اخر الاخبار

تواصل الشاعرة (منى السبع) تجربتها الشعريّة وهي تتّخذ من الشعر ملاذاً لذات تعشق الجمال والذكرى الباذخة والحنين أو النوستالوجيا إلى الأمكنة وإلى طقوس البقاء الأبهى، وتعبّر عن إصرار للبحث عن الفكرة والسؤال والتأمّل الوجودي، وتأتي مجموعتها الشعرية (ثلمة في الصخر) الصادرة عن (اتحاد الأدباء – بغداد 2022) لتوكيد معنى الإصرار وإمساك لحظة التجلّي من خلال تجسيد البوح الجمالي والسايكولوجي والوجودي بحثاً عن المعنى والرؤى المحلّقة، وتتكرر مفردة (الصخر) في عنوان المجموعة للكشف عن قوّة النزعة الداخلية التي ترتكز عليها الذات، وتعمق من قوّة الإمساك بكلّ ما هو نبيل ونقي ومتوهّج، ورثاء أو هجاء الزبد الذي يذهب جفاء.

وعلى فق هذا المعنى فأنّها تتّخذ من الزوال وتدفق الحياة وتواتر الوقائع مجرّد جدل لا يتوقّف لكنّها تتوقف عند كلّ لحظة جمال أو فكرة للنماء أو ذكرى تعيد بها ترميم الذات وإشارة (الصخر) تعني هذا الموقف العنيد في طلب الجمال وتساوق المعنى الدلالي للعنوان مع دلالة وعمق الإهداء ليكشف أن الشاعرة تنحت في صخر لعشقها لمعنى الاعتداء على الرغم من كلّ أحزان وغيوم الأسى التي تحيط الذات والواقع، “هكذا يخيل لي : أنَّ قدري مع الشعر مثل من ينحت في صخر أصم، بكل ما أوتي من عزيمة وإصرار وثبات، كم حقّقت من هذا الحلم النبيل؟!.. أترك ذلك للقارئ النبيه” (المجموعة: 5)، وبذلك فإنَّ القصيدة عند (منى السبع) ما هي إلاّ حلم رؤيوي تتشابك فيه الأماني والأسى والتأمّل والبحث عن المعنى ويشوبها العتاب المرّ واستدراك ما مضى، بل استدعاء لحظة وجودية تحتاجها الذات لكي يتواصل التدفّق .

لعلّ هذه التجلّيات تكشف عن نوع من استحضار الأسى بصيغة الاحتجاج والسؤال، ولم يكن الأسى مجرّد اجترار لسكونية الذات وهشاشتها بل هو انبعاث يرتبط بقوة وبهاء الحياة والجمال والمعاني التي لابدّ أن تعلو وتتصاعد توهّجاتها على الرغم من كلّ التراكم السوداوي والسلبي، وإجمالاً يبقى السؤال الوجودي والجمالي يشكّل البؤرة المركزيّة التي تتحرّك بها نصوص الشاعرة وهي تشتبك مع الواقع وتداعياته بصورة تكشف فيه عن القبح وتغنّي للجمال، وانعكس هذا التوجّه على الملامح أو النسق الجمالي لشعرها فكان اهتمامها بجمال المفردة وعمق الصورة، مما تجلّى في هذا التدفق الإيقاعي الذي يمزج بين بناءات القصيدة الكلاسيكية والشعر العمودي، وبين ومضات وتحوّلات وصياغات قصيدة التفعيلة، وسعت إلى نوع من الاختزال والتقاط الزوايا والمساحات الساطعة لتشكّل بها صوراً شعرية تجسّد المعاني الجميلة والإشارات الباذخة، وكذات مهووسة بالجمال تداعت قصائدها لتكشف عن سعي وجداني وبوح لمسألة الواقع عبر الحنين والعتاب، والتغني بالأمل والأماني، والتحريض على الجمال والشغف وصياغة المكان والزمان واللّحظة المتحرّكة لتوكيد النسق الجمالي والتوق الإنساني بعيداً عن الذاتية المغلقة والرثاء من أجل الرثاء، والهجاء من أجل الهجاء.

عرض مقالات: