اخر الاخبار

تشكل الأهوار موطناً قديمًا للكثير من المواطنين الذين اضطروا إلى ترك مناطقهم بسبب الجفاف والنزوح نحو المدن. وفي ظل هذا السيناريو، أبدى مراقبون في مجال البيئة تخوفًا كبيرًا من فقدان العراق لمناطق الأهوار، بسبب ارتفاع نسب الجفاف وانخفاض مناسيب المياه، مما أدى إلى نفوق الآلاف من الاسماك والاحياء الاخرى.

 

والاهوار هي مجموعة من المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون في محافظات ميسان وذي قار والبصرة، وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيف.

ويضم العراق ثلاثة أهوار رئيسية؛ هور الحويزة الواقع على الحدود الإيرانية، وهور الحمّار، وأهوار الفرات التي تمتد من مناطق شمال وغرب محافظة البصرة وجنوب منطقة العمارة إلى قرب مصب دجلة والفرات في الخليج.

وسلط تقرير لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان في العراق الضوء على التبعات البيئية الخطرة التي تتعرض لها منطقة اهوار العراق من تغير مناخي وتلوث حيث أشار الى أن الجفاف الذي تعيشه المنطقة حاليا هو الأسوأ منذ 40 عما ما يهدد التنوع البيئي لحياة الاهوار من اسماك وطيور وماشية واضطرار الكثير من المزارعين للهجرة _ في ظل ظروف سيئة _ لمناطق مدنية مثل البصرة والنجف او بغداد.

ويشير التقرير الى ان سكان هذه المنطقة الممتدة عبر ملتقى نهري دجلة والفرات، ومنذ ما يقارب من 5 آلاف عام، اعتادوا على صيد الأسماك وزراعة المحاصيل وتربية الجاموس وبناء بيوت من القصب على المسطحات المائية والتي تعرف بالمضيف. لكن حالات تغير مناخي وتلوث في المياه وانشطة استخراج نفط قريبة من المنطقة، مع بناء سدود على منابع النهر، تهدد بقاء هذا النظام البيئي الحساس والحياة التراثية الثقافية للمنطقة التي يرجع تاريخها لعهد السومريين.

التغير المناخي

يقول الناشط البيئي المختص بمنطقة الأهوار، جاسم الأسدي، إن “نقص مناسيب المياه وارتفاع نسب الملوحة بالتزامن مع التلوث وانعدام الرقابة الحكومية والبيطرية أدى إلى نفوق الجاموس في منطقة الأهوار، ما دفع العديد من مربي الجاموس إلى اتخاذ الهجرة خيارًا للبحث عن مورد اقتصادي آخر”، لافتا إلى أن العام الماضي شهد نفوق 4500 رأس جاموس.

ويؤكد الأسدي لـ “طريق الشعب”، إن “هذا الأمر سيتسبب في مشكلة وخللاً كبيراً في مناطق الأهوار إذا استمر الوضع كما هو عليه دون اتخاذ إجراءات حقيقية”.

ويشير الأسدي إلى أن “السبب الرئيس لحدوث تفاقم المشاكل البيئية في العراق يعود إلى التغير المناخي وتأثيره على مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات”، مضيفا أن “حالة الجفاف المستمرة منذ أربع سنوات حوّلت أراضي كانت تنتعش بالمياه والمساحات الخضراء إلى منطقة صحراوية قتلها الجفاف، ولا يوجد فيها إلا القليل من الحياة”.

وولد الأسدي في قارب وسط أهوار العراق في الجنوب، وبالرغم من مرور ما يقارب الستين عامًا، إلا أن حياته ما تزال تدور حول الأهوار التي قضى سنوات طفولته بالقرب منها. كان يشاهد صيادي الأسماك وهم يمخرون بقواربهم عبر مياه الأهوار وقطعان الجاموس مغمورة تحت المياه مع مروج خضراء وفيرة. ولكن هذا المنظر أصبح نادرًا الآن، لذا يكافح الأسدي اليوم من أجل إعادة إحياء مناطق الاهوار.

ويتابع الاسدي قائلا “ولدت في منطقة الاهوار واعمل فيها، واسعى الى الحفاظ على هذه المنطقة بكل الوسائل المتاحة لي”، معربا عن فخره بمساهمته بإدخال الاهوار ضمن التراث العالمي، لكنه تأسف لما يطول هذا الإرث من اهمال وسوء حال.

قد تندثر!

من جانبها، تحذر الناشطة البيئة، نجوان علي التي تعمل ضمن فريق (سناء بلاد الرافدين) من مسألة اندثار تاريخ وأسلوب حياتي وجد بتواجد البشرية على ارض ما بين النهرين، مضيفة ان مجتمع الاهوار “يعتمد بشكل أساسي على صيد الأسماك وتربية المواشي والزراعة، وبعض المهن النادرة الأخرى”.

وتشير نجوان خلال حديثها مع “طريق الشعب”، الى ان “منطقة الأهوار تعد أيضا مكانا سياحيا وموردا اقتصاديا للبلد، وما يحصل لها يعد تهديدا لأقدم مورد في البلاد”.

وتضيف، ان “جميع هذه المهن تواجه الاندثار بسبب ما يتعرض له العراق من جفاف جراء التغير المناخي، بالإضافة الى قلة الإطلاقات المائية من دول المنبع والتي لا تكترث سوى لمصالحها”.

وكان برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة قد صنف العراق على انه أحد أكثر البلدان عرضة لتبعات التغير المناخي بسبب عوامل مرافقة متمثلة بارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار والجفاف وندرة المياه مع تكرر العواصف الرملية والترابية.

وتتابع علي بالقول إن “المخلفات الطبية والصناعية والكيميائية بالإضافة الى النفايات البشرية ساهمت بتأزم الوضع البيئي في البلاد في ظل غياب الوعي المجتمعي واهمال الجهات الحكومية المعنية، وبالرغم من وجود محاولات لدى وزارة البيئة ودوائرها بمعالجة مشكلة البيئة الا انها تبقى محاولات خجولة لا ترتقي لمستوى الازمة”.

يشار الى ان ملايين الأمتار المكعبة من المخلفات الصناعية يتم طمرها في الأنهر والقنوات المائية التي تغذي الاهوار.

وختمت علي بالقول إن “الاهوار هي ليست مجرد منطقة بيئية ومصدرا اقتصاديا، بل هي ثقافة وحضارة وارث يتناقل عبر الأجيال”.

 

عرض مقالات: