اخر الاخبار

يتعرض النظام التعليمي في بلادنا إلى سلسلة من التخريب المنظم والأعباء الثقيلة التي خلفتها الحكومات المتعاقبة على كرسي الحكم لحقبة طويلة من الزمن.. حاربت خلالها الأفكار التقدمية والديمقراطية بعنف وعملت جاهدة على تكريس التجزئة والمحاصصة والتخلف والاستغلال والعبودية.. ما ادى إلى تدن مريع في الوظائف التربوية والتعلمية ولا تزال تعاني من هذه التبعات والاخفاقات والتراجع والاهمال في مختلف مراحل التعليم بالإضافة إلى ضعف كبير فيما تتطلبه من أدوات ومستلزمات تشمل العملية التربوية برمتها.. يقول ه.ج. ويلزان “الحضارة هي سباق ماراثوني بين التربية والكارثة” وهو قول صادق فبانعدام التربية السليمة تنهار الحضارة البشرية وتقع الكارثة.. والدولة عندما تتبنى قيما تربوية خاطئة في نظامها التعليمي والتربوي تسير بالبلاد إلى حافة الانهيار والدمار (وتقع الكارثة) وبالعكس. 

فالتربية عمل معقد وهي خلق مواطنين قادرين فعلا على مجابهة الحياة العملية واغنائها بكل جديد ودفع عجلة التقدم إلى الأمام وأداء مهامهم على أحسن ما يكون الأداء في مجتمع ينشد التقدم والتطور. ويواكب ما يجري من التطور العلمي العالمي... ومهمتها أيضا تنمية المواهب التي منحتها الطبيعة للإنسان وتهيئته للحياة العامة القادمة وتوجيه عقله نحو المستقبل وذلك يتطلب تدريب وتخريج نخبة من الخريجين تتولى الادارة والصناعة والتجارة والزراعة وجميع الانشطة المختلفة.

ينص الدستور العراقي الحالي في مادته (34) على:

 اولا / التعليم عامل اساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة وهو الزامي للمرحلة الابتدائية وتكفل الدولة مكافحة الأمية.

ثانيا/ التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله.

ان الصراعات وغياب الاستثمارات في العراق والحروب العبثية  التي خاضها النظام الدكتاتوري والحصار الذي فُرض على العراق والتدهور الأمني  أدى إلى تراجع التعليم مع ارتفاع نسبة الأمية والبطالة  لتصل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث، الا ان الضربة القاصمة جاءت بعد الاحتلال عام (2003) لتعيد منظمة اليونسكو نشر تقرير يبين أن العديد من المشاكل والتحديات ظهرت امام قطاع التعليم وفق اخطر المستويات، وهناك مدارس تفتقر إلى المياه النظيفة ودورات المياه الصحية واكثر من الف مدرسة تم بناؤها من الطين او القش او الخيام والكرفانات رغم ان موازنة العراق كبيرة جدا مقارنة مع منظومة التعليم لدول فقيرة..  والحكومات التي جاءت بعد الغزو الامريكي عملت بصورة ممنهجة على افشال التعليم سواء بهدم المدارس تحت ذريعة اعادة بنائها او اضعاف المناهج التعليمية (والتغيير المستمر لها) مع عدم تطوير الكوادر التدريسية او الارتقاء بمستواها، وان بعض الاجندات السياسية تعمل على تغيير المدرسين بما يتناسب مع الرؤى السياسية للأحزاب الحاكمة ثم تم تحريف المناهج التعليمية وفق توجهات دينية طائفية على حساب الرصانة العلمية والمعلومات الموثقة، ثم تدخل الكثير من الفصائل المسلحة  في العملية التربوية ليصبح الغش وبيع الاسئلة الامتحانية  سائدا  في كثير من مراحل التعليم وبالأخص الصفوف المنتهية ونتيجة لذلك اتجهت العوائل المتمكنة ماليا إلى المدارس والجامعات الاهلية وهذا الأمر سيؤدي حتما إلى الغاء التعليم المجاني السائد  في العراق في أمد قريب، الدكتور محمود شاكر ممثل العراق في اليونسكو هو الاخر اشار في لقاء صحفي إلى ان واقع التعليم الحالي  يمثل انعكاسا لما اعترى الدولة من فشل نتيجة الفساد السياسي والاداري والمحاصصة المبنية على اسس طائفية. فهناك عدو خفي اسمه الجهل قادر على تخريب العائلة والمجتمع والدولة وعلاجه الوحيد (التعليم والتعلم) وهذا ما يفتقده العراق حاليا فالحكومات المتعاقبة اعتمدت الاهمال المنهجي لقطاع التعليم ضمن الموازنات الاتحادية خاصة بعد عام (2005)..  فبقاء التعليم بيد احزاب لا تؤمن بأهمية الثقافة والتعليم سيعرقل أي عملية اصلاح او تطوير وهذا الامر ما يجعل التعليم في العراق يزداد قتامة عاما بعد عام والعراق دُمر نظامه التعليمي مع إعاقة حصول أطفاله على تعليم جيد جدا وهناك قرابة (3/مليون ومائتي ألف) طفل عراقي في سن الدراسة هم خارج المدرسة وان (54/ بالمائة) من الخلفيات الاجتماعية الفقيرة لا يكملون التعليم الثانوي.. والمناهج قديمة جدا تجبر الطلاب على حفظ حقائق وارقام معينة دون مراعات الذكاء ويركز على فردية المتعلم بالإضافة إلى نقص كبير في تدريب وتأهيل المدرسين والمعلمين.

