اخر الاخبار

لخص المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي الذي افتتح في بغداد يوم 24 تشرين الثاني 2021، رؤيته السياسية بالشعار الظاهر في اعلاه، وهو تعبير مكثف عن حصيلة النقاشات الواسعة للوثيقتين الأساسيتين، التقرير السياسي وبرنامج الحزب، اللتين تمت مناقشتهما علنا قبل اقرارهما في المؤتمر. وهذا سياق درج عليه الشيوعيون العراقيون منذ المؤتمر الخامس عام 1993.

فالتغيير الذي شغل الفلاسفة والمفكرين، تفرضه اليوم في العراق ضرورة لا يمكن التغافل عنها. يقول الفيلسوف اليوناني هيرقليطس ان (التغيير سابق للثبات) ويردف مضيفا انه (تعبير عن الحركة الدائمة). ولمفهوم التغيير حضور واسع في الأدب الماركسي، منذ مقولة كارل ماركس الشهيرة (لفلاسفة يكتفون بتفسير العالم، في حين أن المطلوب هو تغييره). وإذ نشهد تنظيرات واسعة تشرح ازمة النظام السياسي المستفحلة في العراق وتستعرض ابعادها، التي أصبحت خلاصة لخطابات السياسيين، وايجازا يتكرر في طروحات المحللين والباحثين. وهذا مهم ومطلوب لكنه ليس كافيا، حيث أن الشعب لا ينتظر تفسير الازمة وعرض تداعياتها، انما يتطلع الى حلول لها، وطرق لتجاوزها، تعينه على الكفاح من اجل تغيير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. 

لا يمكن ان نحقق التغيير من دون كفاح مضنٍ في مواجهة لا هوادة فيها ضد الطغمة الماسكة بالسلطة والقابضة على مؤسساتها، والمتحكمة بموارد البلد عبر نهبها للمال العام، الى جانب تبنيها سياسة اقتصادية زادت من سعة الفجوة الاجتماعية بينها وبين طبقات وفئات اجتماعية محدودة الدخل ومهمشة، تعيش الفاقة والفقر والامية.

وبهذا المعنى لا يمكن استبعاد العامل الاقتصادي من موضوعة التغيير، بعد ان رسخت طغمة الحكم سياسة اقتصادية فاشلة تستند على أفكار الليبرالية الجديدة، والتي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عبر خطوات هيمنة خطيرة على الاقتصاد العراقي المأزوم أصلا، كونه احادي، ريعيا، لا تحتل الصناعة والزراعة موقعا في أسس انشطته. وهنا يجدر التذكير بالفكرة الأساسية التي طرحها ماركس، حينما ربط التغيير الاجتماعي بالعامل الاقتصادي، وعدّه الأساس في التحولات الاجتماعية. وبهذا المعنى فان مفهوم التغيير الذي تبناه مؤتمر الحزب الحادي عشر، هو الكفاح للخلاص من أسس الازمة المركبة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وذلك انطلاقا من تغيير بنية النظام بالاستناد الى دولة المواطنة، كهوية أساسية بديلة عن الهويات الطائفية والاثنية، وهذا لا يتم الا عبر تغيير جملة من القوانين التي مكنت طغمة الحكم من التسلط، واعتماد قوانين التحول الديمقراطي التي تضمن إقامة دولة مدنية ديمقراطية، لا دولة طوائف متنازعة.

بطبيعة الحال لا يمكن تأمين الاستقرار الاجتماعي الا بتأمين العدالة الاجتماعية، بدءا بإعادة توزيع الدخل لصالح الفئات الأكثر تضررا من الاقتصاد الريعي المشوه، الاستهلاكي، بالاقتصاد الحقيقي المتطور، وإدخال أحدث ما انتجه العلم والتكنلوجيا في قطاعات الصناعة والزراعة، والسياحة، والتجارة، مع تأمين كافة الضمانات الاجتماعية والصحية والتعليمية والسكن، وتوفير فرص العمل للشباب.

 جاءت كلمة “الشامل” بعد “التغيير” بقصدية واضحة، وهدف ذلك هو تأكيد ان التغيير المنشود لا يعني تغيير الحكومة فقط، ولا تغيير الأشخاص وحسب، بل يعني بناء الدولة المدنية الديمقراطية، بعد تخليص النظام من المحاصصة وإعادة بنائه على وفق مبدأ المواطنة، وتأمين العدالة الاجتماعية بتقليص الفجوة الاجتماعية الخطيرة. 

ان الحزب وهو يتبنى موضوعة التغيير الشامل المنشود، انما يسعى الى تنسيق وجمع جهوده مع جهود بقية القوى الوطنية والمدنية الديمقراطية، وبضمنها قوى تشرين وناشطوها، وكفاحها السلمي سواء عبر فعاليات وانشطة الحركة الاجتماعية بكافة عناوينها وفعالياتها، او عبر الانتخابات بعد معالجة كل ما يتعلق بقوانينها وبيئتها واداراتها. وذلك لتأمين كرامة المواطنين في وطن حر كامل السيادة، والخلاص من هيمنة الأقلية المستبدة (الأوليغارشية) وتحكمها بالقرارات المصيرية الخاصة بالبلد.

عرض مقالات: