اخر الاخبار

الاقتصاد، ببساطة، هو العلم الذي يبحث في وسائل اشباع الحاجات البشرية، وهو محط اهتمام كل حكومات العراق ولو بدرجات متفاوتة منذ تأسيس دولته عام ١٩٢١ حتى العام ٢٠٠٣، ففي هذا العام تسلط على مقدرات البلد الحاكم المدني ممثل دولة الاحتلال الامريكي بول بريمر ليحول العراق بجرة قلم (كما يقول العراقيون) من دولة شمولية الاقتصاد تقف على رأس اقتصادها ٣٠٠ شركة عامة كانت كفيلة إلى حد كبير في إشباع حاجات المواطن والمتبقي كان يؤمن عن 

طريق الاستيراد، وكانت بعض الشركات الصناعية تضاهي في نشاطها الإنتاجي الشركات الأجنبية، منها على سبيل المثال شركة الحديد والصلب وشركة الصناعات الكيمياوية وشركة الصناعات البلاستيكية، والشركة العامة للزيوت النباتية التي كانت تسد ٩٠ بالمئة من حاجة العراق من الزيوت المهدرجة والسائلة، وكانت تسد حاجة المستهلك بالكامل من الصوابين والمساحيق ومستحضرات التجميل، والكل يتذكر زيت البنت والراعي وزينب ذلك المنتج المشابه للدهن الحر. أو شركات إنتاج السكر في ميسان والموصل وسكر البنجر في السليمانية والكل يعرف جودة السمنت العراقي الذي تنتجه شركات وزارة الصناعة، وغيرها من الشركات التابعة للقطاعين العام والمختلط ، مثل شركة الرافدين التي كانت تنتج الثلاجة والمجمدة (عشتار) أو مبردة الهواء العراقية (الرافدين)، وكانت هناك شركات إنتاجية تتبع القطاع الخاص تقوم هي بدورها بإشباع حاجة المواطن، نعم بجرة ذلك القلم اوقف المتنفذون نشاط هذه الشركات بدعوى تبني اقتصاد السوق ، فبالإضافة إلى منع هذه الشركات من الإنتاج قاموا بتعيين مدير عام لكل منها من أحزابهم دون النظر إلى الكفاءة والاختصاص والشهادة ، أو تعيين عمال جدد أثقل كاهل موازنات هذه الشركات وتحولت تدريجيا من شركات الاكتفاء الذاتي في الإنتاج والتمويل إلى شركات عالة على الميزانية المركزية، والحال ينطبق بكل تفاصيله على شركات الدولة للإنتاج الزراعي مثل شركات إنتاج الدواجن وشركات إنتاج البيض وشركات إنتاج الأسمدة الكيمياوية أو معامل انتاج الاعلاف أو شركات استيراد وتوزيع المكائن والآلات الزراعية ، وكان ايضا للحاكم المدني دور في الخروج على الصلاحيات الإدارية جراء منح الوزراء صلاحيات التعيين دون ضوابط الدرجة والملاك أو منحهم صلاحيات تحديد الرواتب والأجور خارج قانون الخدمة المدنية أو قوانين العمل ،  مما شكل أول ركيزة للتمييز بين موظفي الدولة واختلاف الرواتب والأجور بين وزارة وأخرى ، ناهيكم عن تجاوز الجميع لكل ضوابط واصول الصرف الحكومي الأمر الذي تسبب في عشوائية النفقات وصار مدخلا للفساد المالي والإداري .

إن الجميع يعلم أن اقتصاد السوق الصناعي أو الزراعي أو الخدمي أو السياحي أو التجاري، أو أي نشاط انتاجي بحاجة إلى ضوابط تقوم بوضعها الدول حتى الدول الرأسمالية، وتسهر على تنفيذها على الأقل للحصول على الإيرادات الكمركية والضرائب من خلال ضبط الحدود أو تحديد نسبة الضريبة للحفاظ على المنتج الوطني، أو استحصال رسوم المهنة بالقيمة المقدرة لكل مهنة أو نشاط إنساني ذا مردود مالي. غير أن ما يحدث في العراق وما زال يحدث وبشكل ممنهج بل وصار معروفا لدى القاصي والداني أن ثمة نوايا مبيتة ضد هذا البلد واقتصاده  ومنذ لحظة سقوط بغداد ، أن لا يسترد عافيته وعلى ايدي حكامه المتوالين على السلطة بالانتقال السلطوي الممنهج المحاط بهالة من الخارج، وان هؤلاء الحكام امتهنوا صناعة الكذب وتداولوا مفرداتها راجعين بالعراق نحو الأسوأ من عام الى اخر، واليوم عند الانسداد السياسي يزرعون اليأس في نفوس الناس بعد أن حرقوا مزارعهم بما فيها من حنطة وشعير، وراحوا يزفون التهاني لإنجازات وزارة التجارة باستيراد أو وصول باخرة القمح الأسترالي، أو أنهم يبشرون المواطن بورقة بيضاء هي برأينا لا تصنع الا ما يراد من ورائه غلق المعامل الوطنية او زراعة في الخيال بعد أن شحت مياه وادي الرافدين..!