اخر الاخبار

في مقالٍ سابق تناولنا “المنظور الماركسي في البرنامج الصحي للحزب الشيوعي العراقي”. اليوم، وإتماماً للفائدة نتناول برنامج الحزب الذي يعالج قضايا البيئة، فمجرد قراءة أولية للبدائل والمعالجات العلمية العملية التي طرحها الحزب في مؤتمره الوطني العاشر(1-3 كانون أول 2016) يتمكن المطلع أو القارئ أن يتصور تقييماً عمومياً للأوضاع البيئية المتردية التي يعيشها العراقيون والتي جاءت نتيجة تراكمات ضارة للسياسات البيئية التي أتبعتها الأنظمة المتعاقبة، تلك التراكمات تحتاج الى البديل المنطقي والعلمي لانتشال الواقع المرير الذي راح يعكس ظلاله الضارة على حياة الناس في كل أنشطتهم التعليمية والزراعية والصناعية والتجارية، ومادام الحزب الشيوعي العراقي يسعى ويناضل من أجل تحقيق مجتمع ديمقراطي تسوده قيم العدالة الاجتماعية وبالتالي تأسيس مجتمع تحفيزي وحاضن للأبداع والتطور فهو لابد أن يبني برامجه المختلفة وفق النظرية الاشتراكية العلمية التي يهتدي ويسترشد بها.

لقد أولت الماركسية ومن خلال الحركات والأحزاب المسترشدة بها، اهتماما خاصاً بالبيئة وفضحت دور النظام الرأسمالي وكذلك ما تقوم به العولمة المتوحشة المخرّب للأنماط البيئية، وهي تتعايش مع كل أضرار اقتصاد السوق الحر الاستغلالي، وبالتالي فأن النظرية الماركسية متطورة ومتجددة من خلال نضالات الأحزاب الشيوعية والعمالية التي تسترشد بها ووفق ظروفها المحلية، ومنها حزبنا الشيوعي العراقي.

الشيوعيون في برنامجهم دعوا الى “تأسيس وتطوير الهيئات الحكومية الخاصة بالبيئة” والى “دعم البحوث والدراسات البيئية” ناهيك عن الاهتمام “بالتعليم والثقافة البيئيتين”.

إنها رؤية مترابطة في التركيز على المسؤولية الرسمية التي تقع على الجهات المختصة (الحكومية) فيما يخص شؤون البيئة داعياً الى “تأسيس” تلك الهيئات مع “تطويرها” كون البيئة مجموعة الظواهر والمعطيات التي تتفاعل مع بعضها ومع الكائنات الحية المختلفة بما فيها الأنسان والتي تتطلب تطوير المعارف حولها بما فيها البحوث والدراسات التي ستمنح المختصين فرصا واسعة لتطوير الواقع البيئي الذي يتطلب الكثير من الجهد. وليس هذا فحسب فالبرنامج لا يغفل الفعل المؤثر للجماهير في البيئة ولذلك يدعو الى التعليم والثقافة البيئيتين كون المسؤولية هي مشتركة وأن ما تشهده البيئة انما هو انعكاس لواقع الفعل الحيوي لكل مكونات الحياة والتي باتت أقرب إلى سيطرة الإنسان.

يؤكد الحزب على ضرورة سن قوانين جديدة لـ “منع التجاوز على الثروات الحيوانية الطبيعية والبرية والمائية” هذا التأكيد يأتي انطلاقا من أيمانه المطلق بالملكية العامة للثروة التي تشكل عصباً جوهرياً في حياة العراقيين بسن قوانين تؤكد على صفة الملكية العامة ووضع حد للمتجاوزين والعابثين بممتلكات الشعب، كما أن الحزب لم يغفل أعادة تعمير ما خربه النظام المقبور من تجريف البساتين وخصوصاً أشجار النخيل إضافة الى تجفيف الأهوار وهي نتاج حروبه العبثية وكذلك معالجة التغييرات البنيوية في الطبيعة ومواردها التي أحدثتها السياسات البرجوازية والرأسمالية المتعاقبة والتي لم يحاول النظام الذي جاء به الاحتلال الأميركي 2003 أن يصلحها. ويطرح برنامج الحزب البيئي، حلولاً إضافية كأنشاء محطات تصفية وتدوير النفايات لحماية المياه والأجواء من الملوثات الكيمياوية والمياه الثقيلة وغيرها، إضافة الى التنفيذ العلمي - التكنولوجي المتطور الخاص بالطمر الصحي.

يشير البرنامج الى “وضع خارطة التوزيع الإقليمي للمؤسسات الصناعية والزراعية” بما يضمن (توسع سكاني وإبعاد الصناعات الملوثة للبيئة والمضرة بصحة الأنسان وتلوث الأنهار).. وهذا برهان مؤكد على المبادئ الإنسانية التي جاءت بها الماركسية وعكسها الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه البيئي فهو يدعو الى حماية القوة الإنتاجية الأكبر(الأنسان) من الملوثات لضمان صحة ممتازة للطاقات الفكرية واليدوية لتطبيق برامجه التنموية من أجل جعل العراق في مصاف الدول المتقدمة. بمعنى الحفاظ على الخزين الاستراتيجي من الموارد البشرية المنتجة.

لم يكتفِ حب الشيوعيين لأبناء الوطن وقلقهم عليهم عند هذه الحدود، وإنما عبروا عن الأيمان المطلق بالشعب والوطن بالنضال من أجل “وضع وتنفيذ برامج وطنية عاجلة للتخلص من نفايات الحروب السامة ومن الألغام المزروعة في مختلف مناطق البلاد ومن أثار الأسلحة الكيمياوية والجرثومية والمشعة”، دون أغفال الالتزام الدولي ضمن المعاهدات التي تحفظ السلم العالمي.

ان البرنامج النضالي الذي يقره المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي العراقي يعد الراية التي يسير خلفها وبهديها الشيوعيون العراقيون وأصدقاؤهم ومحبوهم، مؤمنين أيماناً تاماً والتزاما أخلاقياً ووطنياً بأنه برنامج مفتوح على القوى الخيّرة متشبثين بالأهمية البالغة لمشاركة تلك القوى بهذه الرؤى وهذا هو دافعهم المبدئي في التوجه نحو الائتلافات الانتخابية وهم بذلك يطبقون المفهوم الماركسي في معنى الثورة الشعبية نحو بناء المجتمع المدني الديمقراطي التعددي الموحد.