اخر الاخبار

الواقع الثقافي في العراق

بعد عقدين من التغيير

كتبت هداني ديتمارس مقالاً لموقع معهد الشرق الأوسط (MEI)، حول الواقع العراقي بعد عشرين عاماً من التغيير، أشارت فيه إلى اكتناف المشهد السياسي والثقافي مفارقات كبيرة، تلقي عليه بالكثير من الضبابية وعدم الوضوح. وذكرت الكاتبة العديد من الأمثلة على ذلك، كمفارقة عدم إكتمال بناية البنك المركزي، الذي يفتخر العراقيون بأنه من تصميم مواطنتهم زها حديد، في ذات الوقت الذي يقبع فيه المهندس الإسترالي المنّفذ للبناء، في السجن بسبب خلافات مالية، وكإختفاء دور السينما، بما في ذلك سينما سمير أميس التي صمدت طويلاً قبل أن تتحول إلى صيدلية، وكذلك تكالب عصابات الطفيليين وحملة السلاح المنفلت على البيوت التراثية والصالات القديمة، التي طالما كانت تستخدم للنشاط الثقافي، بغية مصادرتها وإستثمارها في سوق العقارات والمضاربات، أو في بناء منتزهات ترفيهية، يعجز غير الأثرياء على إرتيادها.

ماضي مشرق

واستعرضت الكاتبة التاريخ المعاصر للثقافة العراقية، معتبرة أعوام السبعينيات عصراً ذهبياً شهد تألقها، سواءً على صعيد الإنتاج الإبداعي أو تقلص الأمية أو بناء مؤسسات تعليمية متميزة عربياً ودولياً وتوفر المؤسسات الثقافية الفاعلة ورصد الدولة لميزانيات كبيرة نسبياً لهذا الميدان. الا أن هذا العصر كان قصيراً جداً، حيث أنقلب كل شيء حال إستيلاء صدام على مقاليد الحكم وإشعاله الحروب التي حرقت البشر والأرض والثروة، وجعلت حياة العراقيين، بما فيهم المثقفون، بائسة إلى حد كبير. ورغم توفر شيء من الإنفتاح على الحريات بعد سقوط النظام، إلى أن ما يشهده المجتمع من تدهور أقتصادي وتجهيل وتحول سريع للإستهلاك، ينذر بمحو الثقافة العراقية.

حرية التعبير

وتطرقت ديتمارس إلى ما يعانيه المبدعون والمثقفون من تضييق كبير على حريتهم، وما أسمته بالتابوات التي يسبب انتقادها بشكل واضح، مشاكل جدية، قد تصل إلى حد القتل أو التشريد، بحيث باتت تستدعي أحياناً ذكريات الناس عن الغياب التام للحريات في زمن النظلم السابق، وما عاناه الفنانون والأدباء، وخاصة الشيوعيين واليساريين، من بطش لا مثيل له. وإستشهدت الكاتبة بما حدث لفنان فازت مسرحيته بالجائزة الأولى في مهرجان القاهرة، دون أن يستطيع عرضها في بغداد، لأنها ناقشت بعمق حرية التعبير في البلاد. وذكرت ديتمارس بأن الفنانين العراقيين، لايجدون أمامهم محرمات محددة، حيث لا توجد، نظرياً رقابة رسمية على المصنفات الفنية، لكن على المرء أن يعرف أين وكيف يعمل، لأن تجاوز حدود النقد المعتدل أو شموله بعض المحصّنين، قد يودي بحياة الفنان.

كوة أمل ولكن!

وأكدت الكاتبة على أن كل ذلك لا يلغي وجود يصيص أمل في نهوض بغداد وإزدهارها، حيث النشاط المتميز للسياحة، وخاصة الدينية، وعدم إقتصار الإستثمار على بناء الفنادق والأسواق والعقارات، بل شمولها لتفعيل المؤسسات الثقافية أيضاً، معتبرة أعادة إعمار مسرح الرشيد وإقامة مهرجان دولي للمسرح وتحسين إداء المعاهد الفنية، وإعمار شارع المتنبي، وصدور العديد من المؤلفات والروايات ودواوين الشعر الأكثر حداثة، واستعادة الموسيقى، بما فيها أغاني الإحتجاج، مكانتها في المجتمع، مؤشرات على هذا الأمل. 

ورأت الكاتبة، بأن من أبرز معوقات الإصلاح الثقافي، تواضع التخصيصات التي حددتها الحكومة في الموازنة لهذه الأنشطة، والتي لن تكفي الاّ لدفع رواتب موظفي وزارة الثقافة، ناهيك عن تنفيذ وعودها في هذا الحقل مثل بناء دار الأوبرا، وإعادة الحياة للمتحف العراقي ومتحف الموصل، الذين تعرضا إلى تخريب شديد ونهب قاس جراء الاحتلال والإرهاب. كما تواجه الثقافة العراقية حسب المقال، مشاكل أخرى كبيرة، كعدم وجود حماية للملكية الفردية، حيث يتم إستنساخ وبيع الكتب واللوحات الفنية وغيرها، دون موافقة أو حتى إعلام مبدعيها، إضافة إلى غياب حماية قانونية للمبدعين.