اخر الاخبار

عرفت الأمم المتحدة التمييز العنصري على وفق ما جاء بالفقرة (أ) من المادة الأولى من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادرة رسميا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٢١٠٦ أ / د ٢٠ في ٢١ كانون الاول عام ١٩٦٥، وتم الأخذ بالاتفاقية والتقييد في بنودها في ٤ كانون ثاني عام ١٩٦٩.  (يقصد بتعبير التمييز العنصري) أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان اخر من ميادين الحياة العامة. وقد حظرت الفقرة ثالثا من هذه المادة تفسير أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية بما ينطوي على أي مساس بالأحكام القانونية السارية في الدول الأطراف فيما يتعلق بالجنسية أو المواطنة أو التجنس شرط خلو هذه الأحكام من أي تمييز ضد أي جنسية معينة، وقد تبنت الجمعية العامة هذه الاتفاقية للخروقات الجسيمة التي تلحق بالإنسان جراء هذا التمييز.

الدلالة

ان دلالة الموضوع يتأتى من خلال تعريف الأمم المتحدة التمييز العنصري (بأنه الاستثناء المقصود أو التقييد المتعمد أو التفضيل المبوب) والقائم على أساس اختلاف الاعراق او التباين في لون البشرة، أو التمييز على أساس الانتساب وفق مفاهيم النسب المعادية لأصول البشر، أو ان التمييز يقوم على أساس الانتماء القومي أو الإثني أو ما يمكن عده تمييزا على أساس المذهب أو الاعتقاد، او مما يكون له دلالة التعطيل أو عرقلة الاعتراف بالحقوق الطبيعية التي أقرها القانون الطبيعي أو القوانين الوضعية بما لا يتعارض مع الحريات الأساسية لكل إنسان بغض النظر عن كل عوامل التباين التي جاءت بها  الطبيعة الإنسانية، كما أن لكل إنسان (بالمطلق)  حق التمتع بممارسة هذه الحريات وفي كافة الميادين سياسية أو اجتماعية أو ثقافية كل حسب خلفيته الفكرية ، ولكل انسان حقه في اختبار عمله وله حرية اقتصادية يحقق من خلالها الرفاه والتقدم في كل مضامير الحياة البشرية، وان على الدول وكافة الأطراف الفاعلة في المجتمع الإنساني، الأخذ بهذا التعريف وجعله مبادئ عامة ملزمة، لا يحق لأي دولة أو طرف سن قوانين تتعارض مع حقوق الإنسان وتنم عن تمييز بين البشر، ولها أن تلغي كل القوانين المتعارضة مع هذه الحقوق وتلك الحريات التي تنطوي على وجود تمييز قانوني أو عرفي  بين الناس على أساس ما قدمه تعريف الأمم المتحدة للتمييز العنصري .

الجذور التاريخية للتمييز العنصري

يرى بعض المفكرين أن بعض حضارات العالم القديم في وادي الرافدين أو وادي النيل، أو في الهند، التي شهدت تشريع القوانين المدنية، من أن تلك القوانين جاءت لتقضي على العبودية وبعض أنواع التمييز العنصري ، ففي مصر الفرعونية شهد الناس تمييزا عنصريا وطبقيا، فلم تكن الزراعة لوحدها لصالح الملاك هي عملية لتسخير البشر في الإنتاج وخزن الحبوب، بل أن الملوك من الفراعنة سخروا المصريين القدماء لبناء القبور والاهرامات التي كانت مدعاة للتمييز في العمل والسخرة لبعض فئات الشباب القادرين على تحمل صعوبة العمل ونقل الاحجار إلى أعالي تلك الاهرامات، وعندما خضعت مصر لحكم اليونان لدى دخول الاسكندر المقدوني لها فقد أقاموا حكمهم على أساس عنصري والتفرقة العنصرية إذ اعتبروا أنفسهم الجنس الممتاز، وبعد أن تمكن الرومان من فرض سيطرتهم على مصر بعد انتصارهم على الإغريق ، فقد ساروا ايضا كأسلافهم اليونانيين على سياسة التمييز العنصري جاعلين المصريين أبناء البلاد الأصليين في الطبقة الأخيرة من سلم تقسيم المجتمع ، وقد شهدت العصور الوسطى في أوربا تمييزا طبقيا مقام على أساس الاسياد والعبيد ، (وهو نوع من التمييز العنصري) في مجتمعات النظم الاقطاعية، غير أن جذور التمييز العنصري المقام على أساس اللون والجنس وبشكله الحديث قام بعد حركة الاستكشافات الجغرافية التي قادها الأوروبيون ووصولهم إلى جزر الهند الشرقية وسواحل القارة الامريكية أو سيطرتهم على القارة الأفريقية ، والتمييز العنصري في امريكا جذورها تاريخية منذ عملية إبادة السكان الأصليين من قبل المهاجرين قبل ثلاثة قرون وتم الاستيلاء على أراضيهم ، وما في داخلها من زراعة ومعادن عبر القتل الجماعي لحوزتهم (أي المهاجرين) على أسلحة نارية سريعة البطش،  ونشر مرضي الجدري والكوليرا، وعندما قامت الدولة الاتحادية طغت العنصرية على مؤسساتها المختلفة وخاصة المؤسسات العسكرية والقضائية والامنية، خاصة في الولايات الجنوبية، حيث سادت تجارة العبيد حتى قيام الحرب الأهلية ، وظلت الولايات المتحدة مثالا للعنصرية والتمييز حتى قيام حركة مارتن لوثر كنج عام ١٩٦٤ المطالبة بالحقوق المدنية والغاء التمييز العنصري متأثرة بالحركة الدولية المناهضة للعنصرية، وفي جنوب افريقيا وبسبب قيام اتحاد المستعمرين البريطانيين والبوير وهم من أصول هولندية تم اعتماد نظام عنصري للفترة من عام ١٩٤٨ ولغاية ١٩٩٤ وهو نظام يقوم على قانون الاسكان المنفصل وقانون تصنيف السكان وقانون ملكية الارض، والسكان كانوا يصنفون البشر إلى أربعة أصناف (المصدر ويكيبيديا) هم البيض والسود وفلاسيون وهنود، ويتم التمييز من خلال الحياة اليومية، هناك شبابيك للبيض وأخرى للسود، باص للأبيض وقاص للأسود، يمنع التزاوج بين العناصر المكونة للمجتمع، وكانت ٨٧٪ من الأراضي الزراعية بيد البيض، ونتيجة لهذا التمييز بين البشر قامت حركة أفريقية مناهضة للتمييز بين البشر وأخذت الشرطة عام ١٩٦٠ بمقاومة المظاهرات وقتلت في إحدى المرات ٦٩ متظاهرا، وكانت المظاهرات والاحتجاجات يقودها الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وظل الشعب يناضل سريا وعلنيا بقيادة نلسون مانديلا، وقد انتهت حكومة الأقلية العنصرية عام ١٩٩٤، بعد أن تم الإفراج عن نلسون مانديلا بعد سجن دام ٢٧ عاما ،وانتخب رئيسا للبلاد.

ان التمييز العنصري كان ولا زال في كثير من الدول ومنها الولايات المتحدة، حيث تم مؤخرا قتل جورج فلويد وهو من أصول إفريقية بطريقة متعمدة ودم بارد، مما أثار حفيظة العالم، وصارت الأمم المتحدة تطالب على الدوام بالقضاء على التمييز العنصري في كل المحافل والمناسبات ومنها اليوم العالمي لمناهضة العنصرية...