اخر الاخبار

لا تزال العديد من الأسر العراقية تعاني من أزمة السكن، حيث يصبح أمل الحصول على سكن لائق يساعد على العيش بكرامة أمراً شبه مستحيل، على الرغم من وجود عدة مبادرات حكومية تتعلق بتوفير قروض عقارية من اجل شراء الوحدات السكنية لكنها لا ترقى للمساهمة في حل الأزمة.

الرافدين يطلق القروض

وأعلن مصرف الرافدين، عن إطلاق القروض العقارية للبناء والترميم وشراء الدور السكنية للمواطنين والموظفين والمتقاعدين بمبلغ يصل إلى 150 مليون دينار و”بفائدة تتناقص مع التسديد”.

وبحسب وثيقة صدرت عن إدارة المصرف، فان الحد الاعلى للقرض هو “150 مليون دينار، ومن يرغب من الموظفين والمواطنين في شراء ارض سكنية يمنح قرضا ما بين 50 لغاية 75 مليون دينار، وتمنح قروض تتراوح ما بين 15 الى 50 مليون دينار للراغبين في البناء او الترميم او التأهيل”.

ولفت الى ان “نسبة الفائدة على القرض ستكون 6 في المائة  بالقسط المتناقص وتكون مدة تسديد القرض 15 عاما، على ان يكون طالب القرض عراقي الجنسية، وان لا يقل عمره عن 18 عاما”.

لم تكن في مستوى الازمة

وفي هذا الاطار، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء،

د. مظهر محمد صالح، انه اقترح هذه المبادرة على رئيس الوزراء الاسبق د. حيدر العبادي. وكان الهدف من إطلاق البنك المركزي لها، هو تحريك السوق في ظل هبوط اسعار النفط.

واضاف قائلاً في حديثه لـ “طريق الشعب”، انه “نتيجة الظروف الصعبة التي مر بها العراق والظروف الاقتصادية، تطورت المبادرة وشملت الزراعة والصناعة والسكن وقروض الشباب، لكن السكن اخذ الحيز الاكبر، وارتفعت قيمة المبادرة الى 17 تريليونا،  ذهبت 11 تريليونا منها لصالح قروض صندوق الاسكان والمصرف العقاري”.

وأوضح، ان مساهمة البنك المركزي العراقي كانت عبارة عن “اصدار نقدي على الرغم من ان هناك احتياطيات تدعم المبادرة، لذا فهو لا يستطيع ان يستمر بضخ الاموال، ويقود عملية التنمية، بينما المالية العامة لا تأخذ دورها”.

وفي سياق حديثه، أكد مستشار رئيس الوزراء، ان البنك المركزي وظيفته لا تتعلق بحل ازمات التنمية الكبرى، مردفا “نعم، هو يساهم في حلها لكنه ليس المسؤول الوحيد، فمن حيث المبدأ مهمته هي رسم السياسة النقدية والحفاظ على الاستقرار، وليس قيادة عملية التنمية”.

وبين ان “المسؤول عن هذه العملية هو وزارة الاعمار والاسكان، والسياسة المالية وقانون الموازنة العامة ايضا. علماً أن البنك المركزي ساهم بشكل طوعي في دعم المبادرة، وكان موفقا في ذلك بحسب تقديري”.

وشدد صالح في ختام حديثه على ضرورة ان يعمل “صندوق الاسكان والمصرف العقاري على زيادة رؤوس اموالهم، حتى يستطيعان اقراض المواطنين لأغراض السكن من موارد المالية العامة”، مبينا ان المبادرة تحتاج الى “دعم السياسات الاخرى وعلى رأسها السياسة المالية، اي ان وزارة المالية من خلال الموازنة تدعم رؤوس اموال المصرف العقاري وصندوق الاسكان، حتى تكون لديهما رافعة مالية”.

وتعليقا على مبادرة البنك المركزي، ذكر صالح في حديث لـ”طريق الشعب”، انها كانت جيدة “لكنها لم تكن بمستوى الازمة، لأن الازمة كبيرة، اضافة الى ان السياسة السكانية يجب ان تتواءم مع امكانيات بناء وحدات سكنية، واختيار مواقع بعيدة عن مراكز المدن للتخفيف من ظاهرة البناء العشوائي والازدحامات”.

تراكمات 40 عاما

وعلى صعيد متصل، أكد الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، ان ازمة السكن كبيرة جداً، وهي نتيجة تراكمات أكثر من 40 سنة، وهذا ما يتطلب وجود دراسة واقعية لأزمة السكن، مشدداً على ضرورة تضافر مختلف الجهود لوضع حلول حقيقية وواقعية للازمة.

وذكر انه وفقاً لدراسة أعدتها منظمة ( un _ habitat) في العام 2004 عن ازمة السكن، اكدت ان العراق حينها بحاجة لمليون و600 ألف”، مبينا انه مع النمو السكاني فإن “التقديرات اليوم تشير الى اننا بحاجة لـ 3 ملايين ونصف المليون وحدة سكنية”.

واكد انطوان، ان “مشكلتنا هي ان التخطيط لا يشبه التنفيذ. والفساد التف كالأفعى حول المبادرات العديدة وحاول ان يجمدها ويعطلها ويعرقلها، ولهذا السبب افرغت المبادرة من هدفها”.

واقترح انطوان توزيع اراض ووحدات سكنية ببناء عامودي، معتقدا ان ذلك يمثل “الحل الامثل”، الى جانب توفير قروض ميسرة لا تتجاوز نسبة الفائدة فيها 4 في المائة، للمساعدة في حل المشكلة، وان يكون الهدف بناء أكبر كمية من الوحدات السكنية بأقل كلفة وأسرع وقت”.

ويفصل أنطوان الحديث عن البناء العمودي بالقول: “بناء وحدات للطبقات الهشة والفقراء لا ان تكون على غرار الشقق التي تتراوح أسعارها اليوم  بين 300 الى 700 ألف دولار، والتي لا تتواءم او تنسجم مع حجم الدخول البسيطة للفقراء ومحدودي الدخل. وهذا نتيجة سياسة خاطئة سارت عليها هيئة الاستثمار، لذلك لا بد من وجود اجراءات سريعة لحل المشكلة”.

خلق بيئة مناسبة

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، منار العبيدي، ان القروض التي تصل مدتها الى 25 سنة وبفائدة تناقصية هي جيدة نوعاً ما، قياساً بالدول الاخرى، لكن نتيجة غياب الثقة بالقطاع المصرفي وعدم وجود اموال مودعة لدى البنوك، فإن هذه البنوك ايضا لا يمكن ان تقدم قروضا مخفضة، وتجري المنافسة في ما بينها.

ولفت الى ان “التنافس في كل دول العالم في ما يخص القروض والفوائد، يتحقق عندما تكون هناك أموال مودعة لدى المصارف، والتي تقدمها كقروض حيث ينشأ تنافس في ما بينها للحصول على أكبر عدد من الزبائن”.

وفي ما يتعلق بأزمة السكن، اوضح العبيدي في حديثه مع “طريق الشعب”، ان “أحد اسباب ارتفاع اسعار العقارات، هو ان حجم الطلب مرتفع جداً، فحتى مع وجود هذه المبادرات فالطلب سيكون مرتفعا”، مبيناً انه “لو كان هناك بدل المجمع السكني 20 مجمعا اخر، لكان هناك تنافس وانخفضت أسعارها”.

وأشار الى ان الخلل في المجمعات السكنية هو انها مشاريع رفاه، وليست اقتصادية لحل ازمة السكن، انما بنيت في وسط بغداد وفي مناطق معروفة بارتفاع اسعار العقارات فيها، وهذا في الواقع ليس حلاً للازمة، ومن المفترض الاستثمار بالمزيد من الوحدات السكنية، بعيداً عن مراكز المدن وخارج بغداد”.

ونصح المتحدث ببناء مدن سكنية خارج بغداد، ومنح استثمارات خارج بغداد لمشاريع سكنية واقتصادية على غرار مشروع بسماية.

واكد ضرورة ان توفر الحكومة “بيئة تساهم في ان تكون هناك مشاريع استثمارية على ارض الواقع. وبوجود هذه المشاريع سيتوازن العرض والطلب كما في اقليم كردستان على سبيل المثال؛ حيث ان اسعار العقارات هناك منخفضة مقارنة ببغداد، وذلك لان حكومة الاقليم قدمت تسهيلات وخلقت بيئة مناسبة لنمو المشاريع الاستثمارية بكثر،ة ما خلق تنافسا بين المجمعات السكنية”.

لا اثر فعليا لها

الى ذلك، قالت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، انها لا ترى أثرا فعليا على ارض الواقع لهذه المبادرات، او انها تسهم في معالجة ازمة السكن التي يعاني منها العراقيون.

وأشارت في حديثها لـ “طريق الشعب”، الى ان ازمة السكن “ستبقى معاناة ومشكلة ازلية تؤرق المواطن العراقي، علاوة على ذلك فإن سوء التخطيط والفشل في الادارة، وعدم فهم الازمة وجدوى القروض، كل ذلك ساهم في تعميق الازمة لا حلها”.

واكدت ان من الضروري اليوم ان “تفكر الجهات ذات العلاقة خارج الصندوق، وان تقيّم المبادرات التي تم اطلاقها ولم تحقق اهدافها، وتغادر حقل الحلول التقليدية، حتى نجد حلولا ناجعة لمشاكلنا”.

قروض تنموية

من جهته، دعا الخبير الاقتصادي صفوان قصي الحكومة إلى معالجة أزمة السكن في العراق من خلال إطلاق قروض تنموية حقيقية، بعيداً عن المبادرات “الصفرية” التي لم تحقق شيئًا.

وقال قصي إن فوائد القروض من المصرف العقاري ومصرف الرافدين للبناء وإعادة الترميم وشراء الوحدات السكنية “مرتفعة جدًا”.

وأضاف أن “الفائدة السنوية على القروض تعني إضافة مبالغ مالية سنوية على المبلغ المتبقي من القرض”، مبينًا أن “فائدة 4% السنوية تعني أن الفائدة الكلية للقرض قد تصل حوالي 60% من قيمته في حال كانت مدة السداد 20 عامًا”.

وأشار إلى أن “البنك المركزي أطلق في السنة الماضية قروض شراء وحدات سكنية بفوائد 4% مقطوعة قبل أن تتحول إلى فوائد صفرية”، مستغربًا من “إعادة فرض الفوائد السنوية على قروض الإسكان”.

وبين الخبير أن “الحكومة مدعوة لإعادة النظر في فوائد القروض بخاصة التنموية”.

وأكد قصي أن “مبادرات قروض الإسكان السابقة كانت صفرية ولم تساهم في معالجة أزمة السكن”، داعيًا إلى “ضرورة إعادة التفكير في سياسة قروض الإسكان”.