اخر الاخبار

بعد عقدين من التغيير، لا تزال العملية التعليمية تئن من مشاكل وأزمات تعتبر نتيجة طبيعية للإخفاقات، بعد أنْ طال نهج المحاصصة قطاعي التربية والتعليم.

وفي ظل غياب الكفاءات الوطنية والمهنية عن ادارة العملية واعتماد الحلول الترقيعية تراكمت المشاكل اكثر فأكثر حتى وصلت لمديات خطرة تهدد واقع العملية بالانهيار مستقبلاً.

هذا الواقع المأزوم يجده اصحاب الاختصاص ناجما عن غياب التخطيط والسياسات الحقيقية التي يجب ان توضع لتعالج الكثير من القضايا، التي اخرتنا في التقدم على صعيد النظم التعليمية قياساً بدول العالم والمنطقة.

 أزمة بنيوية

سكرتير اتحاد الطلبة العام ايوب عبد الحسين يقول: ان هناك العديد من التحديات التي تبرز امام العملية التعليمية، والتي تراكمت وتفاقمت خلال عشرين عاما حتى وصلت الى مديات خطرة، واوصلت العملية اليوم الى حافة الانهيار.

واضاف في حديثه لـ”طريق الشعب”، قائلاً ان احد ابرز هذه التحديات هو موضوع “البنية التحتية التعليمية المتهالكة بالكامل، وغير الكافية لسد الحاجة المتزايدة للوافدين سنوياً، علاوة على انها غير قابلة لاستيعاب الزخم الحاصل والزيادة في كل عام”، مشيرا الى انه “في ما يخص البنية التحتية فهي الاخرى اصبحت تهدد حياة الكثير من الطلبة داخل القاعات نتيجة تهالكها، وايضا ما زلنا نعاني من اشكالية استخدام طرائق تدريس حديثة مثل النورمل كروب وغيرها، نتيجة اكتظاظ القاعات الطلبة”.

ولفت عبد الحسين الى ان هناك مشكلة حقيقية في موضوع “المناهج التعليمية التي عفا عليها الزمن، ولا تواكب التطور العلمي والتكنلوجي الحاصل في البلدان، وهي تفتقد ايضاً التحديث المستمر الذي ينبغي ان يكون جذرياً، ابتداء من رياض الاطفال وصولاً الى الدراسات العليا، والاهم ان يستمر هذا التحديث بواقع 20 في المائة من المنهج كل خمسة اعوام باقل الحدود”.

وبالتوازي مع ذلك اكد سكرتير الاتحاد على ضرورة “تأهيل وتدريب الكوادر التدريسية لوزارتي التربية والتعليم، وتطوير امكانياتهم وقدراتهم على استخدام طرق تدريس حديثة، والتعامل مع وسائل المساعدة في شرح المواد لايصال المعلومة للطلبة”.

وفي ما يخص تعاطي الوزارتين مع مشاكل العام الدراسي قال: إن “ازمة التعليم في العراق بنيوية، والوزارات المعنية المتعاقبة وصولاً الى الان يتعاملون مع هذه المشاكل بعقلية الحلول الانية والترقيعية، والتي لم ولن تفضي الى نتيجة بل تفاقم المشاكل اكثر وترحل الازمات المتفاقمة من عام الى آخر، ومع هذا الحال سنصل الى مديات لا يمكن السيطرة عليها”.

وأضاف ان “العملية التعليمية الان على حافة الانهيار إن لم تدخل فعلياً هذه المرحلة. وهذه نتيجة طبيعية في ظل المشاكل والازمات وغياب الحلول الناجعة والجذرية للمشاكل وافتقار الادارات المتعاقبة للكفاءة والمهنية والنزاهة”.

واشار الى ان المطلوب اليوم هو “تخليص الوزارتين من نهج المحاصصة، واسناد ادارتيهما الى قيادات اكاديمية كفوءة، واجراء عملية مراجعة شاملة للعملية التعليمية والتربوية ووضع حلول جذرية لها، تكون مغطاة بميزانيات مالية كافية، وتشكيل المجلس الاعلى للتربية والتعليم”.

 الربح على حساب الرصانة العلمية

نقيب الأكاديميين العراقيين، د. مهند هلال، لم يذهب بعيداً عن رأي سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، إذ اكد ان حال التعليم الجامعي في العراق يسير باتجاه معاكس تماماً للاتجاهات التي وصلت اليها نظم التعليم في العالم، وعلى الاقل في دول المحيط الاقليمي.

واوضح بقوله ان التعليم في العراق “نتيجة التدخلات السياسية، والنمو غير المعقول في مؤسسات التعليم الجامعي الاهلي القى بظلاله على العملية التعليمية”، معللا ذلك بـ”نمو الربحية على حساب النوعية ورصانة التعليم، وهذا ما انتج جيلا حاصلا على الشهادة، لكنه لا يفقه منها شيئاً وهي كذلك لا تؤهله للولوج في ميادين العمل ما بعد التخرج من الدراسة الجامعية”.

ولفت هلال في سياق حديثه مع “طريق الشعب”، إلى ان ذلك “القى بظلاله ايضاً على عضوية هيئة التدريس في الجامعات العراقية، فالعديد من الذين تم تعيينهم في المرحلة السابقة من حملة الشهادات العليا كانوا من جامعات غير رصينة وغير معترف بها”.

ونبّه الى ان “تأثير حامل الشهادة من مؤسسات جامعية غير رصينة خارج العراق في وزارات اخرى غير التعليم العالي، قد يكون اقل من حاملها في التعليم العالي، لذا لا بد من اعادة النظر في كل من حصل على شهادة استناداً الى قانون رقم (20) لسنة 2020، الخاص بالدراسات العليا، وعمل امتحان رصانة جديد”.

وذكر هلال، ان هناك تمايزا بين الاكاديميين في مؤسسات التعليم الجامعي الاهلي، نتيجة لوجود متغير اسمه (المستثمر) برغم ان القوانين النافذة لا تتيح له التدخل”، مشيرا الى “ضعف مؤسسات الوزارة المسؤولة عن الاشراف على التعليم الجامعي الاهلي، والذي جعل المستثمر يصول ويجول ويتحكم بمرتبات ومدخولات الاساتذة ويتعامل معهم تعاملاً سلبياً”.

واكد أن ذلك “زحف الى مؤسساتنا في التعليم الحكومي، اذ يصار الى ارغام الاستاذ الجامعي على المزيد في المؤسسة الجامعية وتكليفه بواجبات الدفاع المدني وخفارات برغم ان قانون الخدمة الجامعية يوضح مسؤوليات عضو هيئة التدريس”.

وخلص نقيب الاكاديميين العراقيين الى ان “عضو هيئة التدريس هو اكثر الفئات تضرراً في المجتمع، نتيجة التعامل الفوقي، الذي يمارسه بعض القيادات الجامعية في التعليم الاهلي، ونحن طرحنا في النقابة أكثر من مرة تشكيل المجلس الاعلى للتربية والتعليم”، مبينا ان “الغرض منه هو الحد من التدخلات السياسية التي غالباً ما تدخل من باب القيادات الجامعية”.

بعدوها عن نهج المحاصصة

الى ذلك، قال الناشط الطلابي محمود إسماعيل، انه في ظل منظومة المحاصصة الطائفية المقيتة التي تخلف السوء في كل جوانب الحياة، لم تكن العملية التعليمية بعيدة عن مخالب هذا النهج.

واشر في سياق حديثه مع “طريق الشعب”، ان “المحاصصة ساهمت بشكل كبير في عرقلة اي منجز حقيقي على هذا الصعيد، وفاقمت الازمات والمشاكل التي باتت تهدد واقع العملية التعليمية والتربوية في البلاد”.

واكد اسماعيل ان “الحراك الطلابي بشكل عام مستمر ومتواصل بهدف النهوض بواقع العملية التعليمية، لكن هناك ضعفا فغالبية الطلاب اليوم لا يحملون الوعي الكافي نتيجة سياسة التجهيل التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، ومع ذلك هناك تنظيمات طلابية وافراد لا يزالون يعملون على خلق وعي طلابي، وهذا ما يزعج الجهات المعنية، حيث برز ذلك عبر المواقف السلبية تجاه هذا النوع من الحراك لأنه يهدد مصالحهم ووجودهم”.

ودعا الى “العمل على ان ينسجم نظام القبول مع حاجة سوق العمل وفتح اختصاصات جديدة واحتواء الخريجين، فمن غير المعقول ان يحدد الطالب باختصاصات معينة لأنها توفر له الوظيفة والدخل المادي الجيد، بينما نحن بحاجة الى اختصاصات اخرى مهمة هي غير موجودة اصلا”.

عرض مقالات: