اخر الاخبار

يشكل ملف الكهرباء واحدا من أبرز الملفات تعقيدا وغموضا لدى الحكومات العراقية المتعاقبة، حتى بات العراقيون يسخرون من أية وعود تطلق ضمن هذا الاطار. وبين التعهد بإنهاء الازمة خلال عامين او ثلاث وبين تشكيك المراقبين والخبراء في ذلك، يكتوي الناس بلهيب تموز وجشع أصحاب المولدات الاهلية.

تناقض حكومي

ومع اعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عودة تدفق واردات الغاز الإيراني، وتحسين ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين، من خلال قبول طهران بمقايضة الغاز بالنفط الخام أو الأسود.

ووعد السوداني خلال حديثه الصحفي، الذي نقله التلفزيون الرسمي مساء الثلاثاء، بالاستغناء عن الغاز المستورد خلال سنتين أو ثلاث بعد إنجاز الحلول المتوسطة المدى، والتي ستوفر ـ عبر عقود استثمار الغاز ـ 600 مليون متر مكعب قياسي من الغاز.

لكن المتحدث باسم وزارة الكهرباء له رأي آخر، إذ يعتقد أن «عقد شركة توتال للاستثمار في الغاز سيسهم في تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، لكنه لن يساعد على الاستغناء عنه بشكل تام».

وقال موسى في تصريح صحفي، إن «العقد الجديد المبرم مع الشركة الفرنسية سيوفر نحو ثلث كمية الغاز المستورد من إيران، وعلى الرغم من الفائدة الاستراتيجية، إلا أن اكتفاء العراق ذاتيًا من الغاز يتطلب إنشاء محطات استقبال على الخليج لتنويع مصادر الغاز من غير إيران».

وأضاف أن «العقد سينفذ على مرحلتين؛ إذ تتطلب المرحلة الأولى 3 سنوات، والثانية تنتهي بعد 5 سنوات». ويبدو هذا الطرح مناقضا لحديث السوداني، الذي وعد بحل الازمة خلال سنتين.

انسيابية تدفق الغاز

وفي السياق، اوضحت وزارة النفط، اول امس الثلاثاء، بان مقايضة الغاز بالنفط الاسود مع ايران سيتم وفق الاسعار العالمية. وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد ان «الاتفاق مع إيران على مقايضة الغاز الإيراني بالنفط الأسود العراقي يمثل أحد أهم الحلول التي لجأت لها الحكومة ومجلس الوزراء لتسديد مستحقات الغاز المورد، وان الاتفاق سيضمن انسيابية تدفق الغاز المورد وينهي التعثر السابق بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وتم بموجبه الاتفاق على آلية التجهيز والتسعيرة المعتمدة في الأسواق النفطية».

واضاف جهاد، ان «الوزارة أبدت استعدادها لتنفيذ توجيهات رئيس الوزراء لضمان استمرار تدفقات الغاز بانسيابية»، مبيناً ان «وزير النفط عقد اجتماعا فورياً واتصالات مع الوكلاء والمديرين المعنيين ووجه بالإسراع بتنفيذ التوجيهات التي صدرت عن مجلس الوزراء».

فيما قال الخبير النفطي حمزة الجواهري، ان رئيس الوزراء أورد حديثا «متفائلا»، ويعتقد ان المشكلة تم حلها بشكل نهائي، اما وزارة الكهرباء فتنظر الى احتياجات الناس والمستقبل.

ويعتقد الجواهري ان هذه الصفقة «لن تحل المشكلة وانما ستقلل من حجمها انياً، لذلك يجب ان نطور حقولنا الغازية، ومعالجة الغاز الذي نحرقه حالياً بحيث يصبح صالحا للاستهلاك وبمواصفات مناسبة وفي هذه الحالة يمكن القول باننا قادرون على الاستغناء عن الغاز المستورد».

واكد الجواهري في حديثه لـ«طريق الشعب»، ضرورة ان نباشر ومن الان إنتاج الغاز الحر. لدينا مجموعة من حقول الغاز الحر ثلاثة منها في شمال ديالى والمنصورية وعكاز، وباستطاعتنا انتاج هذه النوعية من الغاز وزيادة الانتاج ايضاً».

وتابع قائلا انه «لدينا جولة التراخيص السادسة، وتشمل استكشاف الغاز في المنطقة الغربية، ومن ثم التطوير، واذا نجحنا في ذلك سنوفر كميات غاز هائلة جداً ولكن العملية تحتاج الى وقت؛ ابتداء من الاستكشاف الذي يستغرق 6 سنوات، ومن ثم عملية التطوير التي تستغرق 4 _ 6 سنوات. بالمجمل نحن نتحدث عن عملية تحتاج من 10 _12 سنة اذا ما سارت الامور بشكل سليم وبدون مشاكل».

وخلص الخبير النفطي الى «اننا بحاجة الى ضبط عملية الجباية فهنالك مشاريع ومولات تدفع شهرياً ما لا ينسجم مع حجم استهلاكها للطاقة الكهربائية، لان هنالك فسادا. لذا نعتقد ان القضاء عليه سيحل جزءا كبيرا من مشاكلنا».

سوء تخطيط وادارة

الخبير الاقتصادي صالح الهماشي يشير الى ان «ملف الطاقة في العراق والعقود وغيرها عموماً تحوم حولها ضبابية كبيرة فهي غير واضحة، اضافة لسوء التخطيط، فعلى سبيل المثال المحطات الكهربائية التي تم بناؤها وتعمل بالغاز، بنيت بمواصفات غاز معين مطابقة للغاز الايراني، ولا يتطابق مع الغاز الذي ينتجه العراق حتى».

ولفت الهماشي في حديث مع «طريق الشعب»، الى ان «كل دول العالم عندما تخطط وتضع مشاريع اقتصادية وحيوية وتلك التي تتعلق بالطاقة خصوصاً، تفكر دائماً بالبدائل فيما لو واجهت مشاكل او خللا، بينما نحن لا نراعي هذه الجزئية المهمة ولا نفكر بالبدائل مثل الغاز المصري والقطري».

ويستبعد الهماشي فرضية الاستغناء عن الغاز المستورد، فالغاز كالنفط فيه درجات ومواصفات، وربما حديث رئيس الوزراء حول الاستغناء عن الغاز كان من باب طمأنة المواطنين واحتواء وتخفيف الازمة. بينما كانت وزارة الكهرباء اكثر دقة في تشخيصها واكثر وضوحاً.

وجهة نظر

أما الخبير الاقتصادي منار العبيدي فيجد ان «ارتفاع الطلب مبرر في ظل صيف العراق الحارق. وهنا يأتي دور الجهات المعنية ذات العلاقة في المساهمة بتقليل درجات الحرارة مثل وزارة البيئة، من خلال زيادة المساحات الخضراء وتقليل التلوث والانبعاثات الحرارية»، مبينا ان هذا «جزء من الحل فمقابل كل درجة حرارة ترتفع نحتاج 2 الى 3 ميغا واط في الساعة من اجل معادلة ارتفاع درجات الحرارة، وهذا يعني زيادة الانتاج والطلب».

واشار الى ان «ما حدث هو تزامن انقطاع الغاز مع ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع الطلب، وعلى الرغم من ان انقطاع الغاز كان جزءا كبيرا من الازمة، الا ان الجزء الاكبر هو ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية بشكل كبير».

واكد الخبير الاقتصادي لـ»طريق الشعب»، ان «الكهرباء لا يمكن ان تصل الى مرحلة الاستقرار، ما لم يتم اصلاح منظومة الجباية. نحن نشهد في فصل الصيف طلبا متناميا على الطاقة الكهربائية، حتى لو تم انتاج الغاز وكانت هنالك مشاريع عديدة في هذا الجانب وقمنا ببناء منظومات، فالطلب سيستمر بالارتفاع، لأنه مرتبط بالنمو السكاني والتوسع العقاري الكبير جداً».

وتابع «عندما لا يرى الفرد او أي جهة معينة ان هنالك اهمية في ترشيد الاستهلاك مع ارتفاع درجات الحرارة، فلن تكون هنالك مشكلة بالنسبة له في صرف اكبر قدر ممكن من الطاقة الكهربائية، وبالتالي الدولة ايضا لن تستطيع من جانبها توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر وكامل».

ونوه العبيدي بان هناك «فسادا كبيرا في ملف الجباية وعدم ضبط هذه العملية، طالما هي غير مؤتمتة بشكل صحيح وتعتمد على اساليب قديمة وبدون استخدام عدادات الكترونية حديثة، لذلك نؤكد على ضرورة أتمتة القطاع الكهربائي وعمليات التوزيع والمقاييس».

وخلص الى أن هذا «ليس عقوبة للمواطن ولكن من يريد خدمة يجب ان يدفع. نعم، لا يجب ان تكون المبالغ التي تُدفع كبيرة كما هو الحال مع المولدات الاهلية، لكن في ذات الوقت لا يجوز عدم دفع الفاتورة، فمن غير المعقول ان فاتورة الكهرباء في السنة تبلغ تقريباً 10 مليار دولار، بينما الجباية لا تتجاوز المليار دولار».