اخر الاخبار

ليس ممكنا ان نتصور تحقيق استقرار سياسي وامني من دون توفر مستلزمات هيبة الدولة، التي عاد الحديث عنها مجددا هذه الأيام. والعنصر الفاعل هنا بالطبع هو سيادة القانون وامكانية إنفاذه بالفعل، وقدرة وفاعلية الأجهزة والمؤسسات الدستورية في جعل ذلك يسري على الجميع، من دون محاباة استنادا للموقع الوظيفي والسياسي والديني والعشائري والاجتماعي، وسواء كان المعني مليارديرا او فقيرا معدما .

والامر المهم هو حيادية واستقلالية مؤسسات الدولة، خاصة القضائية، ووقوفها  على مسافة واحدة من المواطنين، بغض النظر عن اطيافهم وقومياتهم وتوجهاتهم  السياسية والفكرية. وكثيرا ما جرى تكرار القول ان صلاح القضاء هو الضامن في كل المنعطفات والتقاطعات الحادة والفترات الحرجة، التي تمر بها الشعوب .

وللدلالة على أهمية القضاء ونزاهته  نورد حادثة تاريخية ذات دلالات .

فبينما كانت طائرات هتلر تدك لندن أثناء الحرب العالمية الثانية، جاء إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل أحد مستشاريه، وقاله له: «مؤسساتنا دُمرت والبنية التحتية انهارت». فسأله تشرشل:«وكيف حال التعليم والقضاء»؟ أجاب: «التعليم مستمر والقضاء عادل». قال تشرشل: «إذن نحن بخير». وفي رواية آخرى إنه قيل لتشرشل إن “الرشوة تفشت في إدارات الدولة» فسأل:«هل وصلت إلى القضاء؟” فاجابوه بـ كلا ، فرد بالقول: “ اذن نحن بخير”.

هكذا هو القضاء، وتلك هي أهميته. فهو يبقى كما يفترض الجدار والمصد الأخير.

وبما اننا في فترة زمنية يتحدث فيها معظم المسؤولين في الدولة وخارج مؤسساتها عن أهمية استقلال القضاء، فالمطلوب، خاصة من أصحاب القرار والنفوذ، العمل على عدم زج مؤسسة القضاء في اتون الصراعات السياسية، ووضع حد للتماهي بين السلطات والتداخل المضر للصلاحيات، وضمان حماية القضاء واجهزته من الضغوط على اختلاف مصادرها .

وبالعودة الى هيبة الدولة، فانها تتحقق أيضا من خلال الثقة المتبادلة بين المواطن وأصحاب القرار، ومن الصعوبة بمكان تأمينها اذا كانت الدولة عاجزة عن ضمان الامن والاستقرار، وعن تحقيق الحياة الكريمة والعيش اللائق للمواطنين، والتوزان بين الحقوق والواجبات. وتهتز هذه الثقة عندما يشعر المواطن ان هناك كيلا بمكيالين تجاه ظواهر معينة. ومن ذلك مثلا ان يجري التحرك لوقف أي تجاوز في منطقة معينة، فيما تحدث تجاوزات تفقأ العيون في مناطق اخرى، ولكن يتم التغاضي عنها. وهكذا نرى حالات استعمال للسلاح وتمرد على القرار الأمني للدولة، بل حتى عجز للقوات الحكومية عن الوصول الى مناطق معينة، تكاد ان تكون مغلقة لجماعات مسلحة محددة. فانتشار السلاح ووجود جماعات مسلحة خارج القانون، هو ما يضعف هيبة الدولة وقدرتها على بسط النظام والقانون .

من جانب آخر لا يستقيم تعزيز هيبة الدولة مع ضعف بناء مؤسساتها، وعدم قدرتها على إداء واجباتها، وهذا ناتج أساسا عن النهج المحاصصاتي – المكوناتي في بنائها، بما يُحلّ التوافقات السياسية محل الدستور والقانون.

ان أحدا لا يجادل في أهمية فرض هيبة الدولة، ولكن تجربة ٢٠ سنة من حكم المتنفذين المتحاصصين، تقول انهم لا مصلحة لهم في ذلك، رغم ادعاءاتهم العكس. وانه لتحقيق ذلك لا بديل عن ولوج طريق التغيير الشامل في النهج والأداء والسلوك، كما في الشخوص.            

عرض مقالات: