تعد البطالة وقلة فرص العمل وانتشار المخدرات، أبرز الأسباب التي تدفع الشباب للتفكير بعدم وجود جدوى من حياتهم؛ إذ تعاني محافظات الوسط والجنوب من ارتفاع معدلات الفقر وتردي الخدمات، حيث يعيش نصف السكان تقريبا تحت خط الفقر، بحسب احصائيات رسمية.
المرتبة الخامسة عربياً
وتؤكد وزارة الداخلية في تصريحات سابقة، أن اغلب حالات الانتحار بين الشباب تعود لأسباب متعلقة بالجانب الاقتصادي للأسر وارتفاع نسب البطالة بين الفئات الشابة، إضافة الى جوانب اجتماعية متعددة منها ارتفاع حالات العنف الاسري وانتشار المخدرات، فضلاً عن الابتزاز الالكتروني.
وفي عام 2019 صنف الانتحار رابع سبب لوفاة الأعمار من 15 إلى 29 عاما على مستوى العالم. لكن ذلك قد يحدث أيضا في أي مرحلة أخرى من مراحل العمر.
وبحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية فإن العراق يأتي في المرتبة الخامسة بعدد حالات الانتحار، بعد كل من مصر، السودان، اليمن والجزائر.
اما الاحصائيات المحلية فتؤشر تسجيل 772 حالة بمعدل حالتي انتحار يومياً خلال عام 2021، و700 محاولة في العام اللاحق، في حين شهد عام 2020 تسجيل 663 حالة. وفي 2019 سجلت 605 حالات، و530 حالة عام 2018، ما يعني ان الاعداد في تزايد.
دوافع الانتحار
وتنتشر أفكار الانتحار في العراق بشكل أكثر بين الفئات الشابة.
وتتحدث الناشطة مرح احمد (25 عاماً) عن أبرز دوافع الشباب للانتحار، قائلةً إن «تزايد هذه الظاهرة يعود إلى تفشي المخدرات والبطالة. كما باتت تطفو على ملامحهم حالة من اليأس والخذلان في ظل غياب الاستراتيجيات الداعمة لهم».
وتقول أحمد لـ»طريق الشعب»، إن «العنف الاسري احد الأسباب الرئيسية لزيادة حالات الانتحار، لما يسببه من مشاكل نفسية وجسدية، إضافة الى خلق تفكك اسري وضياع لأفراد العائلة».
وتضيف أحمد، أن على الحكومة معالجة الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة الانتحار، معبرةً إياها من المشاكل « الدخيلة على المجتمع العراقي»، من خلال القضاء على المخدرات ومعالجة البطالة والإسراع بتشريع قانون العنف الأسري. وتؤكد أن «معالجة الأسباب تنعكس إيجاباً على أحوال الشباب، ما سيزيد حبهم للحياة من خلال خلق مبرر يدفعهم للتمسك بها».
وتقترح مرح انشاء مراكز إعادة التأهيل للمرضى النفسيين، لمعالجة من يعاني نزعة انتحارية أو من قام بمحاولة الانتحار، داعية الى «الاهتمام بالشباب والتركيز على إقامة منتديات شبابية ورياضية تستقطب الشباب، لضمان عدم ضياع أوقات فراغهم بأماكن مشبوهة او قد ينخرطوا مع عصابات إجرامية او يفكروا بإنهاء حياتهم».
باتت «مقلقة»
وتشير الباحثة الاجتماعية بلقيس الزاملي، الى أن «حالات الانتحار تزداد في المناطق التي تكثر فيها النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة، اذ نجد ان معدلات الانتحار ترتفع بين الفئات الأكثر ضعفا»، في اشارة الى النساء.
وتؤكد الزاملي لـ «طريق الشعب»، أنّ «حالات الانتحار المعلنة تثير القلق، وأصبح الوضع يتطلب معالجة حقيقية وفاعلة، ومراجعة الأسباب والعوامل الرئيسة، التي تدفع بالإنسان للانتحار، خصوصاً لدى الفئات الشابة». وتشدد على أهمية ايجاد إرادة وطنية وتخطيط صحيح لمعالجة ازمة البطالة وتمكين الشباب اقتصاديا، والبحث عن حلول مجدية لمعالجة هذه الازمة، مشيرة الى ان هناك ضرورة ايضا في «إعادة النظر في النظام التعليمي بالعراق، ومتطلبات سوق العمل، والحد من تدفق المنتجات المستوردة التي أدت إلى إقفال كثير من المصانع الوطنية، والحد من العمالة الأجنبية، وتفعيل برامج التدريب والتأهيل للعاطلين من العمل».
إجراءات ضعيفة
ولا تختلف الأسباب التي طرحها عضو مفوضية حقوق الانسان السابق، د. علي البياتي، عما ذهب اليه المتحدثون في اعلاه، من ارتباط الانتحار بعوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية.
ويؤكد البياتي في حديثه مع «طريق الشعب»، أن «المؤسسات الحكومية لم تحاول معالجة مشكلة الانتحار بين الفئات الشابة»، متمنيا على الحكومة ان تجد خططا حقيقية وواضحة، تعالج الازمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ويضيف أن هناك غيابا أيضا للمعالجات المتعلقة بالأمور النفسية، وتحديدا الأشخاص الذين مروا بتجارب انتحار فاشلة؛ اذ البنية التحتية للمؤسسات المعنية بهذا الجانب هشّة من ناحية الكوادر والمستلزمات المتطلبة، مشيرا الى ان ذلك يزيد الأمر سوءاً.
ويستدرك قائلاً: إنه «بالرغم من وجود محاولات حكومية محلية ودولية لمناهضة حالات الانتحار، الا انه لا يوجد تطبيق فعلي على ارض الواقع، وما يتطبق نتائجه ضعيفة».