اخر الاخبار

طالما تعاملت الحكومات المتعاقبة مع احتجاجات الشباب العاطلين عن العمل من الخريجين وغيرهم، وفق مبدأ التعيين الاسترضائي لإسكات صوت الشارع، فهي تدرك تماما أن الشباب يفضلون الوظيفة الحكومية، ويعدونها ضمانا حقيقيا لمعيشتهم.

وظل هذا النهج ملازماً للحكومات المتعاقبة، حتى أصبحت الدولة تخصص جزءا كبيرا من مواردها للموازنة التشغيلية وللرواتب، كما هو الحال اليوم مع الحكومة حاليا، وهذا ما يراه أصحاب الاختصاص أحد أسباب تعطل عملية التنمية في البلاد، إضافة للعوامل الأخرى المعروفة.

هذه السياسات الخاطئة، وعدم التوزيع العادل للثروة وغياب قدر من العدالة الاجتماعية في السياسات المتبعة والامتيازات التي تمنح للموظف دون غيره، ساهمت في خلق مفهوم جديد يتعارض مع أحد مبادئ الدستور الذي أكد ان الثروات هي ملك لكل العراقيين. كما أنه عزز مفهوم «مواطني الدرجة الثانية» الذين ليست لديهم وظيفة حكومية.

تغييب متعمد

تقول الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم: ان المواطنين العراقيين وفق الدستور من المفترض انهم سواسية في عملية توزيع الثروات في العراق، ولذلك هناك مبدأ اقتصادي رئيسي وهو العدالة في الوصول الى الموارد؛ فالعراق لا توجد فيه عدالة في الوصول الى الموارد.

وتضيف في حديثها لـ «طريق الشعب» بالقول: ان «الضريبة ايضا لا تخضع لرؤية العدالة الاجتماعية في العراق، لأنها غائبة في السياسة الاقتصادية، وهذا يتضح بشكل كبير في السياسة المالية المتمثلة بفرض الضرائب وتوزيع الاعانات الاجتماعية».

وعن توظيف الدولة للأموال في خلق عملية تختلف حقيقية، تقول الخبيرة الاقتصادية: ان «التنمية تختلف عن النمو؛ فالأولى هي قرار سياسي تأخذه الدولة وهي معنية به. بينما يمكن للفرد ان يحقق نموا اقتصاديا لدخله بالعمل في اكثر من مجال. وبالعودة الى التنمية، فتدخل فيها جوانب اقتصادية واجتماعية وانسانية كونها تركيبة متكاملة، واذا الدولة لم تساهم في التنمية فلن تكون هناك عملية تنموية حقيقية لأنها الوحيدة القادرة على إدارة هذه العملية، ولا احد سواها».

وتجد سميسم ان «الموازنة في العراق لا تدل على ان هناك عملية تنموية، لان الريع النفطي ينفق على الرواتب بشكل كبير. بمعنى اخر انها تزيد دخول فئة معينة من الناس، لكنها لا تحسن فرص التعليم، ولا تحسن الصحة ولا المياه الصالحة للشرب، ولا توفر خدمات للمواطنين».

وتشدد سميسم على ضرورة ان تفهم الدولة انها مسؤولة عن الجميع: الغني والفقير، الموظف وغيره. ولا يصح ان تكون قراراتها لصالح فئة دون اخرى، وكذلك الحال بالنسبة لمنافعها»، مبينة ان الاقتصاد «هو عبارة عن حلقة وعند تقليل مساحة الفقر وتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنين، وتنويع مصادر الموارد».

سطوة رأس المال 

وفي السياق ذاته، يقول الخبير الاقتصادي جليل اللامي: انه خلال السنوات الاخيرة تفاقمت ظاهرة التوزيع غير العادل للدخل والثروة في العراق نتيجة السياسات النيوليبرالية التي تكون مدعومة بتسارع عملية العولمة، اضافة لعدم قدرة شبكات الحماية الوطنية على مواجهة سطوة رأس المال، بعد انفلاته من قيوده. وهذا يعتبر العنصر الأهم في معادلة الفقر واللامساواة.

ويضيف بالقول: ان «الاستبداد والفساد السياسي سببان لهما أهمية مؤثرة في تشكل هذه الظاهرة الخطرة في العراق».

ويشدد اللامي في حديثه مع «طريق الشعب» على ضرورة «السير قدماً عبر النظر في السياسات والاجراءات التي يمكن ان تؤدي لتحقيق عدالة في توزيع الثروات، وتمهد للتعامل مع المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع، بما ينعكس ايجاباً على مختلف مكونات وشرائح المجتمع العراقي».

من هم مواطنو الدرجة الثانية؟

من جانبه، يقول الخبير في الشأن الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، ان هناك عدم فهم لآلية توزيع الثروة في البلاد؛ فموارد البلد اليوم من المفترض أن تكون ملكا للشعب. بينما تدفع الدولة ما يقارب 60 ـ 80 المائة من موازنتها إلى مجموعة محددة من الموظفين، من دون وجود خدمات حقيقية تنعكس بشكل فعلي.

ويتابع قائلا: إنّ هذه الثروة ذهبت إلى كبار الموظفين والفئات المتوسطة منهم، ومن ثم الأصغر. بينما غابت عن كل الآخرين وهنا يوجد خلل.

ويزيد بالقول، إنّه كان يبحث في «موضوع الفقر متعدد الأبعاد، ووجدت ان نسبة الفقر تصل الى 25 في المائة، وتهبط الى 22، ومن ثم 18 لتعود 22 في المائة، وتوصلت الى ان هناك 10 ملايين من أصل 40 مليون مواطن، لا يصلهم شيء من موارد الدولة بأي شكل من الاشكال».

ويضيف، ان «أغلبهم يسكنون إما ايجارا او زراعيا او في العشوائيات. بمعنى انهم بلا سكن وعاطلون عن العمل، أي بلا وظيفة، او يعملون ضمن الوظائف الدنيا مثل الدرجة 9 و10، ورواتبهم لا تتجاوز 400 الف دينار، او انهم يعملون في قطاعات غير منتظمة، ودخولهم غير ثابتة، وتعليمهم متدنٍ «.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن هؤلاء الناس «هم الذين نجدهم تحت خط الفقر وهؤلاء بالتحديد هم «مواطنو الدرجة الثانية»، حيث لا ينظر لهم احد. وبعضهم يتسلم رواتب الاعانة الاجتماعية، والتي قدرها 150 ألفا. وعلى الرغم من كونها قليلة، لكنها على اقل تقدير جزء من حقوقهم الغائبة».

ويلفت المتحدث الى ان «الدولة ليست مسؤولة عن دفع الرواتب للجميع، لكنها مسؤولة عن تنشيط الاقتصاد ودفع عجلته، وبدل ان يشكل الناتج المحلي الاجمالي فقط 200 مليار ونصيب الفرد في السنة 4 الاف دولار، يتم العمل على ان يزداد الناتج المحلي وينعكس نصيب الفرد، من خلال العمل على خلق فرص عمل عادلة ومتساوية للجميع سواء أكان بالتجارة والقطاع الخاص وغيرهما «.

ويختم حديثه بالقول: انه توصل في أحد بحوثه إلى ان «الفرد في الفئات المتوسطة، اذا ما تعرض والده او احد افراد اسرته الى مرض معين، واضطر الى ان يسافر به الى خارج العراق للعلاج، فسينتقل بسبب ذلك من الفئة المتوسطة الى الفقيرة».