فتح الحدود على مصراعيها امام دخول حتى السلع الرديئة. ومهنة النجارة بعد ان كانت قبل التاريخ المذكور مزدهرة ويعمل فيها الاف العمال، بدأت بعد ذلك بالتراجع مما زاد من معاناة العاملين فيها.

وللتعرف على هذه المعاناة تجولنا في منطقة الصالحية، التي تعتبر مركزا رئيسيا لانتاج الاثاث المنزلي وغرف النوم المصنوعة من الخشب، والتقينا عددا من اصحاب الورش والعاملين فيها ليبينوا لنا تلك المعاناة. 

اهمال القطاع الخاص وفتح الحدود

لم تعد منطقة الصالحية في بغداد كما كانت سابقا، معروفة بين المواطنين بمحلاتها وورشها النجارية، والتي كانت تضج بحركة المناشير واصوات الطَرْق على المسامير، كخلية نحل تحرك ارباب العمل والعمال الحرفيين المهرة وغير المهرة.هذا الحي الذي كان يقصده كل من ينوي الزواج لشراء غرفة نوم او لتاثيث منزله من اجود انواع الاخشاب. ولكن اليوم لم يعد هذا المكان كالسابق حيث توقف الكثير من الورش عن العمل، واغلقت المحلات واصبحت تعد على اصابع اليد، مما دفع اصحاب الورش الى ترك مهنتهم والعمل في مهن اخرى.

 كما ان البطالة نالت من اغلب العاملين في هذا القطاع، وهذا ما بيّنه النجار ابو احمد، قائلا ان السبب في ذلك وفي توقف اعمالهم يعود الى  وضع البلد بعد 2003، وما ساد من فوضى واهمال للقطاع الخاص ولكل الورش الصغيرة التي كانت منتجة، اضافة الى فتح الحدود بصورة غير مدروسة وعدم فرض ضرائب على المنتج الاجنبي. يضاف الى ذلك دخول اخشاب وغرف نوم  جاهزة وإن كانت رديئة، مما يدفع اغلب المواطنين الى شرائها بسبب رخص اثمانها. لكنها لا تدوم طويلا وسرعان ما تستهلك، بعكس الانتاج المحلي الذي يتميز بالمتانة وجودة الاخشاب المستخدمة في صنعه.

وقال ابو احمد مضيفا “ان العمل الان في ورشة النجارة متوقف، وقد تم تسريح العاملين الثلاثة فيها وعرض الورشة للبيع، لانني لم استطع تسديد الايجار ودفع اجور العمال”.

ارتفاع الاسعار سبب للاحتضار

من جهة اخرى بيّن الشاب سجاد ان السبب في انحسار المهنة وتركها من قبل اصحابها، هو ارتفاع اسعار الخشب المستورد والمواد الاولية الاخرى المصاحبة لعملهم، كذلك قلة اقبال العوائل على شراء الاثاث المحلي نظرا لارتفاع اسعاره مقابل المستورد الجاهز والذي يكون عادة بتصاميم حديثة ولو بنوعية رديئة. واكد ان المستورد لا يمكن ان يضاهي المنتوج المحلي والذي من الممكن تفكيكه ونقله من مكان لاخر ولاكثر من مرة، بعكس الاثاث المستورد الذي لا يمكن تفكيكه ونقله، مضيفا انه “لم تتخذ الحكومة اية اجراء لايقاف الاستيراد العشوائي وفرض الضرائب على المستورد، مقابل تخفيض اسعار الخشب المستورد والمواد الاولية التي نستخدمها في صناعتنا، والسبب المهم هو الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي والاعتماد على المولدات الاهلية التي تضيف اعباء مالية تثقل كاهلنا، في ظل ركود الاسواق وتوقف الطلب على بضاعتنا.

الدخلاء على المهنة سبب آخر

وللاسطة الستيني ابو خالد رأي اخر في اندثار مهنة النجارة، يقول انه زحف الدخلاء من الطارئين على هذه المهنة، هربا من البطالة ومن عدم تعيين الخريجين في مؤسسات الدولة، حيث ادى الى فتح ورش للنجارة من قبلهم في منازلهم او في محلات صغيرة مستأجرة. مستدركا بالقول “لو كانت هناك معامل ومصانع حكومية او اهلية لاستطاع هؤلاء العمل فيها وعدم مزاحمتنا، مثلما كان  الحال في السبعينيات من القرن الماضي، حين ازدهرت الصناعة والزراعة والمهن المختلفة ومن ضمنها مهنة النجارة، وبشكل كبير”.

ويضيف قائلا ان رفع سعر صرف الدولار أخيرا ادى الى ارتفاع اسعار الخشب المستورد، مما اضطر اغلب النجارين الى شراء الاخشاب القديمة وخاصة السكيبات، وهي الالواح خشبية التي تحمل عليها البضائع المستوردة، رغم انها ارتفع سعرها ايضا من 2500 دينار الى 6 آلاف دينار للقطعة الواحدة. وقد  اجبرنا هذا بالطبع على رفع زيادة اسعار منتجاتنا.

ويختتم الاسطة خالد اجابته لـ “طريق الشعب” قائلا ان “كل هذه الاسباب تكفي لاعلان نهاية مهنتنا، لا سيما وان عدم الاهتمام الحكومي يدعمها، وهو الذي نعتقد انه اهمال متعمد ولمصلحة دول الجوار التي تستفيد منه بزيادة تصدير سلعها الى العراق، فيتحول الى سوق لبضاعتها”.