اخر الاخبار

يعيش أهالي عشرات القرى الحدودية مع إيران في قضاء مندلي وناحية قزانية بمحافظة ديالى، واقعا قاسيا للغاية بفعل أزمة مياه حادة تعانيها منذ نحو 8 سنوات، الأمر الذي أرهق السكان وأجهز على بساتينهم ومزارعهم، ودفع الكثيرين منهم إلى مغادرة مهنتي الزراعة وتربية المواشي، والهجرة بحثا عن الماء. 

وتضطر العائلات في تلك القرى، إلى التكيف مع الجفاف واتباع اسلوب حياة مختلف. إذ تعتمد في توفير المياه على بعض عيون الماء الموجودة، وعلى حفر الآبار وشراء حوضيات الماء.

وبفعل هذه الأزمة الإنسانية، شهدت القرى موجات نزوح، لا سيما بالنسبة للمزارعين والعاملين في تربية المواشي. ويؤكد العديد من السكان، أن الحياة في مناطقهم باتت مأساوية للغاية في ظل الإهمال الحكومي.

وبدأت أزمة المياه في تلك القرى قبل نحو 7 - 8 سنوات، وتفاقمت خلال السنتين الأخيرتين، بعد أن تراجعت كميات المياه الواصلة من الاراضي الإيرانية عبر القنوات والوديان، وذلك لأسباب مختلفة منها تضاؤل سقوط الأمطار، وإقدام إيران على بناء السدود – حسب ما يذكره المواطن محمد عبد الله، من سكان ريف قزانية.

الهجرة بحثا عن الماء!

ويوضح عبد الله في حديث صحفي أن منطقته شهدت هجرة عشرات العائلات نحو مناطق تتوفر فيها المياه، لافتا إلى انه هو ايضا يستعد للهجرة قريبا إلى مدينة بعقوبة!

ويوضح أن “معظم السكان يعتمدون على مياه الآبار في الغسيل. بينما يشترون المياه المفلترة للشرب والطبخ”، مشيرا إلى ان “الكثيرين من المواطنين يضطرون إلى جلب المياه لمواشيهم من أماكن تبعد عنهم كيلومترات عدة”.

التحدي الأكبر

من جانبه، يقول المواطن حسن العزاوي، أن “شح المياه يشكل التحدي الأكبر للسكان في قرى مندلي وقزانية. اذ يكبدهم شهريا خسائر مالية كبيرة، نتيجة اعتمادهم على شراء قناني مياه الـ(آر أو)، فضلا عن الحوضيات”.

ويشير في حديث صحفي إلى ان عائلته تخصص نحو 150 ألف دينار شهريا، لشراء مياه الشرب والغسيل، لافتا إلى ان “الآبار التي نحفرها، غالبا لا تصلح مياهها سوى للاستخدامات المنزلية، الأمر الذي اضطر عائلات كثيرة إلى عرض منازلها للبيع، من أجل الانتقال إلى السكن في مناطق أخرى”.

ويطالب العزاوي الحكومة بـ”ضرورة ايجاد حلول تنهي معاناة سكان الحدود مع المياه”.

أزمة شبه دائمة

وفي السياق، يذكر مدير ناحية قزانية مازن كرم، الذي يتولى أيضا إدارة قائم مقامية مندلي بالوكالة، أن “شح المياه بات أزمة شبه دائمة في المناطق الحدودية. إذ يعتمد سكان أكثر من 60 قرية على الآبار الخاصة أو الحكومية التي جرى حفرها بواقع 3 إلى 4 آبار للقرية الكبيرة، وبئر واحدة للقرية الصغيرة. فيما يعتمد نحو ثلث قرى المنطقتين على مياه العيون”.

ويوضح في حديث صحفي أن “القرى كانت تعتمد سابقا على مياه القنوات القادمة من إيران، لكن بعد جفافها صار الاعتماد الرئيس على الآبار والعيون، فضلا عن شراء الحوضيات بالنسبة للقرى التي لم تنجح فيها عمليات حفر الآبار، وأبرزها طحماية ودحلة”. ويشير كرم إلى ان “شح المياه دفع بالكثيرين من المزارعين إلى الهجرة نحو مناطق أخرى نتيجة تضرر مزارعهم وحيواناتهم، لا سيما أن الزراعة في كثير من القرى مرتبطة بكميات المياه الواردة عبر السيول المتدفقة من الاراضي الإيرانية خلال موسم الشتاء”.

الزراعة في خطر

إلى ذلك، تقول الباحثة في الشأن البيئي زينب الخزرجي، ان “قلة المياه والجفاف طيلة العقد الأخير، تسببا في تراجع المساحات الخضراء وانحسارها الى النصف أو أقل من ذلك في مندلي وقزانية ومناطق أخرى”.

وتضيف في حديث صحفي قائلة ان “السكان أهملوا أراضيهم، والمئات منهم لم يعودوا يربون المواشي، نتيجة عدم وجود مياه كافية. لذلك تحوّلت مناطق زراعية عديدة من بساتين خضراء منتجة للثمار إلى أراض جرداء”.

وتنوّه الخزرجي إلى ان “معدلات تراجع الاراضي الخضراء في تلك المناطق تقدر بنحو 60 في المائة، وفقا للمؤشرات”، داعية الحكومة الى “تبني خطة مدروسة تساهم في توفير المياه والظروف الملائمة للعيش في تلك المناطق، بهدف ضمان عدم ارتفاع معدلات نزوح السكان الى مستويات خطيرة، قد تؤدي الى تحول المناطق الحدودية الى أراض جرداء مهجورة”.

جدير بالذكر، أن مسؤول مشروع ماء مندلي وقزانية الموحد أيوب لقمان، قد أفاد في حديث صحفي سابق بأن “الإسالة تتزود بالمياه عن طريق وادي دنكير. وهي غير صالحة للاستهلاك البشري كون نسبة الأملاح فيها عالية جدا، فضلا عن احتوائها على بعض المواد الكيمياوية”، مبينا أنهم يعالجون المياه بالكلور والشب، لكن هذه المعالجات غير كافية.

وأكد أن “تلوّث المياه تفاقم كثيرا بسبب اشتداد الجفاف وانخفاض مستوى المياه السطحية، فضلا عن احتواء مياه العيون القادمة من الوديان على مادة الكبريت. لذلك نحن بحاجة ملحة إلى حلول جذرية من قبل الحكومة المحلية، لتلافي مخاطر هذه السموم”.