اخر الاخبار

في حوار نشرته وكالة Pressenza العالمية تحدثت زعيمة الحزب الشيوعي في جمهورية التشيك، كاترينا كونيتشنا، عن عدم كفاءة حكومة بلادها، والتضخم القياسي السائد، والهجرة والأزمة الاقتصادية، ومشاكل الرعاية الصحية والطاقة والغذاء. وكيف يمكن أن ينتهي الصراع في أوكرانيا بالنسبة للمواطنين العاديين في أوروبا. فيما يلي اهم ما تضمن الحوار.

الأزمة الاقتصادية

 تعيش جمهورية التشيك أزمة اقتصادية استثنائية. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عدم كفاءة حكومة البلاد الحالية. عندما تتبنى الحكومة سياسات يمكن أن تساعد بالفعل في مكافحة آثار الأزمة أو حتى أسبابها، فإنها تأتي متأخرة جدا، وفي أحسن الأحوال تكون أنصاف حلول. ومع ذلك، فإن معظم التدابير التي اتخذتها الحكومة لا تساهم في معالجة جدية للأزمة، مثل التخفيضات التي لا نهاية لها في الموازنة والتي يتم تقديمها دون الكثير من التفكير والتأمل. ونادرا ما تتم مناقشة هذه التدابير مع النقابات أو السلطات المحلية، التي يمكنها في الواقع تقديم آراء مفيدة للحكومة.

ونتيجة لذلك، تعاني البلاد من واحد من أعلى معدلات التضخم، ومن أسرع انخفاض للأجور الحقيقية، وأعلى سن تقاعد مقترح، وأعلى أسعار للكهرباء في بلدان الاتحاد الاوربي. ويجبر ارتفاع الأسعار العديد من الأسر والأفراد على الحد من الإنفاق حتى على السلع الأساسية. صحيح أن التأثيرات التي خلفتها الأزمة مخيفة، إلا أن عدم كفاءة الحكومة يجعلها أكثر تدميراً، فضلا عن القاء الحكومة اللوم على الأزمة فقط، بعيدا عن قصورها الذاتي.

عقوبات فاشلة

العقوبات المفروضة على روسيا ليست في مصلحة جمهورية التشيك، ولا حتى في مصلحة الاتحاد الأوربي، بل هي ضارة باقتصاد البلاد ولا تحقق أية نتائج تذكر. في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، حاولوا إقناعنا بأن الاقتصاد الروسي وآلة الحرب الروسية لا يمكنهما الصمود أمام العقوبات. الآن يرى الجميع أن ذلك كان كذبة. تؤثر العقوبات على المدنيين العاديين فقط، في كل من روسيا وأوروبا، ولكن ليس على النخب الروسية. وما زالت المواد الخام الروسية تصل البلاد، لكن ليس مباشرة، بل من دول ثالثة مثل الهند. ومن الواضح أن هدف عزل روسيا اقتصادياً قد فشل، وكان محكوماً عليه بالفشل دوما.

وبطبيعة الحال، فإن ارتفاع الأسعار نتيجة لهذه العقوبات يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية ويجعل المفاوضات الرامية إلى إنهاء الصراع المسلح في أوكرانيا، والتي ينبغي أن يكون الهدف الأساسي، أقل احتمالا. ولا يمثل الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات السبب الوحيد لهذه الأزمة، فالمشكلة أكثر هيكلية وتكمن في نمط عمل سوق الطاقة الليبرالي.

أزمة الحبوب

هناك سببان لحظر (سلوفاكيا، بولندا، المجر) استيراد الحبوب من أوكرانيا وتصنيعها وبيعها. الأول هو المخاوف بشأن انخفاض أسعار الحبوب المستوردة وتأثيره على المزارعين المحليين. عندما تستورد الحبوب الرخيصة نسبيًا من أوكرانيا من قبل بلدان الاتحاد الأوروبي، لا يستطيع المزارعون المحليون المنافسة، بسبب ارتفاع أسعار الحبوب المنتجة محليا.  وهذا يضر بالزراعة المحلية، ويهدد سبل عيش هؤلاء المزارعين. وإذا اضطروا إلى وقف إنتاج الحبوب محليا، بسبب البديل الأوكراني الأرخص، فقد يؤدي ذلك إلى قدر أقل من الاستقلال الغذائي.

السبب الثاني هو مبيدات الحشرات المستخدمة في أوكرانيا، والمحظورة في الاتحاد الأوروبي، والتي تؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية. ولهذين السببين، فضلاً عن حقيقة أن الحبوب الأوكرانية كانت موجهة في الأصل إلى الدول الأفريقية التي في حاجة إليها، واستقرت في نهاية المطاف في أوربا، ولذلك فان التفكير الجدي في فرض حظر على هذه الحبوب في جمهورية التشيك أمر وارد أيضاً. ولا يجوز للاتحاد الأوروبي تحت أي ظرف كان، أن يجبر الدول الأعضاء على قبول الحبوب المصدرة من أوكرانيا، لأن هذا يشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية.

الولايات المتحدة والمنظمات غير الحكومية

تمول الولايات المتحدة المنظمات غير الحكومية و»مراكز التفكير» في جمهورية التشيك، ومن أبرز هذه المؤسسات مركز أبحاث القيم الأوروبية، الذي تعد وزارة الخارجية الأمريكية أكبر ممول له، بعيدا عن الاسم الذي يحمله. في عام 2021، بلغت حصة وزارة الخارجية الامريكية 31 في المائة، و7 في المائة تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، و3 في المائة من مركز المشاريع الدولية الخاصة، وقرابة 1 في المائة من مؤسسة السياسة الدبلوماسية العامة لحلف الناتو، وحوالي 1 في المائة من السفارة الامريكية في براغ، وهؤلاء ليسوا المانحين الأمريكيين او التابعين الوحيدين. ينحدر أكثر من 50 في المائة منهم من أوروبا، وتقدم كندا وتايوان مساهمات كبيرة أيضا.

إنهم يضغطون، بشكل صارخ، من أجل سياسة خارجية مؤيدة لأمريكا، وحظر التجارة مع روسيا والصين، ومواءمة تجارة جمهورية التشيك بقوة مع تايوان والغرب، وحظر «التيك توك» على هواتف موظفي الدولة، وحتى الضغط على الاتحاد الأوروبي للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، كما فعلت الولايات المتحدة. واليوم أصبح تأثيرهم واضحا، خاصة بشأن العلاقات مع الصين. وعندما زارت الرئيسة الحالية لمجلس النواب التشيكي، ماركيتا بيكاروفا أداموفا، تايوان، غير المعترف بها من قبل جمهورية التشيك، افتتحت «المركز التشيكي»، الذي أنشئ في عاصمة تايوان تايبيه، من بين أماكن أخرى، ليكون بمثابة مكان اجتماع لرجال الاعمال للتشيكيين والتايوانيين، ولكن أيضًا لخدمة المنظمات الحكومية وغير الحكومية التشيكية والتايوانية.  ويمكن رصد تحول إلى مواقف أكثر عدوانية، في التصريحات والتصرفات الأخيرة لكبار السياسيين التشيكيين تجاه الصين. وانتهاكات لمبدأ الصين الواحدة المعترف به رسميًا. كل هذا يتم دفعه للأمام من قبل هذه المنظمات غير الحكومية التي تمولها الولايات المتحدة، وهو هدفها الأول حاليًا. ولذلك، فان تأثير هذه المنظمات على السياسة التشيكية وصنع القرار فيها كبير.

ملف اللاجئين

لقد أظهر المواطنون التشيكيون واحدا من أعلى مستويات التضامن في الاتحاد الأوروبي خلال أزمة المهاجرين الأوكرانيين. لقد انخفضت الأجور الحقيقية أكثر من أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكان التضخم ولا يزال من أعلى المعدلات في الاتحاد الأوروبي. أدت هذه الحقائق في نهاية المطاف إلى خفض الرغبة في مساعدة اللاجئين، كما تعكس ذلك المعطيات الراهنة. ولذلك، فإن هذا التطور هو أولا خطأ آخر للحكومة التشيكية.

أضف إلى ذلك انتشار أمراض مثل السل في جمهورية التشيك وبلدان أخرى، لفقدان وسائل مكافحة هذه الأوبئة، وهذه حقيقة محزنة.  وبحسب الخبراء، فإن الهجرة هي أحد الأسباب، وليس السبب الوحيد لعودة ظهور هذه الامراض في البلاد. ولسوء الحظ، لا ينحصر الأمر في مرض السل.

تأثيرات حرب اوكرانيا على جمهورية التشيك

يتم حالياً توظيف الحرب لفرض رقابة على العديد من أشكال التعبير عن الرأي التي لا تتفق مع مواقف الحكومة. ولا تزال العديد من وسائل الإعلام المرتبطة بروسيا محظورة، مما يقيد حرية الصحافة وحرية التعبير. وهناك خطر حقيقي في أن تستمر هذه القيود ببساطة، بل من الممكن أن تتوسع. إن أي شخص يتحدث علناً عن قضية السلام، أو يعارض سياسات الولايات المتحدة أو حلف الناتو، أو حتى ينتقد السياسات القاسية التي تنتهجها الحكومة، يتهم زوراً بممارسة الدعاية لصالح روسيا، وقد يستمر هذا الوصم في المستقبل لعزل الأصوات المعارضة من المشاركة في النقاش العام. وقد يتدهور الوضع الاقتصادي أكثر بسبب العقوبات. ويمكن أيضًا أن ترتفع الشوفينية الاجتماعية عبر تطبيع كراهية الأقليات العرقية مثل الأقلية الروسية. ومؤخرا، قال الرئيس التشيكي إن المدنيين الروس الذين يعيشون في الغرب يجب أن يخضعوا للمراقبة من قبل قوى الأمن، مستشهدا بمعاملة المدنيين اليابانيين الذين عاشوا في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية كنموذج لهذه المراقبة. في حين يُنظر إلى معاملة المدنيين اليابانيين، الذين احتجزوا في كثير من الأحيان في معسكرات الاعتقال، في أمريكا باعتبارها انتهاكًا لحقوق الإنسان وجزءًا مخزيًا من تاريخهم، إلا أن هذه التجربة تلهم بعض النخب في جمهورية التشيك.

وبطبيعة الحال، هناك أيضا مسألة الاندماج الصحيح للاجئين الأوكرانيين. إن السياسة الخارجية، وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي بالكامل، وليس فقط جمهورية التشيك، تؤدي إلى العزلة عن الدول الثالثة التي يتم الضغط عليها من أجل فرض عقوبات على روسيا. إن هذه الحرب سلبية بالنسبة للعالم أجمع، مثل كل الحروب. ولهذا السبب فإن الهدف هو الضغط من أجل الذهاب إلى المفاوضات ووقف الأعمال العدوانية والتوصل إلى حل سلمي للصراع في أوكرانيا.

عرض مقالات: