اخر الاخبار
لم يتوقف كفاح الحركة الاجتماعية العراقية عند حد معين في تصديها لطغمة الحكم. وقد شكلت إنتفاضة تشرين الباسلة منعطفا رئيسيا ومهما في المجابهة المشروعة، الهادفة الى تغيير بنى النظام السياسي لأجل إحلال المواطنة كوحدة لبناء الدولة. فهي لم تحصر رؤيتها عندما تبنت التغيير بتبديل الوجوه فقط، بل ركزت على إزاحة المتنفذين الذين إستغلوا السلطة لأغراض شخصية وحزبية ضيقة، وإمتدت أياديهم الى المال العام، وإغتنوا بمال الفساد، وفشلوا في الأداء، وحنثوا بالقسم، والتفوا على القوانين. هذه الشخصيات التي يجب ان تحتويها السجون لا كراسي السلطة.
أن الخفوت الموقت لوهج الانتفاضة لا يعني انطفاءها أو عدم سطوعها مجددا، فالمنهج العملي يقول: ان الانتفاضة ليست إلا إمتدادا لجميع أنشطة الحركة الاجتماعية التي سبقت إندلاعها، من وقفات وإحتجاجات وتظاهرات وهبّات شعبية، وستكون وهي المأثرة الملهمة لكفاح المحرومين، رافعة لموجات معارضة شعبية قادمة لا ريب فيها.
وفي هذه الايام تنشط الحركة الاجتماعية بأشكال متنوعة، فاضحة زيف ادعاءات المتنفذين بدعم المواطنة المتساوية بالحقوق والواجبات، ومعرّية تشدقهم بجمال (الموزاييك العراقي) في تصريحاتهم المداهنة. وها هو مسعاهم الخائب الهادف الى تمرير قانون المحكمة الاتحادية بصيغة تكرس الطائفية السياسية، يكشف زور أقوالهم. وللاسف لا يتسع المجال هنا لتبيان عيوب بعض فقرات القانون الذي يراد تمريره، وآثاره الوخيمة على موضوعة المواطنة، مؤكدا تمسك المتنفذين بمنهج المحاصصة البغيض.
أن التشبث بالفقرة ثانيا من المادة الدستورية ٩٢، وبصياغتها الملتبسة التي هي أحد الغام الدستور الواجب تعديلها، يرجع الى ما جاء فيها من ان المحكمة الاتحادية العليا تتكون "من عددٍ من القضاة والخبراء  في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب."
وتجدر الإشارة الى ان كلمة "تتكون" التي وردت في النص، هي غير كلمة "تتشكل" حيث يمكن تفسيرها في ارتباطها بتعيين خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون ضمن الهيكل الاداري للمحكمة باعتبارهم خبراء ومستشارين. اما المحكمة ذاتها فتتشكل من القضاة فقط حين تفصل في الاحكام كما هو السياق المتبع في المحاكمات.
 ولسنا بحاجة الى دليل يكشف مراوغة المتنفذين بادعائهم التمسك بالدستور، أوضح من تعاملهم الإنتقائي مع مواده على وفق مصالحهم الخاصة. فها هي مواد الباب الثاني من الدستور معطلة من دون ان يعيروها اهتماما، والسبب هو أنها تتناقض مع مصالحهم وتخص الحقوق وحريات المواطن وضماناته التعليمية والطبية والاجتماعية. فهي مواد الباب التي لم ترَ النور!
 وفي حين تشتد المجابهة بين المتطلعين الى الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية، وبين المتشبثين بنماذج الأنظمة السياسية التي لا تستجيب لنبض عصر حقوق الانسان والعدالة والمساواة، تواصل الحركة الاجتماعية العراقية كفاحها بلا هوادة من اجل رفعة الانسان وتقدمه.
وقطعا لم تكن انتفاضة تشرين الباسلة الدرس الوحيد الذي بيّن قدرات الحركة التي هزت اركان نظام المحاصصة، وأقضّت مضجع طغمة الحكم المستأثرتة بالسلطة. فهي تدرك اليوم في كفاحها من اجل قانون عصري يوحد المجتمع ويحافظ على تنوعه الثري، ان النصر لا يأتي بين ليلة وضحاها، وان المنازلة لا يحسمها فعل احتجاجي واحد. بل ان المطلوب لتحقيق ذلك نضال منظم دائب وصبور ومتواصل، لا يكل ولا يكف.
عرض مقالات: