اخر الاخبار

في يومها العالمي تعاني العدالة الاجتماعية في العراق من الإهمال والتغييب نتج عنهما قيام شريحة اجتماعية تتمتع بغنى فاحش تاركة الملايين تعاني الفقر والبطالة، مؤكدة في واقع حال العراقيين مقولة ماركس وهو يرى، أن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر. والغريب في أمر هذه الفئة أنها جاءت من بين المحرومين وعاشت لسنين طويلة كل ذلك البؤس وفي ثناياهم، ولكنها بالسرعة الفائقة تنكرت لمحيطها السابق وغادرت بعد أن سرقت المال العام مواقعها القديمة لتسكن الفلل والقصور العالية في الجادرية أو الحارثية والمنصور، أو لتجد لها مكانا  في مآوي الغرب أو الدول الغنية، حيث تراكمت رؤوس أموالها المسروقة علنا من خزائن الدولة، وهي تعلم أنها تاجرت بأصول الدين وتجاوزت على تلك الأصول أو خالفت ثوابت الشرع والقانون بأعمالها تلك لتشكل خرقا فاضحا لكل مبادئ العدالة الاجتماعية التي تنص في فحواها توزيعا عادلا للثروة وتقسيما منصفا لفرص العمل،  إضافة إلى مبدأ جعل الوظيفة العامة لمن هو الأصلح ولمن هو الأكفأ من المتقدمين، وليس كما هو متبع الآن وعلى نطاق واسع ومنذ عقدين احتكارا مقننا للوظائف العامة بدءا من صاحب المكنسة وصولا إلى وظائف ديوان الرئاسة .

إن العدالة الاجتماعية تعني توزيع وإعادة توزيع الثروات، بما يقلل من الهوة بين الفقراء والاغنياء واعتماد آليات عدة لتحقيق ذلك، وهو مبدأ يتعارض مع المبدأ السائد حاليا كل حسب ولائه ولكل حسب حصته، فالعدالة الاجتماعية وفقا لمفاهيم العصر، هي الرافع الاقتصادي للدولة المدنية، إذ تأتي في مقدمة الروافع الأربعة، إلا وهي الرافع السياسي متمثلا في دستور تتساوى عنده فرص العراقيين، والرافع القانوني يعني المساواة أمام القضاء، ورافع الهوية الواحدة، حيث تذوب الجزئيات المفرقة للشعوب.

أن من نتائج غياب العدل الاجتماعي في العراق ظهور الفوارق الطبقية بأعلى أشكالها وصورها، وعلى صعيد المحافظات  فقد بلغت نسبة الفقر ( حسب إعلان وزارة التخطيط ):في محافظة المثنى وتوابعها أكثر من ٥٢ بالمئة وفي محافظة ميسان ٤٨ بالمئة أما في محافظة الديوانية فكانت نسبة الفقر ٤٥ بالمئة، وفي محافظة ذي قار فهي تزيد بكثير عن ٤٣ بالمئة، والذي يحصي ثروة العراق يجد أن غياب العدالة الاجتماعية كان ولا زال وراء معدلات الفقر هذه، وأن فساد القدوة التي تحكم اليوم  والتي طالما تبجحت هي نفسها في الماضي بغياب العدالة الاجتماعية للأنظمة القائمة آنذاك،  تعمل اليوم على تغييب هذه العدالة من خلال المحاصصة في توزيع المناصب والدرجات الوظيفية اضافة إلى السرقات المستمرة للأموال العامة وآخرها سرقة القرن التي لا زالت مبالغها مجهولة.

إن العراقيين مطالبون ومنذ هذه اللحظة ولعبة الدولار سابحة في فضاء الاقتصاد المهمش، أنهم مطالبون، بتحديد موقف جديد من النظام القائم، والقائم على اختلاق الأزمات تلك التي تودي في كل لحظة بأي أمل في قيام عدالة في توزيع الثروات والمناصب، تودي بأي فرصة لأن يأخذ الوطني الحقيقي دوره في تقرير مصير بلاده أو ثرواتها المنهوبة.