اخر الاخبار

يعتمد نجاح الحزب في تحقيق سياساته وتمتين صلاته بالجماهير وتعزيز مواقعه في العملية السياسية على تمكّنه من بناء تنظيم قوي، يتسم بقاعدة حزبية فاعلة، سخية في العطاء النوعي، حرّة وشجاعة، ليس في مواجهة العدو الطبقي والصعاب، بل في الحرص على مستقبل ومصير حزبٍ، إنتمت اليه بحرية وقناعة، وبكادر متمرس على إدارة التواصل بين أركان هذا البناء، وبقيادة كفوءة، تتمتع بقدرات فكرية وتنظيمية متميزة وسجل نضالي ساطع، قيادة تتحلى بالإيثار وتتقن فن الإصغاء للمختلفين وتتعلم من هذا الإختلاف، متواضعة، تؤمن بأن المسؤولية تكليف، ولا يضيرها تغيير المواقع ولا تدعي إحتكار الحقيقة، مهما كانت. إن ما نحتاجه، اليوم، بعد مايقارب العقدين من العمل العلني، إنما يتمثل في إختبار المؤتمر الحادي عشر، لمدى توفر هذه الشروط ودرجة تفاعل أطرافها الثلاثة بديناميكية وحرص، ورسم البرامج ووضع الخطط الكفيلة بمعالجة أي قصور أو تلكؤ يشخصه المؤتمر في هذا المجال.

قاعدة حزبية صلدة

لقد أدى إعتماد برنامج يضمن إستيعاب أوسع قاعدة إجتماعية في المسار الكفاحي لحزبنا بعيد سقوط الفاشية، وهو برنامج صائب تماماً، الى تسرب بعض الشغوفين في العمل السياسي لصفوفنا، ممن يفتقدون للإشتراطات التي يتطلبها الكفاح لتحقيق الأهداف الطبقية التي أوجدت الحزب الشيوعي وحددت مسار تطوره ومسؤوليته التاريخية في إقامة عالم الحرية التامة. ورغم إن الإختبارات التي مر بها هذا البعض، كالتزكيات وفترة الترشيح، كانت مفيدة، الا إن قصور بعض هؤلاء قد ترك تأثيراً سلبياً على نشاط الحزب، وإن بمديات متباينة، لاسيما فيما يتعلق بنشاطه الجماهيري. ولايتناسب هذا الإنفتاح، في ظني، مع الواقع السياسي والمتغييرات في المجتمع العراقي. ومعالجة للمشكلة، أقترح إجراء جرد لعضوية الحزب، وإعتماد شكلين لها، بحيث يكون كل من أقر برنامج الحزب ونظامه الداخلي ودعمه مالياً، عضواً مؤازراً، ينتقل ليكون عضواً عاملاً بعد أن يثبت آهليته لذلك وبرغبته الشخصية وبعد أن تتم إجراءات التوثق منه، لا بعد فترة زمنية محددة فقط.

أن إتساق المباديء التنظيمية مع المستوى الثقافي للناس، وقدرة الحزب على تربية منتسبيه عليها ومعالجة نواقص أعضائه الجدد، وصيانة جهاز المناعة في داخله وتنشيط هذا الجهاز بشكل دوري، يستلزم أن تتضمن شروط عضوية الرفيق العامل توفر مستوى من الأخلاق الشيوعية كالتضامن الرفاقي والإيمان بالعدل وتكافؤ الفرص والتواضع والجرأة والصدق والإيثار، وأن تكون لهذه، الأسبقية على الشروط الأخرى التي يتضمنها النظام الداخلي.

كما لا بد من الربط بين شروط العضوية هذه وبين فهم الرفيق/ـه لمبدأ النقد وإمتلاكه لفن ممارسته، فلا يكفي أن يعترف الشيوعي بخطئه بل أن يكون مقتنعاً بانه أخطأ وأن يتمتع بجرأة الإعلان عن هذا الإعتقاد وأن يتجاوز رواسب البداوة والأنانية وغيرها من مشاكل التخلف الاجتماعي، وصولا الى أن يفرح حين يمارس بحقه نقد بناء ويستمتع بإنتقاد نفسه، مع التأكيد على الحزم تجاه من يسعى لتحويل هذه الممارسة الى تصفية حسابات شخصية والإضرار بوحدة الإرادة.

