اخر الاخبار

كشفت تقارير قرأتها مؤخراً، عن وجود مليار جائع و800 مليون أمي في العالم، وعن تحكم 26 ملياردير بثروة تزيد عما يملكه 4 مليار إنسان، وعن بلوغ أرباح أحدهم 191 ألف دولار بالدقيقة، وعن استحواذ 20 بالمائة من الدول على 85 بالمائة من الناتج العالمي، وعن قيام الدول الرأسمالية بإتلاف فائض الإنتاج للمحافظة على سعر السلع الغذائية، وعن تلف نصف الطعام الذي تنتجه الدول الفقيرة، بسبب سوء التخزين والنقل وغياب العدالة في التوزيع.

ورغم فضاعة ما تنقله هذه التقارير، فإنها تبدو نتائج منطقية للعولمة الرأسمالية، التي تتحكم بالنشاط الإقتصادي لمعظم سكان الأرض، وتُشيع بينهم ثقافة إستهلاكية موحدة، وتتحكّم في النزاعات الإجتماعية داخل بلدانهم، وحيث يسود المنطق الرأسمالي، منطق التراكم وأولوية الربح والمنافسة، على كل منحى من حياة البشر والبيئة التي يعيشون فيها، وحيث لم تعُد هناك قدرة حتى للأطراف والهوامش، ان تكون مستقلة عن هذا المنطق.

وعلى الرغم من أن ماركس قد تنبأ ببلوغ الرأسمالية الهيمنة الشاملة على العالم، في سياق حديثه عن اتخاذ الرأسمال المتراكم طابعاً اجتماعياً، رأى أبرز تلامذته بأن الرأسمالية وصلت إلى أعلى مراحلها، الإمبريالية، ولن تستطيع التطور بدون العسكرة والصراع من أجل التفوق ونهب البلدان، مما سيؤدي إلى انهيارها قبل أن تتمكن من الوصول لهذه الدرجة من الهيمنة، مشيرين إلى أن هذا الانهيار سيأتي لصالح الثورة البروليتاريا في الدول المتطورة والثورة الديمقراطية في الدول الأقل تطوراً وثورة التحرر الوطني في المستعمرات. غير أن ما طرحه الواقع من متغيرات، فرض على اليسار تدقيق بعض من تلك الآراء، وإعادة قراءة المختلفين معها، ممن توقعوا أن تتطور الرأسمالية لأطوار أعلى، مستفيدة من التقدم العلمي والتقني، بدلاً من ان تنهار.

وأشار أغلب اليساريين إلى أن هذه القراءة لا تعني بأن كل ما قاله هؤلاء كان سليماً، بل قد تعني بأن الساعة العاطلة تقرأ لنا الوقت صحيحاً لمرتين في اليوم، إذ لم يجدوا في تلك التقديرات نفياً لوصول الرأسمالية إلى مرحلة الإمبريالية، واعتبروا العولمة المتوحشة طوراً متقدماً منها، طور لا يحقق هيمنته بالعنف العسكري دوماً، بل وايضاً عبر تغيير دور الدولة الوطنية، وتعميم الهيمنة الرأسمالية في جميع مناحي الحياة، وأحياناً عبر استخدام “الشرعية” الدولية والمتاجرة ببعض القيم الإنسانية، في ظل اشتداد التفاوت الطبقي داخل مجتمعاتها وبينها وبين الدول التابعة، وفي ظل سباق التسلح وتضارب المصالح وحروب الإنابة. 

كما أن تطور الامبريالية إلى طور الرأسمالية المعولمة، لا يعني انتصارها، إذ تبقى تحمل تناقضاتها المدمرة وتخضع لقانوني التطور المتفاوت والاستقطاب، وتفتقر إلى النمو وخلق فرص العمل والاستقرار المالي والقدرة على تصحيح أوضاعها، فتتكرر أزماتها، ويبقى الصراع الطبقي فاعلاً في مجتمعاتها، معبراً عن ما يعانية الفرد وشعوب الأطراف والبيئة مجتمعين، من استعباد حقيقي وتدمير خطير.

ويرى اليساريون بأن الإمبريالية في زمن العولمة، لازالت تعيش منافسة متنامية بين أطرافها، بسبب تقلص الموارد الخارجية، الأمر الذي يشدد من تناقضاتها وينذر بانهيارها المحتوم. ولهذا فهم يحذرون من أن معاناة الرأسمالية من الضعف جراء أزماتها البنيوية، قد يدفعها للجوء إلى الفاشية، والتخلي المخزي عن “قيم” الديمقراطية البرجوازية في حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير والاختلاف والحق في المعلومة. ولعل في الصعود السريع لليمين المتطرف في العالم، والغطرسة والعنصرية التي اتسم بها الموقف من العدوان على غزة وإبادة أطفالها مؤخراً، تجسيد حقيقي لذلك الخطر الذي دأب اليسار على التحذير منه. 

عرض مقالات: