اخر الاخبار

يؤكد أصحاب الاختصاص ان مشكلة التصحر في العراق تعدت كونها ظاهرة أو أزمة بسيطة، ووصلت لمديات خطرة نتيجة للعديد من الأسباب، منها ما يتعلق بالسياسات المائية وسوء الإدارة في هذا الملف والتغيرات المناخية، فضلا عن إهمال القطاع الزراعي وشح المياه.

ومع هذا كله فإن الإهمال الحكومي لهذا الملف هو أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم هذه المشكلة، فقد تم تقديم العديد من الخطط والبرامج لمكافحة التصحر في العراق، لكن لم يتم تنفيذها بشكل كافٍ، وفق ما افاد به مختصون. وحتى الان لم تتخذ الحكومة إجراءات كافية لمكافحة هذه المشكلة الخطيرة او التكيف معها ومعالجتها ومنع اتساعها.

الجفاف من أكبر مهددات التنمية

ويحيي العالم في يوم 17 حزيران من كل عام باليوم العالمي لمكافحة التصحر. واعتبرت الامم المتحدة في بيانها، امس السبت، بالمناسبة “الجفاف من أكبر التهديدات للتنمية المستدامة، ليس في البلدان المتنامية وحسب، وإنما بشكل متزايد في الدول المتقدمة، كذلك تشير التوقعات إلى أن الجفاف سيؤثر في أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم مع حلول 2050”

ويشدد موضوع اليوم الدولي لمكافحة التصحر والجفاف لهذا العام، المعنون بـ “المرأة. أرضها. حقوقها” على الاستثمار في مساواة المرأة في الحق بتملك الأراضي والأصول المرتبطة بها وقد آن الأوان لأن تكون المرأة والفتاة في طليعة الجهود العالمية المبذولة لاستعادة الأراض والصمود في مواجهة الجفاف.

وقالت منظمة الامم المتحدة ان ما يقرب من نصف القوى العاملة الزراعية العالمية اليوم هو من الإناث. ومع ذلك، فالمرأة تمثل نسبة أقل من واحد من كل خمسة من ملاك الأراضي في جميع أنحاء العالم.

تعدت كونها ظاهرة!

في هذا الصدد، قال عضو المكتب الاستشاري لنقابة المهندسين الزراعين،  د جاسم المالكي: ان العراق يعاني من تسارع واتساع ظاهرة التصحر التي باتت تهدد مساحات شاسعة من أراضيه وتحولها من اراض منتجة خصبة الى اراض قاحلة متملحة غير منتجة. وان هذا هو احد النواتج الرئيسية للتغير المناخي الذي تعانيه المنطقة منذ عقود من الزمن.

ولفت الى ان “التصحر يحدث عند تعرض التربة الى ظروف قاهرة تؤدي بالنتيجة الى تغير صفاتها الطبيعية، وتفقدها خواصها البيولوجية وتتحول تدريجيا الى اراض غير منتجة مما يؤدي إلى اهمالها وتعرضها لظواهر التعرية المتنوعة”، مضيفا ان “ارتفاع درجات الحرارة وقلة سقوط الأمطار وانحسار رقعة الغطاء الخضري، وسوء ادارة التربة تعد من أبرز العوامل المسببة لهذه الطاهرة الخطرة والتي باتت تلتهم اكثر من ٧٠ في المائة من مساحة العراق”.

ونبه المالكي في حديث مع “طريق الشعب”، الى ان التصحر “تعدى كونه ظاهرة او ازمة. بينما التعاطي الحكومي مع هذا الملف لا يرقى الى مستوى الطموح. وهذه الظاهرة تحدث بشكل طبيعي في اغلب بلدان العالم التي تعاني ظروفا مناخية قاسية”.

وأشار الى ان “اغلب تلك الدول وضعت في حساباتها الخطط الكفيلة بمكافحة تلك الآفة، وهي بطبيعة الحال خطط استراتيجية طويلة الامد تعتمد الاساليب العلمية المتنوعة في زيادة مقاومة الارض للظروف الاستثنائية وتحسين إدارتها، وبالتالي السيطرة على منع تدهور المزيد من الاراضي”.

تقصير حكومي وسياسة خاطئة

ونوه بان البلاد “نتيجة الظروف السياسية الصعبة التي عانى منها العراق طيلة العقود الماضية فان التوجه لمكافحة التصحر لم يرق الى مستوى خطط وحلول جذرية ناجحة، بينما القطاع الزراعي هو القطاع الاكثر تضررا من ظاهرة التصحر، نتيجة خروج مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية من الخدمة وتحولها الى اراض غير صالحة للزراعة، بينما يتطلب استصلاحها مبالغ مالية طائلة”.

وتابع حديثه بالقول: ان من المؤكد ان مثل هذه الظاهرة لا يمكن التخفيف منها وتقليل آثارها الا بجهود متواصلة من قبل الدولة والمؤسسات المختصة، وان تفاقم ظاهرة التصحر له دليل قطعي على تقصير واضح تجاه هذا الملف الحيوي.

وزاد المالكي ان “جهود مكافحة التصحر تحتاج الى تعاون دولي واقليمي يتناسب وحجم المشكلة، خاصة مع دول جوار العراق فهي متأثرة ومؤثرة ايضا في تفاقم هذا المشكلة، وكذلك يجب التنسيق مع تلك الدول، لوضع برامج مكافحة التصحر طويلة الامد، لأنها ظاهرة تهدد الامن الغذائي بالدرجة الأساس، فضلا عن المشاكل المباشرة من خلال زيادة العواصف الترابية والغبار والكثبان الرملية”.

