أعلن البنك المركزي العراقي، أخيرا، ارتفاع حجم الدين الداخلي إلى 70 تريليون دينار، وعدّ هذا الارتفاع تحدياً أمام السلطتين النقدية والمالية في آلية إدارة هذا الملف، كونه يمثل ضغطا كبيرا على أدوات السياسة النقدية المختلفة، بحسب نائب محافظ البنك المركزي عمار خلف.

وفي السياق، يرى اصحاب الاختصاص، انه بات من الضروري على الحكومة ان تسدد هذا الدين، طالما تملك اموال سداده، عبر خطة وسياسة تراعي الاولويات، محذرين من تضخم تلك الديون كونها تشكل استنزافا كبيرا لموارد الدولة، لا سيما ان حجم الفوائد ضخم، على حد وصفهم.

في المنطقة الآمنة حالياً

يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، إن الدين العام الداخلي في العراق يقدر بنحو 55 مليار دولار. ما يعادل  73 تريليون دينار. فيما عزا تراكم هذا الدين الى تعرض الاقتصاد الوطني الى صدمتين قويتين بين عامي 2014 و2021.

ويضيف صالح في حديث خصّ به “طريق الشعب”: أن “الصدمة الأولى مالية – أمنية، حيث هبطت اسعار النفط الى 40 في المائة من قيمتها. في حين ان الموازنة تعتمد بنسبة 90 في المائة على ايرادات النفط. وكانت هناك تكاليف حرب. بينما تدهور الناتج المحلي الاجمالي بسبب الاحتلال الداعشي”، مشيرا الى ان “كل هذه العوامل اضطرت الدولة للاقتراض الداخلي”.

وفي ما يتعلق بالصدمة الثانية، قال إنها جاءت في اعقاب التأثر بجائحة كورونا وتدهور الناتج المحلي الاجمالي والاغلاق العالمي وتراجع ايرادات اسعار النفط، اي انها صدمة مالية وصحية، أجبرت السياسة المالية، آنذاك، على الاقتراض بقرار من البرلمان.

وذكر أنه لم تكن هناك موازنة، لكن صدر قانونان للاقتراض.

وتابع صالح قائلا: ان “الدين لا يشكل اليوم سوى 27 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي”، مبينا أن “البنك المركزي قام بخصم معظم تلك الديون الداخلية بشرائها من المصارف، وبنسبة تصل إلى ٦٥ بالمئة من اجمالي الدين الداخلي، وهو الآن جزء لا يتجزأ من المحفظة الاستثمارية للسلطة النقدية”.

ونوه الى ان هناك خطة لتسديد هذه الديون وعدم استمرارها: “من المفترض ان هذا الدين ينخفض لا العكس، وتسدد كلفته او على الاقل فوائده. والخطة المالية تهدف الى تسديده تدريجيا لكي يتناقص بمرور الوقت”.

وأردف صالح، ان تسديده بالكامل “يعتمد على القدرة المالية للبلد والتفاهمات داخل النظام المالي الحكومي. وكل ديون العراق لا تشكل سوى 40 في المائة. بينما النسبة الطبيعية هي 60 في المائة، ما معناه اننا الان في المنطقة الامنة”.

واكد أن “الدين العام الداخلي قد جرى تداوله داخل الجهاز المالي الحكومي حصريا من دون تدخل السوق المصرفية الا بشكل محدود جدا. أي ان الدين الداخلي بأدواته المتمثلة بالسندات وحوالات الخزانة يجري تداوله بنسبة ٩٥ بالمئة داخل الاجهزة المالية الحكومية حصرا”.

فوائد ضخمة

الخبير الاقتصادي، د عبد الرحمن المشهداني يلخّص الدين الداخلي بأنه: عملية اقتراض الحكومة من المؤسسات سواء كانت بنوكا ام مصارف وسندات من داخل الدولة. ويمكن ان يكون الاقتراض من مؤسسات حكومية او خاصة.

ويردف المشهداني بحسب ما افاد به في حديث مع “طريق الشعب”، ان الاشكالية تكمن في “تضخيم حجم الدين: الخارجي منه 22 مليار دولار، وهو رقم صغير بالنسبة لاقتصاد مثل الاقتصاد العراقي. أما الدين الداخلي فالجزء الاكبر منه يعود الى البنك المركزي وكذلك مصرفي الرافدين والرشيد، والمصرف العراقي للتجارة. هذه المصارف اقرضت الحكومة، ولا يوجد دين من القطاع الخاص. اعتقد ان هناك بحدود 6 تريليونات تعود الى هيئة التقاعد الوطنية”.

واكد انه “من غير الصحيح ان يكون حجم الدين بهذا الحجم، انما يفترض ان تسدد الحكومة حين تمتلك الاموال، علاوة على ان رقم هذا الدين ليس كبيرا على الدولة، اضافة الى ان هناك مشكلة اخرى في حجم الفوائد الضخمة التي ندفعها، والتي وصلت الى حدود 12 تريليون دينار كفوائد واقساط الدين السنوي، التي تدفعها الحكومة عن الدين الداخلي. بينما فوائد واقساط الدين الخارجي فتقدر بحدود 2 تريليون او اقل”.

واعتبر المشهداني ذلك يشكل “استنزافا لموارد الدولة”، مردفا “لكن في كل الاحوال وضعنا افضل، لأن الخطورة تكمن في الاقتراض من القطاع الخاص”، مشيراً الى ان هذا الدين يمثل تحديا للبنك المركزي لا الحكومة القادرة على التسديد بسهولة.

ونصح المتحدث بتسديد تلك الديون، لأن التوقعات تشير الى احتمالية حدوث انهيار في أسعار النفط، الامر الذي يقود الى تعثر الحكومة في السداد وتغطية الإنفاق العام، وبالتالي اللجوء الى البنك المركزي للاقتراض مجددا، لذلك نرى ان هناك ضرورة لتسديد تلك الديون.

وخلص الى القول: ان “فوائد الدين الداخلي اعلى من فوائد الدين الخارجي، فالأخير الذي يدفع الى اليابان وكوريا اقل من ثلاثة ارباع الـ 1 في المائة، وللصندوق النقد الدولي ما بين 1 نصف ـ 2 وربع في المائة و 2 ونصف في المائة بالنسبة لفوائد القروض الاخرى، بينما فوائد الدين الداخلي 4 في المائة”.

اقل خطورة من الدين الخارجي

الى ذلك، قال الخبير في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش: ان حجم الدين الداخلي العراقي وصل الى أكثر من سبعين تريليون دينار، وربما اكثر. قد نصل إلى مستويات 80 تريليونا، لان هناك استدانة في كل عام 5 تريليونات من المصارف الحكومية، على شكل سندات.

وتابع قائلا لـ”طريق الشعب”، انه في السابق “كانت هناك استدانة من حوالات الخزينة لدى البنك المركزي. كذلك استدانة من صندوقي التقاعد والضمان الاجتماعي”، لافتا الى ان “الدين الداخلي عادة ما يكون اقل خطورة من الدين الخارجي، لان هناك حلا بالتسويات تلجأ اليها الدولة دون ان تسدد اذا ما كانت هنالك ازمة مالية”.

واردف حنتوش كلامه بانه برغم كونه اقل خطورة من الدين الخارجي، لكن ديون المصارف الحكومية “ديون حرجة”، وهي في اغلبها ودائع مواطنين. والحال ذاته بالنسبة لصندوق التقاعد.

ولفت الخبير الى ان “الدين يزداد في كل عام وايضا ينخفض نتيجة التسديد، لكن نحن ضد زيادة الديون بشكل عام اكثر. لقد وصلنا الى المرحلة الطبيعية وحجم الديون 130 ترليونا، وهي ديون حقيقية تغطي تقريباً نصف الانفاق العام الذي يصل الى قرابة 250 ـ 300 تريليونا”.

عرض مقالات: