اخر الاخبار

لم يكن الظلم المجتمعي او الاهمال الحكومي للمرأة في العراق وليد الساعة ، بل نتيجة لتظافر عوامل كثيرة ومتعددة آنية وتاريخية  يأتي في مقدمتها قصور التشريع في مواجهة هذا الظلم أو ذلك الاهمال الحكومي المتعمد ، وقد حاول المشرع لقانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ أن يدفع بجعل المرأة حقا نصف المجتمع ، وكان ذلك القانون بمثابة الخطوة الجريئة الأولى والمتقدمة في عالم تطبيق حقوق الإنسان ، غير أن هذا القانون وتعديلاته لم يعد كل منها بقادر على تحقيق ذلك الهدف الاسمى ، ورغم أن محاولات الكثير من المفكرين والباحثين الاجتماعيين أو الكثير من القضاة لا زالت مستمرة  في إيجاد حلول ناجعة ومنصفة للمرأة ، إلا أننا نجد في الطرف المحافظ أصواتا تدعو لتعديلات تطال من حقوق المرأة وتحاول أن تعيدها  إلى عصر أشبه بعصر العبودية ، وقد اتهم البعض المحافظ القانون رغم الأهمية النسبية التي حققها للمرأة من أن بعض قواعده لا تنسجم مع أصول الشرع، والحق أن هذه المطالبة لم تكن وفق ما تراه الشريعة من حيث المقاصد والأهداف ، إنما مطالبة تنم عن ميول ذاتية لأشخاص أو جماعات نحو المحافظة ، رغم تقدم الإنسان وتطور أفكاره وبناه التحتية .

ان المرأة رغم كل محاولات التهميش تظل شاخصة باعتبارها نقطة تواصل البشرية مع متوالياتها مولدة للأجيال، وأن مسألة الاعتراف بهذه الحقيقة تظل مسألة تعتمد على تقدم المجتمعات والأنظمة السياسية. 

ان ما أصاب المرأة العراقية هو ثمار تجمع عوامل عدة، ومنها أن تكون المرأة موضوعة للفصل في النزاعات العشائرية المستديمة والتي لا تنقطع  ، او ان تكون مجالا للاجتهاد في أعمار الطلاق والتزويج ، أو ان تكون محلا لنقمة الزوج وثورته نتيجة شظف العيش وقلة الموارد أو كثرة البطالة ، أو أنها كانت ضحية لمخالفة الدولة نصوص دستورها في عدم توفير السكن اللائق ، أو التعليم الكفيل بتنبيه الناس بدور المرأة في بناء المجتمع وإعداد الأجيال القادمة ، أو ان الاهتمام الحكومي والتشريعي كان منصبا فقط على الجانب الإعلامي في مسألة المرأة ودورها في التشريع ، أما في التنفيذ فلم نجد إلا وزارات محدودة للنصف الآخر للمجتمع .

لقد كانت مخرجات الظلم الذي أصاب المرأة العراقية منذ تأسيس الدولة بعد العام ١٩٢١ ، وخاصة بعد قيام الحروب والنزاعات الداخلية والإقليمية , مخرجات مكلفة لها جدا ، بعد ان صار عدد الأرامل حسب سجل وزارة شؤون المرأة ٨ ملايين أرملة وفق إحصاء لعام ٢٠١٩ ، وان النسبة عالية منهن في أعمار ما بين الـ ١٤_ ٤٩ عاما ، كما أن نسبة الطلاق صارت تحسب بالدقائق أو الساعات ، وفي إحصائية لمجلس القضاء الأعلى أن نسبة الطلاق في شهر آب عام ٢٠٢١ بلغت ٣٠٪ من حالات الزواج ، وان الأسباب اجتماعية بالدرجة الثانية وهي ناتجة عن ظلم تزويج القاصرات أو الزيجات القسرية التي يفرضها الأهل على بناتهن .

ان المشكلة لا يمكن حلها بالاجتماعات أو الندوات أو البيانات، أنها مشكلة ظلم الفساد الذي سرق المسؤول فيه المال العام وترك البطالة في عنفوانها تأكل العائلة ولا تطعمها، وترك الشاب في حيرة أما الطلاق وأما الجوع، والطلاق ترك المرأة تواجه مصيرها لوحدها، وهذا ربما مقدور عليه، ولكن الظلم صار أعظم فتكا بالأطفال، وهكذا صار ظلم المرأة العراقية ظلماً مركباً. ظلمها هي وظلم اقسى على الأطفال، وصار العراق بحاجة لإنقاذ المرأة وفي يومها العالمي هذا، صارت المرأة العراقية صرخة مدوية في عالم حقوق الإنسان.