وأخيراً، يمكن القول، بأن وحدة وقوة الحزب لا تتحقق بدون تمتع القاعدة الحزبية، مجتمعة وكأفراد، بالحرية الكاملة و بالقدرة على تصحيح الإخطاء وتعديل السياسات، وبمستوى، يشعرها بأنها مالكة لهذا الحزب ومسؤولة عن مصيره ودوره، هذا الشعور الذي سيتعزز بالإنتماء الوطني لأعضاء الحزب وتوقهم لخدمة شعبهم وتطور بلدهم.

كادر حزبي مجّـرب

يزخر التاريخ المجيد لحزبنا بخبرات كبيرة في مجال إختيار مجموعة من الرفاق لقيادة مفاصل عمل الحزب المختلفة (إصطفاء الكادر)، ومنحهم الثقة وتخويلهم الصلاحيات التي تمكّنهم من تنفيذ برامج العمل والخطط التي يرسمها العقل الجماعي للحزب. ولعل من أبرز التأثيرات الجانبية للدمقرطة والتجديد، بعض القصور الذي شاب هذه العملية في العقود الأخيرة، بسبب ضعف الوعي الإنتخابي لدى بعض الرفاق، وتسرب خطايا إجتماعية لنفوسهم، كالمحاباة والمنافسة غير الرفاقية والمناطقية وغيرها، الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل المؤتمر، لا بالتراجع عن التجديد، بل في معالجة هذه التاثيرات الجانبية التي أثقلت أحيانا كاهل بعض المنظمات. ولعل وضع شروط للمرشحين وتزكيات يعطيها العقل الجماعي لهم، ستحصر المنافسة بين المؤهلين حقاً لحمل النسغ، الصاعد والنازل، بين القاعدة والقيادة بشكل فاعل ومثمر.

القيادة الحزبية

يشير النظام الداخلي للحزب الى أن من أولى المباديء التنظيمية له ككيان سياسي ديمقراطي موحد، وجود قيادة واحدة “تمثل هيئته التنفيذية العليا، وتنتخب بطريقة ديمقراطية، وتعبر عن إرادة الحزب بجميع أعضائه ومنظماته، وتقدم تقاريرها الدورية إلى المنظمات الحزبية وتخضع لرقابتها المنتظمة”. فبدون وحدانية مركز القرار سيتجزأ الهدف ويضعف الإنضباط ويعجز الحزب عن تحقيق أي شيء ويبقى يدور حول نفسه في حلقة مفرغة. ولكي تكون هذه الوحدانية حقيقية ومثمرة، يجب أن تسود في صفوف الحزب وحدة الإرادة غير المشروطة، وأن تساهم القاعدة الحزبية والكادر المجرب، وليست القيادة لوحدها، في تصفية التكتلات والشللية، أي كان شكلها وحجمها وتوقيتها، قبل أن تنخر ببطء في مبدأ التضامن الرفاقي وبالتالي تخرب وحدة الإرادة.

ومن المفيد هنا الإشارة الى أن الإنضباط الواعي، ومنح القيادة ـ طوعاً ـ كل الصلاحيات والقدرة على تنفيذ السياسات والبرامج، لايمكن تحقيقه بدون تمتع الرفاق القياديين بثقة أعضاء الحزب، وإنتخابهم بحرية تامة، وتوفر القدرة العملية على إستبدالهم متى ما تطلب ذلك. وترتبط هذه الثقة، في ظني، بمدى قدرة الرفيق/ـه القيادي على الإنسجام مع مشروع التجديد الفكري والتنظيمي وعلى مستوى شعبيته، ليس بين مندوبي المؤتمر بل وأيضا بين صفوف جماهير الحزب كلهم، وعلى خلاصه من الركود اليقيني وإمتلاكه حرية الإجتهاد والقدرة على إصلاح أي شقوق في جدران السفينة التي نبحر بها، وعلى تخليه عن ما يتمسك به البعض من وجود تعارض بين التجديد الشامل وبين وحدة الإرادة والعمل، وعلى قدرته على قراءة المتغييرات في الواقع لا في الكتب، وتوسيع مشاركة الشيوعيين جميعاً في إدارة الدفة وعدم إنابة نفسه للتفكير بدلاً عن القواعد الحزبية. ومن نافل القول أن تبقى المواصفات التقليدية في إنتخاب القيادة، سليمة في جوهرها وفي الكثير من مفرداتها، كالتاريخ الحزبي الناصع والجهادية والحكمة والصمود والشجاعة ونكران الذات وغيرها.

كل النجاح للمؤتمر الوطني الحادي عشر.

عرض مقالات: