اخر الاخبار

حرب العراق وقيام بُنية إقليمية جديدة

نشرت مجلة الشؤون الدولية في عددها 99 والصادر قبل أيام، دراسة للباحث لويز فوسيت، في الذكرى العشرين لحرب العراق، أشار فيها إلى أن الاستنتاج بولادة بنية إقليمية جديدة نتيجة الحرب، يستلزم تشخيص أدلة واضحة على حدوث تغيير معنوي في التحالفات والعلاقات والأنماط والسلوكيات، لدرجة لا يوجد معها أي احتمال على الرجوع إلى البنية القديمة، حتى ولو لم تكن البنية الجديدة مستقرة ومتكاملة.

تغييرات عميقة

وفي معرض إستعراضه للمتغيرات، إستشهد الكاتب بما توصل إليه فريق بحث بريطاني في 2016، من أن عواقب الحرب والصراع داخل العراق، ما زالت غير محسوسة على صعيد الشرق الأوسط بأكمله، حيث تسود اليوم تأثيرات قوى عالمية ثلاث، الولايات المتحدة وروسيا والصين، وبالتزامن والتداخلات الاقليمية ، واضطرار الآخرين إلى التكّيف مع ذلك.

كما أورد الباحث بعض الأدلة على هذا التغيير، والمتمثلة برفض الدول العربية الموالية للغرب، انتقاد الغزو الروسي لإوكرانيا، أو التجاوب مع مطالب واشنطن بزيادة إمدادات النفط لمواجهة النقص الناجم عن العقوبات المفروضة على روسيا، في وقت تمكنت فيه دول مثل إيران من الإقتراب الكبير من موسكو. وأشار أيضاً إلى أن من علائم التغيير المتسارع، زيادة الاعتماد على كل من الصين وروسيا للحصول على الدعم والإمدادات الحيوية في ما يسمى بـ “دبلوماسية اللقاحات”، معتقداً بأن هذه المتغيرات مستمدة من المواقف والسياسات التي تم تبنيها أثناء وبعد تجربة حرب العراق، وخاصة تفاقم الشعور بالحاجة إلى تنويع التحالفات والأطر المؤسسية، لمواجهة التبدلات السريعة في موازين القوى الإقليمية، والتي كان آخرها التقارب العربي الإسرائيلي الجديد، الذي انعكس في اتفاقيات إبراهام لعام 2020، إضافة إلى اتساع هذه التحالفات لتشمل آسيا الوسطى وأوراسيا ومنطقة المحيط الهندي وأفريقيا، إلى الحد الذي صارت معه فكرة “الشرق الأوسط” المحدود إقليمياً، لا معنى لها، على حد تعبيره.

وذكّر الباحث بعدد آخر من المتغيرات التي نجمت من الحرب والتي تركت آثاراً كبيرة على البنية الإقليمية كالانتفاضات الشعبية العربية، والإستقطاب الطائفي، وبروز المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، والدور التخريبي الكبير الذي لعبته، خاصة في العراق وسوريا، والإتساع الكبير في أزمة اللاجئين.

مستويات التغيير

وحددت الدراسة ثلاثة مستويات لعملية التغيير التي وضعت المنطقة على مسارات جديدة، أولها البعد الدولي، حيث تراجعت القطبية الأحادية، والثاني البعد الإقليمي، حيث أدى تدمير العراق إلى بروز قوى إقليمية جديدة، أما الثالث فالبعد المؤسسي، حيث إنعكست التغييرات على الترتيبات الأمنية للمنطقة. وخلصت الدراسة إلى أن مستويات التغيير الثلاثة تجعل من العودة إلى النظام الإقليمي القديم أمراً غير ممكن، لأنها تؤكد بأن لا رجعة في المشهد الأمني في المنطقة، والذي غيّرته الحرب، ولا في التغييرات الجيوسياسية والتوزيع الجديد للهيمنة، على الرغم من الإضطراب الذي يتسم به النظام الإقليمي الناشئ عن البنية الجديدة، حتى الآن.

استنتاجات

ولخّصت الدراسة استنتاجات أخرى بإشارتها إلى أن حرب العراق قد فشلت في تحقيق الأهداف الرئيسية التي توقعها مشعلوها في واشنطن ولندن، بل وأضرت بشكل خطير بالمصداقية الغربية، حين افتضحت دعاوي الدفاع عن حقوق الإنسان وإسقاط المستبدين الأشرار، ولم يعد لها تأثير ما على شعوب المنطقة، لاسيما حين تعزز الفشل في العراق بالفشل في ليبيا وإنتشار حالة اللاستقرار في الشرق الأوسط.

وأعرب الباحث عن تصوره بأنه لولا حرب العراق، فإن سقوط صدام حسين في إنتفاضة تشبه تلك التي حدثت أثناء الربيع العربي، كان أمراً محتملاً، خاصة في ظل استبداده وقمعه لشعبه والصعوبات القاسية التي كان هذا الشعب يعاني منها في ظل الحصار، مشيداً بهذا السيناريو الذي كان سيجنب البلاد ماعاشته من تفكك واستقطاب طائفي وإرهاب وتدهور في جميع المجالات.

وخلصت الدراسة إلى أن من ثمار الحرب المرّة، بروز الطائفية، كمرآة للصراع الإقليمي وديناميات المنافسة الجيوسياسية، إضافة إلى أن حرب العراق، قد أنهت حقبة من الغطرسة حول قدرة الغرب على الترويج للديمقراطية وتفرده في ممارستها، لاسيما بعد النتيجة المخيبة للآمال التي إنتهى اليها الربيع العربي، وعودة الأوضاع ربما لإستبداد أشد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي العالم الأوسع.