 الامثلة كثيرة على أهمية العناية بالتعليم.. منها دولة مورشيوس وهي دولة افريقية صغيرة ليس لديها موارد طبيعية وانما اعتمدت على الانسان والزراعة والسياحة ولا تعتبر التعليم سلعة للبيع بل توفره مجانا لشعبها حتى نهاية مرحلة الجامعة مقارنة بالعراق الذي يمتلك ثروات وميزانيات انفجارية هائلة ما انزل بها من سلطان لم تستخدم لصالح المواطن. بل للمنافع الشخصية و(الأقربون أولى بالمعروف) وأهدرت مليارات الدولارات والوضع المعيشي سيء ورديء والفقير هو الضحية.. ولا توجد آذان صاغية لكل ما يجري في البلد من احتجاجات ومظاهرات سلمية شملت جميع المحافظات العراقية تطالب (نازل آخذ حقي) الذي كفله الدستور.. ومئات الشهداء قدمت دماءها قربانا للوطن والكرامة والعيش الكريم.. ولا حياة لمن تنادي. ومعظم الدول المتقدمة لا تقاس بثرواتها ومعادنها انما يرجع ذلك إلى اهتمامها الكبير بالنظام التربوي والتعليمي الذي يتساوى فيه الغني والفقير وعندهم الطالب والشرطي والقاضي وأيا من كان لا يحتاج إلى واسطة ولم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب بل ولدوا أحرارا وهم متساوون جميعا امام القانون والعيش الكريم ولهم الحق جميعا في التعليم والصحة والطب والعمل والخدمات ولهم الحق في الترفيه والرياضة والطعام الصحي والاستقرار الاسري.. المهم ان لا ينقطع عن الدراسة.. والتعليم الخاص عندهم ممنوع وهو في حكم الجريمة في المانيا   مثلا.. والصين بعد الثورة أولت اهتماما عاليا بالتعليم ومحاربة الامية والجهل وقضت عليها قضاء مبرما واقبل الناس على التعليم اطفالا وشبانا وكهولا إقبالا قل نظيره..     

وهنا يتوجب على الدولة والجهات المعنية إلزاما على معالجة وتوفير كل الامكانيات المتاحة لتذليل كل المعوقات لإنهاض التعليم وتوفير كافة مستلزماته من الفه إلى يائه.. لآن الواقع التعليمي في العراق ينذر بالخطر والمشاكل التي تعاني منها اية محافظة هي نفس  المعاناة  لكل المحافظات من زحام التلاميذ في الصفوف وازدواجية وثلاثية الدوام بالإضافة إلى نقص كبير في أبنية المدارس والقديمة آيلة للسقوط (وافتقارها إلى الشروط الصحية السليمة للتدريس فيها)..نحن على ابواب السنة الدراسية (22/23) وحال التعليم بالتدني الفظيع ومعظم الآسر التي لديها اكثر من تلميذ وطالب بدت  تجوب المكتبات والاسواق  لشراء اللوازم المدرسية والقرطاسية ..وعندما يحين الدوام الرسمي للمدارس نرى اكثر الطلبة ليس لديهم  المواد الدراسية  المقررة ويبتاعونها من المكتبات اومن قارعة الطريق  والدولة لا تحرك ساكنا جراء ذلك،  وهذه الظواهر اصبحت مألوفة  في بداية كل عام دراسي جديد، وطلبتنا يفقدون الامل والثقة بمستقبلهم من خلال ما يعانونه في مراحل الدراسة ويكاد يحلمون بالتعيين وانتشالهم من البطالة والتسكع فأكثرهم يائسون متخوفون من مستقبلهم المجهول ومعظمهم يزاول العمل والدراسة معا  ويتحمل الارهاق والتعب لآجل لقمة العيش. 

لقد آن الاوان لنسف الاطار الكلاسيكي التقليدي للتعليم ولنجعله قادرا على مسايرة روح العصر وتلبية الحاجات الجديدة  بضرورة اعداد مناهج  وكتب وبرامج تعليمية  جديدة  ورسم خطط  تتفق  مع خطة التنمية وحاجات البلاد في المرحلة الراهنة والقادمة ونبذ الأطر القديمة التي خلفتها الأنظمة المستبدة، ولندرك ان أية نهضة حقيقية انما يجب ان تكون متكاملة الجوانب وموحدة الابعاد وان نعد لها العدة عقولا متوثبة مفكرة واياد حاذقة ماهرة، ولا سبيل إلى ذلك الا بخطة  تعليمية تربوية محكمة  لتحقيق أهدافها، وان المناهج الدراسية الحالية على اختلاف مستوياتها ما تزال بعيدة في ان تأخذ دورها في بناء المجتمع الجديد. والمدارس والجامعات لاتزال تُخَرج سنويا عشرات المئات من الطلبة باختصاصات مختلفة والدولة عاجزة ان تستوعب هذا الزخم المتزايد مع المتغيرات التي يمكن الاستفادة منها فائدة ملموسة في مشاريع خدمية متشعبة لتحقيق أمانيهم الحالمة.

عرض مقالات: