اخر الاخبار

نظم مركز البيان للدراسات والتخطيط، أخيراً، ندوة واحتفاءً بإطلاق كتاب (قبل ان يدركنا الظمأ.. ازمة المياه في العراق من سياسة الدولة الى سياسة الارض)، والتي ضَيفت عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية، النائبة ابتسام الهلالي، وعميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين د. علي فارس حميد، ومستشار رئيس الوزراء حسين الواسطي، وهو مختص بشؤون المياه والزراعة، والمتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال.

وساهم في إعداد هذا الكتاب مجموعة من الأساتذة والخبراء، وهم د. علي فارس الذي كتب عن تركيا والعراق ـ رؤية نحو إشكاليات الإدارة المتكاملة للمياه، ود. محمد منذر الذي استعرض معضلة عرض المياه في العراق ومشكلة إدارة الطلب، ود. سلام جبار بحث تحويل تهديدات تغير المناخ الى فرص، وأ. عزام علوش كتب عن متلازمة الماء والغذاء والطاقة وتغير المناخ. وتضمن الكتاب ايضاً بحثاً للأستاذ حمزة شريف.

أكدت الندوة أن مشكلة المياه في العراق مشكلة ذات طبيعة ثقافية، حيث اننا لا نزال نعيش ثقافة الوفرة المائية في ظل المتغيرات الكبيرة، وإدارية في ملف إدارة المياه، الذي يعاني من مشاكل كثيرة، إضافة لما يعانيه ملف المياه من سوء إدارة وضعف الموقف التفاوضي مع دول المنبع.

 خطط الوزارة قبل ان يدركنا الظمأ؟

في هذا المحور أوضح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال بالقول: في ما يخص ملف المياه في العراق فهو يرتبط بحضارة العراق وتاريخه كدولة، وهيبة البلد، وفي ما يتعلق بإدارة المياه من الجانب الإداري والفني فقد حدد شمال اشكاليتين في ملف المياه، واحدة من هذه الإشكاليات هي ان العراق دولة مصب تتلقى المياه من دول الجوار (تركيا ـ إيران ـ سوريا) وهذا تسلسل مرتبط بحصصنا من هذه الدول.

وتابع قائلا “بحكم ان العراق دولة مصب، فأن الإيرادات المائية وطبيعة السنة المائية تأثرت بأمرين مهمين؛ معدلات السقوط المطري في تلك الدول، وتنفيذ المشاريع الكبرى في هذه الدول او طريقة إدارة تلك المشاريع التي أصبحت واقع، وهذا ما ساهم بتأثر العراق بشكل كبير”.

وأشار الى ان العراق “تأثر بالتغيرات المناخية حيث احتل المركز الخامس ضمن أكثر خمس دول متأثرة بالجفاف العالمي، ومقياس الجفاف العالمي يتكون من خمس درجات والعراق وصل الى 3.7 بالعشرة على هذا القياس، وهذا يعطي انطباعا واضحا عن تفاقم ظاهرة التصحر وتقلصت المساحات الزراعية”.

وأضاف قائلا ان أكثر من “75 في المائة من إيرادات المياه هي من الخارج، وهذه الإيرادات يستنزفها القطاع الزراعي بأكثر من 87 في المائة، وبالتالي فهو أكثر قطاع يؤثر على كيفية إدارة واستهلاك الماء”.

وذكر شمال ثلاثة إشكاليات في القطاع الزراعي (منهجية إدارة الزراعة)، فالعراق عُرف بانه دولة هويته زراعية، بينما هذه الهوية اليوم مشوهة، حتى ان نسبة مساهمة الزراعة في الاقتصاد العراقي أصبحت متدنية جداً، والامر الاخر كانت كل محافظة لها هوية زراعية معينة، لكن الان هذا الامر غائب وفقدت اغلب المحافظات هذه الهوية وغاب مفهوم التوافق بين الصناعة والزراعة، وهذا ينعكس أيضا على إدارة الموارد المائية”.

وفي ما يتعلق بإدارة الموارد المائية ذكر المتحدث باسم الوزارة انه “لا نزال كمسؤولين عن إدارة المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني نعيش تحت ثقافة وفرة المياه، بينما الناس في كل العالم والمجتمعات الزراعية غادرت ثقافة الوفرة باتجاه ترشيد استهلاك المياه، والحديث في العالم اليوم عن اقل مساحة زراعية واقل استهلاكا للمياه واقل جهدا وكلفة في مقابل اعلى انتاج، بينما لا نزال نتحدث عن اعلى كمية مياه واكبر مساحة ممكنة ومصاريف اكثر، والغلة الزراعية في الدونم الواحد هي اقل غلة ضمن الدول المجاورة والإنتاج اقل”.

الموازنة الثلاثية وملف المياه

وفي مداخلتها قالت عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية ابتسام الهلالي: إن المياه هي أساس الحياة، مؤكدة أن الإجراءات الإدارية وعدم وضع خطة يفاقمان الأزمات، فنحن نتحرك عندما تأتي المشكلة لنضع الخطط، ولا نستبق الأزمة كوزارات معنية ومجلس نواب.

وتابعت، “زرنا سد الموصل ووقفنا عليه، ووجدنا ان الاطلاقات قليلة 100 متر مكعب في الثانية، بينما نحتاج 12 مليار متر مكعب في الثانية، وأنقذنا سقوط الأمطار بشكل كبير، ما أدى الى زيادة الإنتاج الزراعي وحققنا 8-0 في المائة من حاجتنا لمحصول الحنطة”.

وقالت الهلالي، “عملنا بشكل متواصل، ولأول مرة تعمل اللجنة مع وزارتي الموارد المائية والزراعة، والهدف من هذا التعاون في ما بيننا للخروج من الأزمة بالآراء والافكار والمقترحات بما يساعد الوزارة على اانهوض”، مضيفة ان لجنتها “قدمت مقترحات عديدة واخذ بها مجلس الوزراء واللجنة المالية النيابية وصوت البرلمان عليها، حيث طلبنا تخصيصات مالية كبيرة لصالح وزارة الموارد المائية للنهوض بهذا الواقع وطلبنا 500 مليار، تكون وحدها للتقنيات الحديثة، وطلبنا ان تكون الوزارة سيادية من اجل تخصيصات اكثر، فهي توازي في دورها وزارتي النفط والمالية”.

وأكدت ضرورة إجراء مراجعة لاليات النهوض بهذا الواقع، وأن كل الوزارات معنية بملف المياه وليس فقط وزارة الموارد المائية، خصوصاُ وزارتي الزراعة والبيئة، لذلك لا بد من ان تتضافر الجهود للعمل في إطار واحد، للنهوض بواقع ملف المياه في البلاد”.

وأوضحت أن “اطلاقاتنا الكبيرة التي نتلقاها هي من تركيا بنسبة 60 في المائة، ومن إيران 20 في المائة، ومن سوريا هي 10 في المائة، وبالنسبة للاتفاقيات والمفاوضات مع تركيا، فهناك لجان للتفاوض مع كل دولة من دول المنبع المجاورة لنا، وهذه اللجان لا تعطي الأثر القانوني السريع في أي عمل، وعلى العكس تماماً حين يتولى رئيس الوزراء هذه المسؤولية”.

وزادت بالقول ان هناك “مشروع قانون هو المجلس الوطني الأعلى للمياه، ودرست اللجنة هذا المقترح، وبعد الفصل التشريعي سيتم تقديمه للقراءتين الأولى والثانية، ومن ثم التصويت عليه، حيث سيتولى رئيس الوزراء هذه المسؤولية بشكل مباشر، حيث يجب أن تنطلق المفاوضات من رئيس وزراء مقابل رئيس وزراء، بما يقوي الموقف التفاوضي”.

ما هي أوراق ضغط العراق؟

عميد كلية العلوم السياسية د. علي فارس، قال إن: موضوع المياه شائك ومعقد فما يكتب من دراسات وابحاث ورسائل وأطاريح بملف المياه تتبدل بشكل سريع، حسب تبدل حركة المتغيرات في البيئة.

وأضاف انه كانت لدينا خيارات كان من الممكن ان نكسبها من تركيا، لكننا بدأنا نفقدها، وتغيرت مسيرة التحليل والعمل لان الأوراق تبدلت، وهذا التبدل بالنسبة لصانع القرار والخبراء يشكل عملية مربكة ومعقدة، وقد تزداد تعقيداً”.

وقال فارس، إن موضوع المياه بالنسبة للعراق هو مشكلة وأزمة، مرة أتعامل مع المياه كمشكلة عندما تكون لدينا مشكلة مستدامة بسبب الاختلاف على الأطر العامة بيننا وبين دول المنبع، وهذه مشكلة معقدة أدركها العراق متأخراً: هل مياه هذه الأنهر هي مياه دولية وينطبق عليها قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ونلجأ للتحكيم الدولي ام هي فقط مياه عابرة للحدود ولكل واحدة توصيف؟”.

وزاد بالقول ان “تركيا تصر على ان المياه تعبر حدودها فقط وأنها تأخذ كفايتها، التي لا تعني كفايتها الحالية، بل هي تتغير، واجازت لنفسها ذلك حين اعتبرت ان ملف هذه المياه لا تنطبق عليه قواعد المياه الدولية، بينما العراق كان يتعامل مع الملف على انه ملف مياه دولة ويصر على التحكيم واللجوء للاتفاقيات الدولية”.

وفي ما يخص ملف التفاوض قال، ان “أي مفاوض في العالم يمتلك مجموعة أوراق تفاوضية، يضع جزءا منها على طاولة التفاوض وأخرى يحتفظ بها وتستخدم عندما تكون هنالك ازمة واشكالية في عملية التفاوض. الجانب التركي يصر على ان العراق لا يلتزم بسياسة الاستخدام الأمثل للمياه ولا يستفيد من مياهه”.

واكد انه “مؤشرات الزراعة ليست عالية حتى نقول ان البلد زراعي وتؤثر عليه، وما نستورده من الخارج هو أرخص مما ننتجه، وهذه طبعاً أوراق ضغط نفقدها لصالح الطرف المقابل، إضافة الى أن المياه تدخل وتخرج من العراق ونحن لا نستفيد منها شيئاً عبر استثمارها او بناء السدود في إدارة ملف المياه”.

وذكر ان “كل الدول المجاورة تستخدم سياسة ترشيد استهلاك المياه، بينما في العراق لا يوجد ذلك وهذا أيضا يؤثر على طريقة التفاوض، فالمفاوض العراقي يذهب بلا اوراق، بل يطلب ما يحتاجه من المياه. بمعنى آخر ان سياستنا التفاوضية سياسة طلب، ونحن نتفاوض على أساس حاجة مائية لا استحقاقات ولا استثمار في المياه، فنحن بالأساس فاقدون لأغلب الأوراق التفاوضية مع الجانب التركي. ويضعف المفاوض العراقي ويصبح بلا حجة سوى انه سيدركنا الظمأ بسبب غياب سياسة الخزن والاحتواء، ام لا”.

ونوه الى ان “سياسة لي الاذرع والقوة لن تنفع مع تركيا، فهي دولة قوية وعضو في حلف الناتو، لذلك فإن منطق القوة ليس صحيحاً في التعامل مع تركيا”، مبينا ان هناك جانبا مهما يمكن استغلاله، الا وهو الجانب الاقتصادي فهناك شركات تركية لديها أولوية في العمل داخل العراق، ويمكن استغلال هذه الورقة ليس للمساومة، بل وفق عقيدة التعاون، بأن يضغط رجال الاعمال المؤثرين على صناع القرار بهذا الاتجاه، وان يتم التعامل مع ملف المياه على انه ملف تعاون مع الجانب التركي، وفق المصالح المشتركة”.