اخر الاخبار

في الوقت الذي تتفاقم فيه مستويات التلوث في البلاد، وانعكاس ذلك بشدة على المناخ، أعلنت وزارة البيئة، أخيرا، استكمال الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التلوث البيئي والحد من تداعياته، مؤكدة جاهزية الخطة التنفيذية الخاصة بالاستراتيجية.

وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، افتتح في 12 آذار الماضي (مؤتمر العراق للمناخ) الذي ضيّفته محافظة البصرة، وبمشاركة دولية وإقليمية وحكومية.

وأكد السوداني في كلمة ألقاها خلال المؤتمر، أن الحكومة ماضية في برنامجها الذي أولى معالجة تأثيرات التغيرات المناخية أهمية خاصة، وقد وضعت معالجات عدّة لتخفيف الآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية التي ترافق التغيّر.

أطلق السوداني في حينها مبادرة كبرى لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، لكنها كغيرها من المبادرات اطلقت لمجرد الاستهلاك الاعلامي؛ إذ يؤكد مراقبون ان الجهات الحكومية «لم تزرع نخلة واحدة ضمن هذه المبادرة»، بالرغم من بيانات التأييد التي اطلقتها الوزارات ومؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من أن الاستراتيجية التي أعلنتها البيئة جاءت متأخرة إلا ان أصحاب الاختصاص والمعنيين بالشأن البيئي يجدونها «ضرورية»، في وقت تتعالى فيه الاصوات من اجل انقاذ ما تبقى من بيئة العراق، التي تواجه مخاطر حقيقية كبيرة، داعين الى إشراك الوزارات والمؤسسات المعنية، لان البيئة غير قادرة، لوحدها، على تطبيق هذه الاستراتيجية.

خطط واجبة التنفيذ

وفي هذا الصدد، يقول وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، إن «الوزارة وبالتعاون مع الفريق الوطني العراقي الممثل لكل الوزارات والجهات الحكومية وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي استكملت الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التلوث البيئي وللأعوام 2023-2028»، مبينا أن «هذه الاستراتيجية تعتبر نقطة تحول مهمة باتجاه رؤية عراقية واضحة لخطورة تحدي مواجهة التلوث البيئي، لا سيما تلوث الهواء والمياه والتربة، وانعكاس ذلك على الصحة العامة، فضلا عن الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية».

وأوضح الفلاحي، أنّ «هذه الاستراتيجية تشكل رؤية وطنية متقدمة لوضع آليات عملية وفاعلة للحد من تأثير التلوث البيئي وانعكاساته على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأنها تضمّنت خططا قطاعية تنفيذية واجبة على كل قطاع من قطاعات الدولة، ووفق سقوف زمنية، من أجل مواجهة التلوث البيئي واتخاذ الإجراءات اللازمة، للحد من تداعياته».

وأضاف، أنّه «تم إقرار الاستراتيجية من قبل مجلس الوزراء»، منوها بأن «الخطة التنفيذية جاهزة وتتطلب تعاون الجهات القطاعية بما فيها القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية والوزارات وحكومة إقليم كردستان».

واستطرد بالقول أن «رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجه بتطبيق مفاهيم الحوكمة في كل مفاصل الدولة»، مؤكدا أن «وزارة البيئة بذلت جهودا حثيثة بهذا الصدد حيث استكملت المنصة الإلكترونية المعنية بالحصول على الموافقات البيئية».

قانون جيد ولكن

في هذا الصدد، قال مدير معهد نيسان الذي يعنى بالشأن البيئي، فلاح الاميري، انهم طالما اكدوا وطالبوا وقدموا مقترحات بأن تعمل كل الوزارات بالتنسيق في ما بينها على موضوعات تلوث البيئة وشح المياه، لأهمية هذا التعاون والتنسيق.

وعلق على هذا التوجه الحكومي قائلا «على الرغم من انها خطوة متأخرة، لكنها جيدة نحو الاصلاح البيئي الحقيقي. ومن الضروري ان تكون هناك شفافية عالية في مفردات الاستراتيجية وضمان انفاذها وتطبيقها».

ولفت الاميري في سياق حديثه مع «طريق الشعب»، الى ان هذه الاستراتيجية «تتطلب من الوزارات المسببة للتلوث بنسبة عالية، منها: النفط، وتتبعها الكهرباء وثم الصناعة، والبلديات والإسكان والصحة، ان يلتزموا بالاتفاقية الدولية والمحلية، وأن تبدأ هي أولا بتنفيذ وتطبيق قانون حماية وتحسين البيئة رقم 21 لسنة 2009»، مبيناً ان «مواد هذا القانون صارمة وممتازة، لكنها غير نافذة على الوزارات والمؤسسات الحكومية، علماً انهم مسببون مباشرون للتلوث بنسبة 70 ـ 80 في المائة».

وشدد على ضرورة ان «تكون هذه الاستراتيجية ملزمة لجميع الوزارات»، معتبرا أن موضوعات البيئة تشكل «مرتكزات اساسية  للاقتصاد العراقي والصحة والامن».

وينصح المتحدث بربط الاستراتيجية بالأمن القومي، لعدم جعلها تمر مرور الكرام، كحال الاستراتيجيات التي أقرت في وقت سابق، في مختلف القطاعات».

وقال الاميري: ان من المهم «اشراك منظمات المجتمع المدني والنقابات والناشطين والفرق التطوعية في العمل وفق السلطة الممنوحة لهم دستورياً كمراقبين، لتكون هناك فعلاً غرفة عمليات متكاملة، ابتداء من الوزارات والسلطة التشريعية والمجتمع».

وخلص مشدداً على ضرورة ان تكون هناك «مراكز للأبحاث البيئية في العراق، فحتى الان نحن نفتقد مثل هذه المراكز المهمة خصوصاً في البصرة التي تقاسي ملوثات كثيرة».

تفاقم الأزمة

من جانبه، قال مستشار نقابة المهندسين الزراعيين، د. جاسم المالكي، انه «بالنظر الى التلوث الذي نواجهه، فان العراق يواجه مشاكل كبيرة في هذا القطاع، وعمل مثل هذه الاستراتيجية دون التفكير الجدي في امكانية تطبيقها الميداني واشراك كافة دوائر الدولة والمؤسسات المسؤولة عن هذا الموضوع بشكل حقيقي وفاعل، اعتقد انها غير مجدية، وستبقى مجرد كلام».

واضاف في حديثه لـ»طريق الشعب»، ان وزارة البيئة لا يمكن ان «تطبق هذه الاستراتيجية لوحدها دون ان يكون هناك جهد وطني باشراك كافة الوزارات. نحن متأخرون كثيراً في هذا المجال وحجم المشاكل كبير جداً، ووصلنا الى مستويات عالية في مستوى التلوث».

وتابع المالكي قائلا: «احياناً التأخر في الحلول والمعالجات يعمق المشكلة ويعقد الحل. نحن وصلنا فعلاً الى مرحلة التعقيد في ايجاد الحلول المناسبة، ربما هي ليست بالمهمة المستحيلة ولكن تحتاج الى جهد كبير واموال كثيرة على كل الاصعدة. هذا بطبيعة الحال نتيجة الاهمال والتغافل عن هذا الملف المهم».

واوضح، «اذا اخذنا قضية التصحر الذي بات يغزو مساحات كبيرة من الاراضي العراقية، وتقدر نسبة الاراضي المتصحرة بأكثر من 80 في المائة، هنا نتساءل: ماذا ستفعل الوزارة لمعالجة هذه المشكلة؟».

 وزاد بالقول: «ايضا هناك مشكلة نقص المياه وتلوثها، فانهارنا تعاني مشاكل تلوث بسيطة جداً ومن غير المنطقي قبولها ونحن في العام 2023، من بينها القاء مياه الصرف الصحي في مجرى مياه النهر على مرأى ومسمع المسؤولين من الموصل الى البصرة، ولم نر حتى اللحظة أي اجراء بهذا الصدد».

ونبه الى ان «مثل هذه القضايا لا تحل باستراتيجية تعلنها وزارة البيئة، وتكون حبرا على ورق، اضافة الى ذلك فان البيئة اصبحت وزارة رقابية اكثر من كونها تنفيذية غير فاعلة في التصدي لمثل هذه القضايا»، متسائلا: «ما هي اجراءات الوزارة غير انها ترفع التقارير والشكاوى على الجهات الملوثة؟ فلم نر شيئا طبق على ارض الواقع او اجراء قد اتخذ. ربما الخلل ليس في الوزارة او قانونها، بل في التطبيق من قبل الجهات التنفيذية واستجابة مؤسسات الدولة».

وذكّر المتحدث بالمؤتمر الذي عقد في محافظة البصرة، قبل أشهر، وحضره رئيس مجلس الوزراء، واطلق خلاله مبادرة زراعة 5 ملايين شجرة من قبل الوزارات»، مؤكدا انه «مر اكثر من 6 اشهر، ولم تزرع شجرة واحدة!».