اخر الاخبار

كانت اعيادنا تستمد من الفلكلور الشعبي تجلياتها، وكانت ترتبط بالملابس الجديدة وتناول الحلويات والمرطبات وممارسة الألعاب البسيطة مثل ركوب دولاب الهواء والسيارة والخيل أو الدراجات التي نستأجرها في العيد لأوقات محدودة بأجرة قليلة.

وكان ركوب الربل - عربة يجرها حصان - يعتبر بهجة غالية أما السيارة فكنا نغني عند ركوبها بعض الاهازيج الشائعة مثل هذا سايقنا الورد، هسه يوصلنا ويرد.

بعد أن خرجنا من هيمنة البيت ونجحنا في التمرد على سلطة الأسرة، استطعنا اكتشاف عالم جديد فيه مغامرات مثيرة، وكان ذلك في الحفلات التي ينظمها الحزب الشيوعي لأنصاره واصدقائه، فقد كنا على رصيف السياسة، نقرأ ونسمع ونسأل ونحاول فهم ما يدور حولنا من أحداث لم تكن باليسيرة في حساب الزمن.

كانت الحياة السياسية خلال العهد الجمهوري أوائل الستينات تجري بهدوء يشوبه القلق من نشاط القوى الرجعية وتآمر الجيران على ثورة تموز اضافة إلى القتال الذي اندلع في كردستان والحملة التي قادها الحزب الشيوعي وبعض القوى الديمقراطية تحت شعار السلم في كردستان والتي رمت بنا في ساحة الأحداث المتسارعة المقلقة التي انفجرت في انقلاب 8 شباط 1963.

فيما بعد أصبحت الأعياد وأكبرها عيد تأسيس الحزب الشيوعي، عيد العمال، عيد المرأة وعيد ثورة اكتوبر مناسبات نحضر احتفالاتها سرا، نتيجة المراقبة التي تفرضها قوى الامن الداخلي وميليشيات متخلفة من حرس قومي وجيش شعبي فيما بعد والتي تميزت بالوحشية والقسوة.

كانت الاحتفالات تنظم أحيانا في بيوت أحـد الاصدقاء وأجملها كان في بساتين ديإلى، حيث الطبيعة الساحرة، وكنا نذهب تحت غطاء حفلة عرس، لنحتفل هناك فتيات وفتية تحت حماية فلاحية طيبة. وكانت الأناشيد والموسيقى والاغاني الثورية أهم ما يميز الاحتفالات مثل النشيد الاممي وأغاني مثل عمي يابو جاكوك، هربزي كرد وعرب رمز النضال، مكبعة وجيت أمشي يمه بالدرابين الفقيرة، وبعض أغاني الفنان جفعر حسن وما زلت أذكر أغنيته قمر فوق بيوت الطين، قمر للناس الحلوين. وكان له كاسيت اغاني نتداوله سرا.

كانت تتخلل فقرات الاحتفال كلمات تحيّي المناسبة وتقدم بعض المعلومات الموجزة عن الوضع السياسي القائم وشرح سياسة الحزب وأساليب وطرق المساهمة في نشر الوعي السياسي وكسب الأصدقاء للحزب.

بعد اشتداد قمع النظام الصدامي وانفراط عقد الجبهة الوطنية عام 1979 اضطررنا لمغادرة الوطن، وأصبحت الاحتفالات في الخارج تجري بحرية أكبر وحسب البلدان التي اضطررنا للانتقال اليها وقضاء بعض سنوات الهجرة فيها، شخصيا عشت سنوات في الهند والجزائر وليبيا قبل الانتقال إلى السويد عام 1990 م حرصنا فيها على الاحتفال بتلك المناسبات التقدمية في أصعب الظروف في المنافي المختلفة.

من أجمل الاحتفالات ما رأيناه في مهرجان اللومانتيه في باريس حيث ينصب الحزب الشيوعي العراقي خيمة كبيرة حضرنا نشاطاتها الفنية والفكرية وكانت تستقطب الحضور في المهرجان لنشاطاتها المتنوعة وكان حضور الفنانين يميزها امثال الفنان الراحل صلاح جياد الذي يرسم وسط الخيمة احدى لوحاته، وتعقد الندوات السياسية هناك اضافة إلى الموسيقى والغناء العراقي الذي يصدح في سماء مهرجان اللومانتيه الباريسي العالمي.

ظل شعار من اجل وطن حر وشعب سعيد يخفق فوق تلك الاحتفالات وسط حماس المناضلين.

عرض مقالات: