اخر الاخبار

هذا العنوان المهم الحساس الذي يثير حفيظة أغلب قرائه المهتمين بمسألة الثقافة و المثقفين، و تصنيفهم و كيفية استقبال تلك العبارة المستفزة لضمائر البعض منهم و السخرية السوداء للبعض الآخر، حتى من المفكر و الناقد إدوارد سعيد نفسه ، في فشل تلك الثقافة  بانتشال عصبة مثقفيها من وهدة الوقوع  في التشتت  و الطرد الثقافي(*)  لكن هذا الكتاب  يترك فيهم تساؤلات  مختلفة  ، ربما في انقاذ ماء الوجه ، تصب في مجرى هوية من يدعون بالمثقفين ، هوضمن كتاب حمل العنوان ذاته ( الترجمة العربية )  لذا سنرسم قبل دخولنا في فهرسة  هذا الكتاب  الذي حمل إشارة ( النصوص الأخيرة)  ثلاثة تساؤلات ملحة ارتبطت بفكر سعيد كونه  صوتاً ثقافياً متحمساً لمن لا صوت لهم  ، و كانت كتاباته تعالج هيمنة الغرب  الثقافية  على الشرق و الجنوب  من خلال التجريد و الطرد الثقافي  ، هذه التساؤلات هي ما هي الثقافة؟ و من هم المثقفون ؟؟ و ما هي الخيانة؟!و نترك المؤلف يقوم بالإجابة  عليها  سريعاً( مستعينين ببقية مؤلفاته قدر الإمكان) باعتباره  استاذ اللغة الانكليزية  و الادب المقارن  في جامعة كولومبيا في نيويورك، و المشهور عالمياً ( 1935-2003)  و الغني عن التعريف لدى مثقفينا في العالم العربي ، تبدو الثقافة مفهوما مختلفاً فيه  كالمثقف ، من حيث الارتباط  المفاهيمي  الذي يصعب الفصل بينهما ، إلا إن تعريف الثقافة  اصطلاحاً هو بأنها المعرفة المتحصلة لدى المرء من التلقي  والاستنباط  ، لكن الإشكالية التي يثيرها  العنوان  تجعل  الكتاب جاذبا بقصد ، ًلأنه مأخوذ من أحد العنوانات  الداخلية له ، و نلاحظ إن هذا الكتاب  ( النصوص) يحتوي على  ما يبدو على آخر ما كتبه إدوارد سعيد و ما كتب عنه  ، أو إنه عبارة عن كتابات أغلبها قد نشر بما فيها  خطابات من رثاه بعد رحيله ، ففي تناوله لتعريف المثقف يمر على ما هية المثقف( حول مفهوم المثقف ص36)في –المقدمة – حيث يذكر جملة من التعريفات لمجموعة من المفكرين المعروفين في أنحاء العالم حول من هو المثقف بقوله اختلفت الآراء و التصورات  النظرية حول مفهوم المثقف و لعل ذلك يرجع إلى الاختلاف في  تعريفات المثقف من لغة إلى أخرى ، و لتداخل  هذا المفهوم مع مفاهيم اخرى  في اللغات الاوروبية المعاصرة  ، لا سيما الانجليزية أ استخدمت كلمات مرادفة للمثقف كالمتعلم  ، كما يتناول من هو المثقف برأي عدة مفكرين  في مقدمتهم ، ماكس فيير الذي يقول ان المثقف يحمل صفات ثقافية و عقلانية مميزة تؤهله للنفاذ إلى المجتمع و التأثير فيه بفضل المنجزات  القيمية الكبرى، كما يتناول تعريفات إدوارد شيلر في دور المثقف في رؤيته المحورية  إضافة إلى آخرين ، و لعل أغلب كتاباته تتعامل مع هذين المفهومين ، مفهوم الثقافة و مفهوم المثقف اللذين اصبحا يشكلان جزء من هويته ، حتى تحول إلى واحد من بين المفكرين الأكثر شهرة  الذين يثار حولهم الجدل  في العالم ، خاصة في كتاباته التي نالت الشهرة  في مجال فلسفة الثقافة ، الاستشراق  ،و الثقافة و الاستعمار، و ما بعد الكولونيالية ، إضافة لمذكراته ( خارج المكان) الخ ، و في  المقالات و المقابلات التي احتواها الكتاب نقرأ مقالته التي أثارت  جدلاً  واسعاً في العالم الثقافي بأبعادها الواسعة الجريئة  ، و هي ( خيانة المثقفين) مقال مختصر منشور في القاهرة 24 حزيران 1999) تناول فيه  العدوان الوحشي الذي اعتدى فيه الغرب على كوسوفو ، و بروز مفهوم التطهير العرقي  الذي مورس ضد المسلمين ، و اتهم سعيد في هذه المقالة  الحادة كلاً  من بيل كلنتون و توني بلير ، و سولويودان ميلوسيفتش ،بالمجازر الدامية  تحت ذريعة المحافظة على العالم الديمقراطي ، بقوله  ليس هناك من يشك بأن ما حصل  في كوسوفو  نتيجة وحشية ، لقد تحولت  المعاناة الإنسانية التي اثارها الجانبان  إلى حالة مخيفة ، إن كانت في مأساة اللاجئين  أو في تدمير يوغسلافيا،  و إنها أحلام  جيل بأكمله كان يحاول استشراف المستقبل، و يتساءل سعيد  لكن مما لاشك  فيه ان القصف غير الشرعي زاد و عجل  بقرار الناس إلى خارج كوسوفو ، موجهاً اتهامه نحو  قيادة  الناتو العليا  التي سمحت لزمرة  بيل كلينتون و توني بلير بتسويف الحقائق و تزييف الوقائع الواضحة ، لقد اعترف سعيد بأن الخيانة كشفت تماماً الغرب الديمقراطي و ادعاءاته الخبيثة ، إن الحقيقة هي ان سيطرت  القومية المتدفقة  المتقنعة  بالوطنية  و المصلحة  القومية  على الشعور النقدي  الذي يضع الولاء لل( أمة) فوق كل اعتبار ، فخيانة المثقفين من السهل إدراجها  في قائمة المصالح الضرورية العليا التي لا يراها إلا المثقفون ( بول جونسون  المثقفون) و لعل  غاوري فسواناثان  في حوارات  مع إدوارد سعيد في ( السلطة و السياسة و الثقافة) استطاعت ان تدلنا على صورة المثقف العالمي  عبر كتاباته الثقافية التي عبّرت ان المثقف دائما  في سجاله مع السلطة التي يتقاسمان فلسفة الثقافة ما يضطره  بالشعور بالخيانة  و أخيراً فإن إدوارد سعيد في كتابه( المثقف و السلطة ) يتعرض إلى إن المثقف قد يقوم  بالتنازل عن دوره فيما يشبه الخيانة، خاصة في قوة  و شراسة السلطة التي تعددت بتعدد مؤسساتها ، أمام شعوره بالضعف و اليأس ، و إن تطور مفهوم المثقف، إذ يعد كل من يعمل  اليوم في اي مجال  يتصل بانتاج المعرفة او نشرها  مثقفاً بالمعنى الذي حدده غرامشي ، مما يعني ميوعة القدرة الثقافية و خنوعها أمام مغريات المؤسسات القادرة في التعامل مع تدجين الثقافة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(*) إدوارد سعيد خيانة المثقفين ( النصوص الأخيرة) ترجمة أٍسعد الحسين  دار نينوى  دمشق.  

عرض مقالات: