اخر الاخبار

يشكل القطاع الزراعي من حيث المعنى والبنية واحدا من أبرز قطاعات الاقتصاد الوطني الذي يتواءم مع القطاع الصناعي كثنائي استراتيجي متكامل يلعب دورا اساسيا في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة وأحد مصادر تمويل الموازنات السنوية وتحقيق الامن الغذائي لو حظي بالاهتمام المطلوب من قبل الدولة فما الذي يعيق تعطيل هذا القطاع في أداء وظيفته الاقتصادية؟

إن الباحث والمتابع خلال  العقدين الماضيين يستطيع من خلال سياحة في معطيات هذا القطاع يمكن بكل بساطة أن يتوصل إلى تقلص كبير في المساحات الخضراء واختفاء اراض واسعة تحولت إلى فوضى سكنية أمام أنظار الحكومة ووزارة الزراعة في مخالفات للقوانين الناظمة للإنتاج الزراعي وتصاميم المدن التي  تتمظهر باندثار بساتين النخيل والأحزمة الخضراء التي كانت تحيط بمدينة بغداد وانتشار الأحياء العشوائية في أبنيتها  وخدماتها  التي حلت محل تلك الأحزمة الخضراء،  بالإضافة إلى اتساع نسبة التصحر وفقدان الحماية البيئية لهذه المدن.

هذا الواقع المؤلم أدى إلى تعاظم الهجرة من الريف إلى  المدينة وانخفاض مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الاجمالي وانقراض الكثير من المجاميع النباتية والمراعي ولم تبق المساحات الصالحة للزراعي والبالغة 24 مليون دونم كما كانت من قبل، فقد تراجعت المساحات المزروعة لأسباب عدة وفي مقدمتها ازمة الإرواء الناتجة عن قلة الأمطار المتمثلة بظاهرة الجفاف وأزمة الثروة المائية التي يعاني منها العراق منذ سنوات بسبب التدابير غير المسؤولة التي اتخذتها كل من تركيا وإيران دون احترام لقواعد الجيرة بالرغم من كل الفوائد التي تجنيها الدولتان سنويا من خلال التعاملات التجارية والتي تصل إلى أكثر من 30 مليار دولار.  

ولا شك أن السياسة الاستيرادية التي اتبعتها الحكومات العراقية خلال العقدين الماضيين التي تسمح بتدفق السلع الزراعية المماثلة للإنتاج الوطني والمزاحمة لها من دول الجوار والتي شكلت تحديا شرسا للقوانين الحمائية التي تم تشريعها خلال الفترة الماضية مما ترتب عليها قلة المردود الاقتصادي وكثرة حجم الخسائر

التي يتعرض لها المزارع العراقي يقابل هذا الاستيراد غياب أجهزة التقييس والسيطرة النوعية، وعلى الرغم من هذا التدهور المتسارع في القطاع الزراعي فان الدولة لم تكترث بهذه التداعيات الخطيرة رغم المطالبات المتكررة من قبل المزارعين ومنظمات المجتمع الوطني والأحزاب الوطنية والعديد من البرلمانيين الشرفاء،  ففي كافة الموازنات السنوية كانت حصة القطاع الزراعي من النفقات العامة قليلة جدا وهي الاقل على الاطلاق بين كافة بنود تلك الموازنات فخلال موازنة عام 2021 كان حجم تخصيصات وزارة الزراعة  311 مليار دولار اي بنسبة 0،2 في المائة من مجموع النفقات مما يشكل مع وزارة الصناعة  مجتمعتين 0،9 في المائة من إجمالي النفقات العامة فيما بلغت النسبة للزراعة فقط  0،5  في عام 2019 .

  ان مراجعة الموازنة ومعالجة الخلل في هيكلية الانفاق أصبحت على ذمة البرلمان مما يتطلب تدقيق حجم التخصيصات لوزارتي الزراعة والصناعة باتجاه زيادتها وقيام الحكومة بمتابعة تفاصيل احتياجات هذين القطاعين خلال عملية الانتاج ونقترح التالي:

  1. تفعيل مقترح وزارة الصحة والبيئة بشأن انشاء أحزمة خضراء حول المدن واستكمال الدراسات المتعلقة بهذا المشروع فضلا عن قيام وزارة الزراعة بالعمل على تنمية الغطاء النباتي وإعادة تأهيل المراعي الطبيعية وتنمية الغابات بالتنسيق مع القطاع الخاص.
  2. مساهمة الدولة في تحسين الوضع المعيشي للفلاحين والحد من الهجرة إلى المدن والحث باستخدام الزراعة الذكية من خلال استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والبذار وتحديث عملية الإرواء عبر طرق التنقيط، ومن دون شك فان النجاح في هذا التوجه يتطلب تدخل الحكومة ومتابعته والتشجيع عليه باتجاه رفع الإيرادات المالية وتحقيق الأمن الغذائي.
  3. تفعيل مشروع وزارة الصحة والبيئة بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للبيئة بشأن خطة التكيف الوطنية لمواجهة المخاطر الناجمة عن آثار التغيرات المناخية خاصة وأن العراق يتأثر بارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية وما يصاحبها بانخفاض مستوى هطول الامطار وتداعياتها في تفاقم ظاهرة الجفاف.
عرض مقالات: