اخر الاخبار

لازالت العدالة الاجتماعية أملا تحلم فيه كل شعوب الأرض، ومفردة يتناولها الاعلام على أنها من المعاني والاهداف التي تهتم بها منظمة الأمم المتحدة وتدعو إلى تحقيق مضامينها، وقد عرفت هذه المنظمة الدولية عام ٢٠٠٦، العدالة الاجتماعية، انها تعني توزيعا منصفا ورحيما لثمار النمو الاقتصادي، وإن هذه العملية يجب أن تضمن احترام النمو المستدام الذي يخدم البنى الطبيعية وترشيد استخدام الموارد المتجددة، وأن تتمكن أجيال المستقبل من التمتع بأرض جميلة ومعطاء، وهي في العموم دعوى يراد من ورائها توزيع ثروات الامم بالتساوي بين أفراد شعوبها، بعد أن تركزت هذه الثروات بيد القلة من أصحاب رؤوس الاموال، ومطلب العدالة يعني إقامة المساواة بين الناس وخصوصا انها مفردة تعبر عن معاناة البشر لتتحول تدريجيا لأن تكون مفردة جامعة لتتحول إلى عدالة اجتماعية، أدركها انسان وادي الرافدين حيث رأى اله الشمس أنه اب لولدين هما الحق، والعدل (كيتو) و(ميتساو). وان حمورابي ١٧٩٢-١٧٥٠ ق.م ارسلته الالهة لتوطيد العدل في الارض ليزيل الشر والفساد ولينتهي استعباد القوي للضعيف، ومن شريعته استمدت الرعية ذلك الشعور من ان العدالة حق مشروع ،  وتطور مفهوم العدالة عند اليونان ليتحول إلى عدالة اجتماعية، وصار مفهوما كاثوليكيا ليتحول إلى مصطلح عند الفلاسفة والسياسيين والصيغة المفضلة واللازمة عند مجتمعات ما بعد الزراعة وخاصة بعد قيام النهضة الصناعية منذ العام ١٨٤٠ م ، وقد تم تداول مفهوم العدالة الاجتماعية عندما دعا القس الايطالي لويجي دازيليو إلى الرجوع إلى العدالة القديمة وأطلق عليها العدالة العامة التي نادى بها ارسطو، اما افلاطون فقد رأى العدالة باختصار، انها أمر فطري ناشئ  عن الحس والادراك بضرورة وجود العدالة والاصول الاخلاقية،  وكذا القديس توما الاكويني، وصار بعد الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، روسو في كتابه العقد الاجتماعي ينادي بوضع ريادي لمجتمع ديمقراطي قائم على المساواة، وسعى إلى تطبيق الحقوق المفقودة والاساسية والطبيعية للإنسان والمجتمع منها العدالة الاجتماعية وحق الانسان ان يعيش كريما دون استعباد، والحق في التنصيب والاتيان في الحكم. ورغم كل ما قيل في العدالة الاجتماعية منذ القدم الا انها ظلت مجرد تطلعات وامان تداولها الفلاسفة والمفكرين في اطارها النظري حتى قيام عصر التنوير وقيام الثورة الصناعية في انكلترا وبعدها اوربا الغربية، وقيام ظاهرة الانتاج الواسع وتنامي الطبقة العاملة الصناعية وبدء عملية الاصطفاف الاجتماعي القاتمة على ظاهرة تركز راس المال بيد القلة من البرجوازيين، والكثرة من العمال الذي يبيعون قوة عملهم لقاء أجر الكفاف مما تولد عنه اصطفافا طبقيا تبحث فيه الكثرة العمالية عن حقوقها التي تناولها الفكر الماركسي بأسلوب اكثر اتساعا من مفهوم العدالة الاجتماعية ، نعم لم يناقش ماركس العدالة الاجتماعية لذاتها، لكنه عمد من خلال تفسير نظرية فائض القيمة وفق علم الرياضيات المطالبة بالعدالة ناقدا فرضية العدل القاتمة على ميتافيزيقيا الاخلاق، وكان هذا الفكر وراء تشكيل النقابات العمالية وقيام الحركات الجارتية التي توجت بالبيان الشيوعي عام ١٨٤٨، والذي تناول مفاهيم ترتبط بالعدالة الاجتماعية منها كيف حولت البرجوازية الطبيب ورجل القانون والقاضي والشاعر والعالم إلى أجراء في خدمتها، وإن الرأسمالية في تطورها تتباعد تدريجيا عن مضمون العدالة الاجتماعية.

وما الاشتراكية في الفكر الماركسي الا خطوة متقدمة على مفهوم العدالة الاجتماعية، وتعني اشراك الجميع في انتاج الخيرات وتوزيعها بالعدل كل حسب قدرته وكل حسب حاجته.  في اطار الحديث عن العدالة الاجتماعية نجد ان شعبنا اليوم، ومن قبله الحزب الشيوعي العراقي ومنذ مؤتمره العاشر يطالب بقيام دولة مدنية ديمقراطية دولة العدالة الاجتماعية وقد اكد التزام الحزب بهذه المطالب خلال مؤتمره الحادي عشر حيث  تبنى موضوعة العدالة الاجتماعية وعلى لسان امينه العام، حين قال في خطاب الافتتاح، يرى حزبنا ان يكون تحقيق اكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية محورا اساسيا لمشروع التغيير، هذا المشروع الذي ينظر اليه المواطن كحل ممكن لكل قضايا العراق العالقة جراء المحاصصة والفساد والتي كانت من اهم العوامل الدافعة لتظاهرات تشرين.

إن مطلب العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق الطبقية في العراق ما عاد موضوعا قابلا للتأجيل أو مطلبا ترفيا ينادي به الشباب، انما هو في حقيقته برنامج عمل يجب ان تتبناه الحكومات عند تشكيلها مثلما تبنته الأمم المتحدة وتسعى دوما على تحقيقه، وان لا تظل هذه العبارة أملا يراود شعبنا المظلوم على مر العصور.