اخر الاخبار

مضت شهور على إجراء الانتخابات المبكرة، وبعد إعلان نتائجها أخذت تداعيات الفشل السياسي تتفاقم. خاصة وقد اختارت نسبة هي الأكبر في تاريخ البلاد ان تقاطع الانتخابات. مقاطعة تعكس رسالة واضحة وصريحة: انعدام ثقة المواطن بنظام المحاصصة الطائفية وقواه المتنفذة.

ففي الوقت الذي يجب ان تغادر فيه هذه القوى على مغادرة نهجها المأزوم، وإلزام نفسها ببرامج محددة زمنياً لإصلاح جدي لأوضاع البلاد، لا تزال تتشبث بمصالحها الخاصة والاستحواذ على مواقع السلطة، وتعظيم ومراكمة الثروات، على حساب مصلحة البلد والشعب.

وبحسب النص الدستوري، يجب على مجلس النواب انتخاب رئيس الجمهورية بعد 30 يوما من انعقاد أول جلسة له، وهذا ما لم يتحقق اليوم بسبب صراع الأطراف السياسية ونزاعها على المكاسب والمغانم، ما دفع التيار الديمقراطي، ممثلاً بالحزب الشيوعي العراقي وحزب الأمة، إلى تقديم دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية.

مجريات الدعوى

يقول المحامي زهير ضياء الدين، المنسق العام للتيار الديمقراطي، ان الدعوى تم قبولها من المحكمة الاتحادية العليا، وجرى تسجيلها برقم 110.

ويواصل ضياء الدين حديثه لـ”طريق الشعب”: “المفروض بعد استلام عريضة الدعوى وقبولها من المحكمة، يتم تبليغ المدعى عليه، وهو رئاسة مجلس النواب، التي عليها أن تجيب على اللائحة في موعد أقصاه 15 يوما من تاريخ استلام عريضة الدعوى”.

ويضيف “بعد أن يجيب مجلس النواب على مخاطبة المحكمة الاتحادية العليا، يتم تبليغنا بإجابة مجلس النواب، ويتم تحديد موعد المرافعة من قبل المحكمة الاتحادية، وبانتظار الإجابة وموعد المرافعة”.

ويعلل ضياء الدين رفع الدعوى “بسبب حالة الاستعصاء السياسي الذي وصلت إليه البلاد، وتمسك طرفي الخلاف في البرلمان بمواقفهما”.

ويبيّن ضياء الدين بأنهم كتيار ديمقراطي وقوى مدنية “اتخذوا قرار إقامة الدعوى امام المحكمة الاتحادية العليا، من اجل إصدار قرار يلزم مجلس النواب، بجميع قواه السياسية ونوابه بأن يعقد الجلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، من اجل استكمال تشكيل الحكومة والمصادقة على الموازنة والنظر الى معاناة الناس”. ويأمل المنسق العام للتيار الديمقراطي “أن تصدر المحكمة الاتحادية قرارا لصالحنا وصالح الشعب، من اجل وقف معاناة المواطنين”.

قرارات ساهمت  في تأخر  تشكيل الحكومة

ويشير ضياء الدين إلى ان الدستور حدد موعد انتخاب رئيس الجمهورية “بعد 30 يوما من عقد البرلمان جلسته الأولى، لكن مرت أشهر عدة من دون حل، وبرغم مطالبة المحكمة الاتحادية بتفسير النص الدستوري الخاص بالمهلة، وإقامة دعوى لدى المحكمة الاتحادية، إلا أنها أصدرت قرارات سمحت بإعادة فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية”.

ويكمل حديثه: إن “جميع القرارات التي صدرت من المحكمة الاتحادية، هي في الواقع ساهمت في تأخير تشكيل الحكومة، وساعدت على انتهاك الدستور ونصوصه”، ملاحظا أن “الأحزاب والقوى السياسية المتنفذة تتحدث فقط عن المكاسب والمغانم والنفوذ، ولم نرَ أي تحرك بصدد برامج خدمية لإنقاذ العراق من أزماته الراهنة، وانتشاله من الوضع البائس”.

وعمّا إذا كانت القوى السياسية ستلتزم بقرار المحكمة الاتحادية، يوضح ضياء الدين بان “الدستور نص على ان قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للجميع، وإذا أصدرت المحكمة قرارا يلزم مجلس النواب بان يجتمع بكامل أعضائه، فهذا ملزم لجميع النواب والسلطات، ولا يقبل الطعن او المعارضة”.

نقص في الدستور

ويؤشر ضياء الدين “نقصا في الدستور”، إذ حدد المواعيد الدستورية والزم مجلس النواب بها، لكنه لم يحدد الإجراءات المتعبة في حال عدم التزام مجلس النواب بالتوقيتات الدستورية أو قراراتها، مضيفا “لا توجد نصوص عقابية لذلك. وهذا ما شجع مجلس النواب والقوى السياسية، على انتهاك الدستور وعدم الالتزام بتوقيتاته”.

الاتحادية أحد أسباب الانسداد

من جانبه، يعتقد القاضي هادي عزيز أنه “في حال استمرار حالة الاستعصاء السياسي فمن الوارد جداً الذهاب لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة؛ فالعملية السياسية متوقفة، والسلطتان التنفيذية والتشريعية معطلتان”.