ولفت الى ان واحدة من السياسات الخاطئة التي ارتكبت من قبل الحكومة هي “إيقاف العمل بشركات استصلاح الاراضي وعمل قنوات الري وأنظمة البزل، وكانت الشركة العامة لاستصلاح الاراضي تعمل بشكل متواصل على إدخال اراض جديدة منتجة للقطاع الزراعي ذات جدوى اقتصادية مجدية، لكننا الان لا نعرف حقيقة سبب توقف هذه الشركة او إضعاف دورها حيث تعد واحدا من الحلول الرئيسية للتعويض المستمر للأراضي المنتجة والمستدامة”. وعن الحلول التي يجب ان تتخذ، شدد المتحدث على ضرورة ان تتخذ الجهات المختصة الإجراءات العاجلة في التصدي للتصحر من خلال وضع خطط استراتيجية طويلة الامد لمكافحة التصحر على مستوى العراق وايلاء الموضوع الأهمية اللازمة مع تخصيص الاموال لتنفيذ تلك الخطط.

واقترح المتحدث إعادة تفعيل عمل شركات استصلاح الاراضي والعمل على تأسيس هيئة متخصصة بمكافحة التصحر، لها ممثليات على مستوى أقسام متخصصة في المحافظات وعدم الاكتفاء بالدور الخجول الذي تمارسه مكافحة التصحر في بغداد.

كما دعا الى الاستفادة من مصادر المياه القادمة في انشاء الأحزمة الخضراء خاصة مياه البزل الزراعي ومياه الصرف الصحي المعالجة، وإلزام الفلاحين بزراعة الأحزمة الخضراء حول مزارعهم لغرض التقليل من اثار التعرية الريحية، والاستفادة من الاموال المخصصة للتكيف مع اثار التغير المناخي المخصصة عالميا للدول الاكثر تأثرا بظاهرة التغير المناخي والتي يعد العراق واحدا منها.

اسباب وعوامل عديدة

وعلى صعيد ذي صلة، قال مدير معهد نيسان المعني بالشؤون البيئية، فلاح الاميري، ان محافظة البصرة من اكثر المحافظات تضررا وتأثرا بالتصحر، وان هناك الكثير من العوامل التي تساهم في تصحر اراضيها واخراجها عن الخدمة وتدميرها.

واوضح بالقول: ان احد اسباب التصحر في محافظة البصرة هو “قانون الحفاظ على الثروات الهيدروكربونية رقم 84 بسنة 1985، حيث انه بموجب هذا القانون ووفق تعليمات وزارة النفط اعتبرت 75 في المائة من اراضي المحافظة من المحرمات النفطية، ومنع الاستثمار الزراعي او الزراعة وحتى الاسكان، وبقيت مساحات شاسعة منها خارج إدارة  ملف الزراعة او الغطاء النباتي “.

وأضاف الأميري لـ”طريق الشعب”، ان “شح المياه هو سبب اخر في التصحر و هو مستدام؛ فهناك الكثير من الاراضي الزراعية التي تحولت الى اراضٍ قاحلة وصحراوية، وبعد ارتفاع العقارات في مركز المدينة جرفت الكثير من الاراضي الزراعية وتحول بعضها الى مناطق سكنية، وبالتالي قلت نسبة الغطاء النباتي، واهمل قسم اخر منها، فيما تحول الكثير الى اراض متصحرة”.

وتابع قائلا ان “عدم دعم القطاع الزراعي من قبل الحكومة سواء بحفر الابار على اقل تقدير، وايضا عدم امتلاكنا شركة مختصة بحفر الابار وزراعة الجزء الغربي من محافظة البصرة او اي اراض اخرى في عموم البلاد، ساهم في زيادة نسبة الاراضي المتصحرة، لان عملية حفر بئر الواحد مكلفة”.

وانتقد الاميري طريقة تعاطي الجهات ذات العلاقة مع هذا الملف، قائلا ان “وزارة التخطيط دائماً ما تضع خططا مسبقة وتحليلات لهذه الخطط، وتوقعات للمستقبل، وهي جيدة لكن المشكلة تكمن في تنفيذ هذه الخطط وترجمتها الى مشاريع على ارض الواقع، حيث ان تنفيذها بعيد جداً عن الخطط الموضوعة، وهذا ينطبق على مختلف المجالات وليس فقط هذا الملف، فالجهات التنفيذية لا تصغي او تلتزم بالسياسات العامة او الخطط التي تضعها وزارة التخطيط، من اجل تحقيق اقصى استفادة منها”.

واكد ان “الاراضي التي يستفيد منها اهالي البصرة حالياً لا تتجاوز 25 في المائة، والبقية هي اراض متصحرة قاحلة”.

وخلص الى ان “موضوع التصحر ليس بجديد فالعراق ليس البلد الوحيد الذي واجه ازمة تقلبات وتغيرات سياسية، وان الكثير من الدول واجهت التصحر وتصدت له، من خلال نقل تجارب ناجحة من بعض الدول واستفادت منها. ونحن نمتلك منخفضات في الصحراء، والتي يمكن تحويلها الى واحات، حيث يمكن تحويل مسارات اتجاه شط البصرة وشط العرب باتجاه الصحراء بالاتفاق مع شركة نفط البصرة ووزارة النفط بتحديد الاراضي التي يحتمل وجود النفط فيها واستثنائها”.