اخر الاخبار

كان هذا مطلع أغنية كنا نرددها، نحن الشباب الشيوعي في السنة الدولية للمرأة 1975، فخورين بما كان ينعتُنا به خصومُ التقدم، من “تهمِ” الانحياز لقضية المرأة والدفاع عن حقوقها الآدمية، واثقين بفكرٍ، كشف لنا عن شكلي إستغلال النساء، ما ارتبط منه بالعمل المأجور، المؤسس على نهب المستغِلين لفائض القيمة، وما تمثل بالعمل المنزلي غير المأجور، الذي يعاد انتاجه من قبل نفس المستغِلين ويُحّمى بقوانينهم، كي يتفرغ البروليتاري لبيع قوة عمله. 

وأيقّنا، وما نزال، بأن هذا الإستغلال المزدوج يقدم خدمة كبيرة لرأس المال، سواء في منحه عملاً مجانياً، تحميه سيطرة الرجال على النساء في المجتمع، أو قوة عملٍ رخيصة للنساء خارج المنزل، يحتمها الفقر والحاجة لأبسط مقومات الحياة، التي تكفل إعادة انتاج الأيدي العاملة. فارتبط عندنا خلاص المرأة من كل أشكال القهر، بتحرير العمل من هيمنة رأس المال وإضفاء الطابع الاجتماعي على الواجبات المنزلية، فالوصول إلى المساواة الحقيقية بين البشر لا يمكن تحقيقه ألاّ حين يغيب الاضطهاد الطبقي.

ولهذا، كنا ندرك ولما نزل، سبب تزييف المستغِلين لوعي النساء، وإيهامهّن بأن ما يعيشنه من تمييز، بل ومن عنف أسري ومجتمعي، إنما يأتي من الاختلافات البيولوجية مع الرجل، كالبنية الجسمانية المتفوقة أو القدرة على الإنجاب، دون أن ينسوا تغليف هذه الأوهام بأردية محصّنة وبقوانين جائرة.

وكان يحزننا دوماً، أن يتّمكن هؤلاء، عبر إعلامهم وحملاتهم الدعائية، من بث السلبية بين النساء، وإضعاف إستعدادهن لمواجهة مغتصبي حقوقهن، إلى الحد الذي يُدّفعن معه للتصويت أحياناً، لصالح أنظمة وقوى تقهّرهن.

لم نتوهم يوماً بأن الثورة الإشتراكية ستخلق على الفور مدينة فاضلة، إذ عرفنا بأن للسياسة البطرياكية المرتبطة بالاستغلال الرأسمالي، شيئا من الاستقلالية. ولهذا شدّدنا على الحاجة لتغيير ثقافي واسع، يزيح عن كاهل البشر تقاليد التمييز والنظرة الدونية للمرأة، ودعونا، وما نزال، النساء والرجال، للنضال من أجل فضح التمييز السائد في الواقع ومواجهته حتى وإن بخطوات بسيطة، ترفع الوعي وتعبئ نحو التقدم، لاسيما بعد أن أثبتت التجربة بإن الاكتفاء بمواجهة لفظية لبعض ظواهر إضطهاد المرأة، لم يعد أمراً مجدّياً، ما لم يرتبط بالنضال من أجل القضاء على الإستغلال والثقافة البطرياكية معاً.

ورغم تعدد الرؤى، فإننا اتفقنا على أن تمكين المرأة من حقوقها يتعارض قطعاً مع أية نظرة ترى فها إنساناً قاصراً وتحاول تقنين ذلك بقوانين، أو تزيد من التفاوت الاقتصادي بين النساء والرجال، أوتقلص من مشاركتهن السياسية ومن فرص تعلمهن، أوتفرض على حريتهن، المكفولة دستورياً، شتى أنواع القيود.

وفيما تجنبنا مشاريع وبرامج متطرفة، لا تمت للواقع ومستوى التطور بصلة، دعونا لتقييم العمل المنزلي والإنجابي اجتماعياً، عبر القضاء على كل اشكال العنف الأسري، ومنح أجازات مدفوعة الأجرللنساء، أثناء الحمل والولادة والرضاعة، وتقليص ساعات عمل الزوجات، وضمان مساواة المرأة مع الرجل في فرص العمل والتعليم والأجور، وتنفيذ مشروع ثقافي يخلق نموذجاً لفرد ذي تفكير ديمقراطي.

كما أدركنا بأن ثقافة الهيمنة الذكورية السائدة في المجتمع الطبقي، قد تتسلل لصفوفنا بشكل ما، فعمدنا إلى معالجتها بشكل دوري، دون أن نضع أسواراً صينية بين أهدافنا المختلفة، فالعمل للخلاص من اضطهاد النساء مرتبط بالنضال ضد باقي أشكال الظلم كالاستغلال والعنصرية واستعباد الشعوب ونهب ثرواتها وتخريب البيئة والسلام. وبهذا كانت ثقتنا ببرامجنا وفكرنا مبررة، ولهذا أيضاً تهافتت إدعاءات الخصوم.   

عرض مقالات: