اخر الاخبار

وقّع المكون العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير في الخامس من الشهر الحالي اتفاقا اطاريا يؤسس لمرحلة جديدة في البلاد، يرى مراقبون انها لن تختلف عن سابقاتها من حيث سيطرة العسكر، مع ان الاتفاق ينص على انسحابهم من الحياة السياسية وان يقتصر وجودهم على مجلس الامن والدفاع ومعهم ٦ من قيادة الحركات المسلحة، ويكون المجلس تحت رئاسة مجلس الوزراء المدني. 

 لكن عبد الفتاح البرهان اشار في خطاب حفل التوقيع الى ان العسكر سوف يذهبون الى الثكنات، فيما تذهب الاحزاب الى الانتخابات؛ فالاتفاق اشار الى تشكيل حكومة مدنية تحدد عناصرها قوى الثورة، بما في ذلك اختيار رئيس الوزراء، لكن من دون محاصصة حزبية.

وقال البرهان ان ليس للمدنيين الحق في التدخل في المسائل الفنية والادارية التي تخص الجيش. وهذا الحديث يفهم منه ان اصلاح الجيش كواحد من مطالب الثورة، سيكون بواسطة قيادة الجيش نفسها. ولا ندري من اين تستمد القيادة هذه الصلاحية غير المنصوص عليها في الاتفاق، ولا في وثيقة نقابة المحامين التي تأسس عليها. فالجيش هو جيش السودان كما يردد المتظاهرون في الشوارع، وتقع المسؤولية الكاملة عنه على حكومة السودان.

ومع ذلك فالبرهان لا تحدث من فراغ، لان اصلاح  الجيش يقع ضمن اربعة بنود هي العدالة الانتقالية، واتفاقية جوبا، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، والتي ارجأها الاتفاق لمزيد من التشاور حولها. علما ان العدالة والسلام والحرية تمثل الشعارات الثلاثة لثورة ديسمبر التي تجاوز عدد شهدائها الف شهيد، عدا المصابين والمفقودين.

مع ذلك تتحدث قيادات الحرية والتغيير عن انها خرجت باتفاق ينهي شراكة العساكر في السلطة، ويؤسس لحكومة مدنية كاملة. والمحيّر في الامر ان المراقبين الدوليين ممثلين في الآلية الرباعية التي تضم دول الترويكا والاتحاد الافريقي  وبعثة الامم المتحدة، لا تغيب عنهم طبيعة الاتفاق والالتفاف الذي حدث فيه على شعارات الثورة. ومع ذلك اعلنت كل من امريكا والاتحاد الاوربي والسعودية والامارات مباركتهم للاتفاق واستعدادهم لاستئناف تقديم المساعدات للحكومة المدنية المرتقبة.

ولعل ما يبدد الحيرة هو اشتغال منظمات عالمية واقليمية على الوثيقة الدستورية التي تأسس عليها الاتفاق، وعلاقة قيادات كبيرة في حكومة حمدوك بهذه المنظمات.  كما ان بعضها كان قد تعامل مع تحالف نداء السودان الذي يضم حزب الامة القومي وحزب المؤتمر السوداني، وهما ابرز الموقعين على الاتفاق الاطاري والمدافعين عنه في مجال التدريب، وتقديم مساعدات اخرى لم تفصح عنها مريم الصادق القيادية في حزب الامة في ردها على الاتهامات، التي راجت عن علاقة الوثيقة الدستورية بجهات اجنبية.

اذن التأييد الذي وجده الاتفاق يعود الي كونه يتفق مع اجندة الدول الراعية له، لانه سيدفع الي قيادة الحكومة بعناصر تربت في حضن المؤسسات الدولية التي لعبت دورا مهما في النزاع السوداني، منذ توقيع اتفاق نيفاشا الذي انهى صراع الجنوب ببتر جزء من الوطن.

ويبدو ان نصر الدين عبد الباري وزير العدل في حكومة حمدوك هو ابرز المرشحين حاليا لتولي منصب رئيس الوزراء، وهو من قدم مشاريع قوانين مثيرة للجدل، وصفها احد ابرز قيادات الحزب الديمقراطي الحاكم في امريكا بانها تمثل اهم اختراق حدث في الشرق الاسلامي. واشاد بهذا المرشح وزير الخزانة الامريكي الاسبق، الذي انجز ملف التطبيع مع اسرائيل الي جانب وزراء اخرين جمعتهم لقاءات في مقر المجلس الاطلنطي مع السفير النرويجي مثل حمدوك وابراهيم البدوي وزير ماليته  علما بان هذا السفير كان قد لعب دورا مهما في انفصال جنوب السودان حينما كان سفيرا لبلاده في السودان في تلك الفترة.  ولكن للمصادفة فانه قد تم تعينه في شهر سبتمبر الماضي سفيرا الى السودان مرة اخرى.

ويتضح ان الحماس الدولي للاتفاق الجديد بين العسكر ومن يعتبرون ممثلين لقوى التغيير، لم يأت من فراغ،  وان قيادة الجيش كانت في الحقيقة قد اتفقت مع امريكا قبل ان تجلس مع تحالف الحرية والتغيير. وان الحكم سيكون شراكة بين العساكر ورجال امريكا في السودان، وان الحرية والتغيير وبقية الاحزاب الموقعة علي الاتفاق الاطاري والتي قيل ان عددها وصل الى خمسين حزبا، سوف تذهب جميعا للمجلس التشريعي، لتراقب اداء السلطة وتستعد للانتخابات، ولتعيش بعض قياداتها ممن تجاوزوا السبعين عاما شيخوخة هادئة.

   لكنهم لن تكون لهم علاقة بالحراك الثوري، الذي انتظم شوارع الخرطوم لحظة توقيع الاتفاق، وكان بقيادة  شباب المقاومة وهم يرددون هذه المرة (بي كم بي كم  قحاتة باعوا الدم) ويقصد الثوار ان احزاب الحرية والتغيير قد باعت دماء

عرض مقالات: