اخر الاخبار

كشفت الإدارة المحلية لمدينة كربلاء، أخيرا، عن قيام “متنفذين” بشراء الاراضي الزراعية وتجريفها، لتتحول بعدها إلى أحياء سكنية عشوائية، مشيرة إلى أن “المال السياسي” يقف وراء تجريف نصف الأراضي الزراعية في المحافظة.

ومعلوم أن الكثير من الأراضي الزراعية في كربلاء، منحت للفلاحين وفق عقود زراعية، مثل 117 و35. إي أن هذه الأراضي مملوكة للدولة، ويتم استثمارها من قبل الفلاح وفق عقد يتجدد كل 25 سنة بالنسبة للعقد 117، ويتجدد سنويا بالنسبة للعقد 35.

وليس من حق الفلاح التصرف بهذه الأرض إطلاقا، إلا بعد شراء حصة منها، شريطة أن تستخدم في الجانب الزراعي، حسب العقد.

لكن الفلاحين اليوم يقومون، في مخالفة قانونية واضحة، ببيع هذه الأراضي على تجار العقارات، ليقوم الأخيرون بتقسيمها وتحويلها إلى أراض سكنية وبيعها على المواطنين، وبالتالي يضيع حق المواطن المشتري، ويُحاسب تجار العقارات قانونيا.

وأدت هذه المخالفات إلى فقدان مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، في جميع المحافظات، ومنها كربلاء التي أعلنت مديرية الزراعة فيها، ابان آب 2022، فقدانها مليون نخلة بسبب التجريف.

وكانت كربلاء تمتاز بمناخ لطيف نظرا لكونها تضم مساحات خضراء واسعة، أما اليوم فقد قضى التجريف على الكثير من تلك المساحات التي كانت تلطف الجو وتصدّ الرياح وتوّلد الأوكسجين، ما جعل الأجواء في المحافظة صحراوية مغبرة.

 يحرقون النخيل في وضح النهار!

في حديث صحفي، يذكر قائم مقام كربلاء حسين المنكوشي، أنه “عملاً بالقرار 634 لسنة 1981 الخاص باستملاك البساتين في حال عدم العناية بها لمدة سنتين، إضافة للتعليمات رقم 10 لسنة 1988بشأن حل البساتين المهملة.. عملا بذلك تجري قائم مقامية كربلاء جولات ميدانية تفتيشية كل يوم ثلاثاء من الاسبوع، برئاسة القائم مقام وعضوية ممثلين عن مديرية الزراعة والجمعيات الفلاحية ومديرية الموارد المائية”. ويضيف قائلا، أن “التعليمات تقضي بتوجيه إنذار لصاحب الارض الذي يهمل أرضه أو يقوم بتجريفها، وبعد شهر من هذا الإنذار يتم اجراء تحقيق اداري في الموقع للتأكد من مدى التزام صاحب الأرض بالتعليمات”، مبيناً أن “هناك من يقوم بحرق النخيل في وضح النهار او في ساعات متأخرة من الليل، وهناك من يجرّف الأراضي الزراعية أمام مرأى ومسمع الجهات الأمنية والإدارية، ومن ضمنها القائم مقامية”! ويتساءل المنكوشي: “هل يتمتع اليوم رئيس الوحدة الإدارية بصلاحيات جزائية، مثلما كان عليه الحال قبل 2005؟”، موضحا أن “هذا الأمر تحوّل اليوم إلى القضاء، وهو أمر جديد عليه من حيث القرارات والتعليمات والأوامر، لذلك يتعامل القضاء مع مثل هذه الحالات بنظام العقوبات، والمشكلة أن هذا النظام قابل للكفالة”.

ويشير إلى أن “قسماً من القضاة يقوم بغلق ملف الدعوى المقامة ضد صاحب الأرض المخالف، لعدم توفر العنصر الجزائي. وهذه طامة كبرى”، متسائلاً: “اين دور الجانب القضائي في هذا المجال؟ ولماذا هذا التهميش للوحدات الإدارية وعدم منحها الصلاحيات الجزائية؟”. وباتت مساحات الاراضي الخضراء في العراق تتناقص كثيرا جراء الازمة المائية الخانقة. كما ان عدد اشجار النخيل في البلاد تقلص الى النصف خلال العقود الاربعة الاخيرة، بسبب الحروب.

الهجرة وسّعت من التجريف

ينوّه المنكوشي الى ان “التجريف لا يزال مستمرا في كربلاء، لا سيما أن المحافظة فتحت ابوابها أمام النازحين من داخل البلاد وخارجها، فضلا عن المهاجرين من القرى والأرياف في المحافظات الجنوبية، الذين تركوا ديارهم بسبب شح المياه”، مشيراً الى أن “هناك من يدفع الأموال في سبيل السماح له بتفتيت الأراضي الزراعية”. ويلفت إلى أن “تجريف مساحات واسعة من البساتين والاراضي، من قبيل 30 الف دونم، أصبح أمراً طبيعياً في كربلاء، ويجري على مرأى ومسمع السلطتين التشريعية والتنفيذية”، مؤكدا أن “المساحات الزراعية في المحافظة انخفضت إلى النصف، وأصبحت أحياء سكنية عشوائية، وان مركز مدينة كربلاء هو الأكثر من حيث عمليات التجريف لبساتين النخيل والحمضيات”.  وتعد أزمة السكن التي تشهدها البلاد منذ سنوات، من أبرز عوامل تنامي ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية، خاصة في كربلاء التي باتت تتوسع سكانيا بسبب ازدياد أعداد المهاجرين إليها من مختلف المحافظات.

التجريف بدل تهريب الدولار!

القائم مقام يتهم “المال السياسي والفاسدين” بالوقوف وراء عمليات التجريف، موضحا أن “الفاسدين كانوا يرسلون أموالهم إلى البنوك الخارجية، لكن بعد الإجراءات الحكومية الأخيرة التي ضيّقت على تهريب الدولار، بدأوا باستثمار الأموال في تفتيت الأراضي الزراعية”. ويؤكد أنه “لن نسكت عن غسيل الاموال غير المشروعة الذي تقوم به ثلة من السياسيين الفاسدين، عبر تفتيت الاراضي الزراعية، وتحويلها إلى أحياء سكنية متجاوزة”.