ويعزو القاضي عزيز سبب هذا الانغلاق، في حديثه لـ”طريق الشعب”، إلى قرار المحكمة الاتحادية الذي اشترط حضور الثلثين لعقد الجلسة، بينما الثلثان في الدستور، يجب تحققه لأجل الانتخاب وليس للانعقاد، وشهدنا جلستين، ولم يتحقق حضور الثلثين”.

ولايرى القاضي، على أثر ذلك، بإمكانية ان “تبقى العملية مغلقة، إذا لم يتم التراجع عن مسألة الثلثين، ضمن اطار قانوني وسياسي، والا حتماً سنذهب نحو انتخابات أخرى”، موضحا أن العدول عن هذا القرار يكون من خلال المحكمة الاتحادية أيضا فهي “تملك القدرة والصلاحية لتعديل أحكامها، بمجرد تقديم طلب لها”، بحسب المتحدث.

تفسيرات المحكمة الاتحادية

من جهته، قال القاضي المتقاعد سالم روضان الموسوي، إنّ “عمل المحكمة الاتحادية العليا قضائي صرف، وتمارسه على وفق اختصاصاتها المقررة لها في المادة (93) من الدستور العراقي والاختصاصات القانونية الأخرى، ومن بين تلك الاختصاصات تفسير النصوص الدستورية، لذلك فان ما تقرره هو قراءتها لتلك النصوص وتجتهد في إزالة الغموض الذي يكتنف النص المطلوب تفسيره عندما يطلب منها ذلك”.

وأضاف الموسوي في حديثه لـ”طريق الشعب”، ان المحكمة الاتحادية العليا “كانت  قد تصدت لعدة حالات تتعلق بسير العملية السياسية بعد انتخابات 10/10/2021 ، وأصدرت قرارات تفسيرية تختلف عن قراراتها السابقة، التي كان العمل قد استقر عليها ومنها إعلان الكتلة النيابية الأكثر عدداً، حيث قررت في حينها بان الإعلان يجب ان يكون في الجلسة الأولى لمجلس النواب وبموجب قرارها العدد 25/اتحادية/2010 في 25/3/2010، والذي تضمن الاتي (يكون تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى) ولثلاث دورات تقريباً كان العمل يجري على وفق هذا التفسير”، مشيرا إلى أنها “بعد إجراء الانتخابات، وإعلان النتائج وظهور المنافسة على الكتلة الأكثر عدداً، عادت وفسرت النص الدستوري تفسيرا جديدا يختلف عن الأول وبموجب قرارها العدد 7/ وموحداتها 9و10/اتحادية/2022، جعلت موعد تحديد الكتلة الأكثر عددا، مفتوحا حتى انتخاب رئيس الجمهورية”. واكد القاضي ان هذا التفسير “أربك الوضع السياسي حيث ان جميع الكتل والتيارات المشاركة في الانتخابات، بنت استراتيجيتها على أساس التفسير الأول، لكنها بعد التفسير الجديد عمدت إلى اتباع أسلوب جديد فيه مناورة سياسية”، مبينا ان “المحكمة الاتحادية في تفسير اخر اعتبرت نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، وهذا منح فرصة كبيرة لتلك الكتل والأحزاب في مناوراتها السياسية، وتعطيل الانعقاد من خلال اختلال النصاب”.

قصور في النصوص الدستورية

وعمّا إذا كانت المحكمة الاتحادية العليا سببا في أزمة الانسداد السياسي الراهن، قال الموسوي ان “المحكمة الاتحادية العليا عندما تجد خرقا دستوريا في عملية تشريع القانون، فإنها تتصدى له بعد ان تقام دعوى وتحكم بعدم دستوريته، ومن ثم يعطل هذا النص القانوني، ولا يتم العمل به إطلاقا. أما عن خرق السياسيين والقائمين على شؤون البلاد فان المحكمة الاتحادية ليس لها أي سلطة فرض جزاء او معاقبتهم، وإنما دورها يقف عند تشخيص الخروق او إبطال الأوامر التي يصدرونها بموجب مراسيم أو أوامر ديوانية أو قرارات من مجلس النواب”.

ونوه بانه “في مثل الحال الذي نحن فيه من تأخر انعقاد جلسات مجلس النواب، لا تملك المحكمة أية ولاية او سلطة”، مردفا “هذا ليس بضعف في أدائها، وإنما قصور في النصوص الدستورية والقانونية، حيث ان المحكمة مقيدة بوجود تلك النصوص، ومنها عدم وجود نص يعاقب من يرتكب فعل الحنث باليمين، مما يتعذر على المحكمة محاسبة اي مسؤول لم يؤد مهامه على وفق اليمين الذي اقسم به”.

وخلص القاضي الموسوي إلى ان “حل البرلمان لنفسه هو من الحلول السياسية التي من الممكن ان تخرج البلد من هذا المأزق السياسي، وحصل في الكثير من البلدان ان يتم حل البرلمان عندما يتعذر تشكيل الحكومة في الانظمة البرلمانية”، مؤكدا ان “إجراء الانتخابات مجددا مرهون بحل البرلمان، وعلى فرض حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، فإنها بلا شك تتطلب ذات الإجراءات التي جرت فيها الانتخابات السابقة”.

عرض مقالات: