اخر الاخبار

تحمل الدراسات العليا مؤشرا مهما على التقدم المعرفي والثقافي والعلمي والحضاري لأي مجتمع، فأغلب الدول لا سيما المتقدمة، تعمل على تسهيل مهمة الباحثين في التخصصات العلمية والإنسانية، توفير سبل تطوير طاقاتهم الخلاقة والمبدعة، لكن في بلادنا ينظر صنّاع القرار للموضوع من زاوية أخرى، يفهمها كثير من الأكاديميين وطلبة الدراسات العليا، على أنها تصب في قالب واحد: خدمة الأحزاب المتنفذة وقوى السلطة.  ويجمع أكاديميون وطلبة دراسات عليا في أحاديثهم لـ”طريق الشعب”، على أن البرامج التي تضعها الجامعات، والخاصة بـ(الماجستير والدكتوراه)، لم تخضع معظمها لأية عملية تقويم، كما تجهل مستوى مواءمتها لسوق العمل، فضلا عن مشكلات أخرى تخص لجان “السلامة الفكرية” والمناهج التي جرت صياغتها في فترة حزب البعث المنحل ونظام صدام الدكتاتوري، وأزمة التوسعة التي جعلت صفوف الدراسات العليا تكتظ بالطلبة، وبالتالي حرمان الأخيرين من أية عملية تفاعل.

تشوبها الكثير من التساؤلات

يقول أستاذ جامعي فضّل عدم ذكر اسمه لـ”طريق الشعب”، إن “الإجراءات المتبعة من قبل الجامعات الحكومية في تحديد عناوين الدراسات العليا، وكذلك الموافقة عليها، تشوبها الكثير من التساؤلات”.

ويتساءل الأكاديمي بسخرية: “هل نحن في زمن الدكتاتورية؟”، مضيفا أن “لجنة السلامة الفكرية تقف كالسيف في مواجهة الطالب والمشرف عليه، ما يضطر الباحث الى أن يغير في مضمون رسالته أو أطروحته، في حال تطرق الى قضية تخص الأداء الحكومي للمسؤولين!”.

مسؤولية الجامعة

المتحدث باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيدر العبودي، يقول لـ”طريق الشعب”، ان موضوع القبول في الدراسات العليا تحدده الجامعة، فهي من تضع الخطة السنوية لقبول الطلبة في الدراسات العليا”. ويضيف العبودي، ان “أعداد الطلبة متغيرة، وقابلة للتحديث سنويا، كونها مرتبطة ببرامج الجامعة، وكذلك بمتغيرات حاجة السوق ومتطلبات التنمية، وترتبط أيضا بالطاقة الاستيعابية واعداد الطلبة الذين يقبلون في الدراسات، بعد ان يجتازوا متطلبات التقديم والامتحان التنافسي”.

ويشير المتحدث إلى ان وظيفة وزارته بموجب قانونها ذي الرقم 40 لسنة 1988 هي معادلة الشهادات التي يحصل عليها العراقيون من الخارج، وهذا ما نص عليه قانون اسس تعدد الشهادات رقم 20 لسنة 2020 بأن تكون معتمدة لدى الوزارة لكي يتمكن صاحب الشهادة وطلب المعادلة من ممارسة اختصاصه رسميا ضمن البيئة العراقية.

عدد المقبولين تجاوز المعقول

وبالعودة الى الأستاذ الجامعي، فإن هناك “إجراءات غير قانونية متبعة من قبل ضعاف النفوس”، تتمثل بقبول بعض الطلبة من أصحاب المناصب او الامتيازات في الدراسات العليا، مشيراً الى ان فكرة “التوسعة في اعداد المقاعد، أتت لتناسب قبول هؤلاء وغيرهم، وبالتالي أصبحت المحاضرة في الدراسات العليا عبارة عن صف مدرسي، ففي بعض الكليات يتجاوز عددهم 15 الى 18 طالبا.

ويستفهم المتحدث: “كيف يمكن لأستاذ جامعي جعل المحاضرة تفاعلية علمية في ظرف ساعتين، مع هذا العدد؟”، مضيفا أن “الشهادة العليا أضحت بفضل المحاصصة والفساد سلعة تباع وتشترى”.

المخرجات

بدوره، يقول النائب الدكتور ياسين العيثاوي، عضو لجنة التعليم العالي والبحث العلمي البرلمانية، إن “خطة الدراسات العليا تضعها الكليات والاقسام العلمية على وفق قدرات وموارد بشرية، وبحسب الاختصاصات، ومن تضع الجامعات خطة موحدة للطاقة الاستيعابية للكليات، وتكون مقرة مسبقا منذ تاريخ التقديم على الدراسات، وبعدها تدقق المعلومات ويُجرى الامتحان التنافسي للمتقدمين، وبعدها تظهر النتائج النهائية للقبول”.

ويضيف العيثاوي لـ”طريق الشعب”، أن لجنته عملت، مؤخرا، على إدخال بعض التعديلات ـ بالتنسيق مع الوزارة ـ والتي نراها مهمة لترسيخ عملية التعيين في العراق من خلال قوانين التعليم العالي والتعليم الخاص وكذلك الخدمة الجامعية.

هل حُلتّ المشكلة؟

من جانبها، تؤكد الدكتورة بشرى العبيدي، استاذة جامعية، ان زيادة المقاعد الدراسية لا تجري وفق احتياجات السوق، كون اغلب الخريجين لا يجدون فرصة عمل بعد الانتهاء من الدراسة، مستشهدة على ذلك بما يحصل من فعاليات احتجاجية لحاملي الشهادات العليا.

وتجد العبيدي ان زيادة عدد المقاعد الدراسية، غير نافع، بل سيعود بالضرر على المؤسسات التعليمية والحكومة.

فيما يتحدث الدكتور علي عبود عن زيادة قنوات القبول في الجامعات، مبينا أنه الى قناتي القبول العام والخاص، نجد هنا قنوات لضحايا الارهاب وعوائل الشهداء والسجناء والموظفين في التعليم والاوائل، “لذلك نشهد هذا التوسع في مقاعد القبول”.

ويتابع عبود، ان زيادة الاعداد لا توثر على مسار الاشراف نفسه وليس التدريس فحسب، بل يوجد عجز في بعض التخصصات وصعوبة في سد ساعات الاشراف والتدريس”، مشيراً الى ان “التدريس والاشراف في بعض الكليات لا يزال بلا مستحقات مالية منذ عام ٢٠١٤، حيث إن حقوق الاساتذة تسلب منذ 6 سنوات، علاوة على جهدهم، والضغط عليهم كماً وكيفاً”.

لجان للسلامة الفكرية؟

وتشكل الجامعات لجاناً تسمى (السلامة الفكرية) مهمتها فحص الرسالة وضمان عدم شمولها ما يهدد الأمن الوطني او يمس المعتقدات او الرموز الدينية لأي مكون من مكونات المجتمع، ولا تحرض على الطائفية والكراهية. لكن في الواقع وبحسب ما يذكر عدد من الطلبة الذين باشروا كتابة رسائل واطاريح تخص مشكلات العراق لـ”طريق الشعب”، انهم واجهوا صعوبة في قبول العناوين او المحتوى، كون عدد من لجان السلامة الفكرية تتعامل مع الاطاريح بنفس قديم، وترفض الحديث عن أي امر سلبي يخص الواقع السياسي العراقي، أو فشل ادارة الدولة. ووفقا للدكتورة العبيدي، فان “السلامة الفكرية كانت في السابق تركز على الموضوع الذي يمس بالنظام ورئيس الدولة والقيادات الحزبية وغيرها، وكان يمنع ذلك منعاً باتاً، لكن حالياً تبدو العملية غامضة وغير مفهومة وليس لها اي قيمة، بل يجب ان تكون مبنية على اسس محددة: الكراهية، الخطاب التمييزي او الارهابي والطائفي، أو المساس بوحدة وسلامة الامن المجتمعي، وغير ذلك”.

معاناة طلبة الدراسات العليا

وتحدث لـ”طريق الشعب” الطالب محمد حطاب، عن معاناتهم في الدراسات العليا بالقول، انه خلال “السنة التحضيرية الاولى يتم ضغط المواد بشكل كبير، وفي الغالب لا تضيف اساسا لنا، وهذه ينعكس مردودها على مرحلة الكتابة في السنة الثانية”.

ويضيف، ان “اختيار العناوين يتم بطريقة غير ديمقراطية بحيث يجبر الطالب على اتخاذ اتجاهات معينة بحد ذاتها، بحجة أن هذه المواضيع والعناوين لا تفيد الان، وهناك مشاكل اكبر”، ملخّصا ذلك بالقول “في الحقيقة أن كل ذلك هو غطاء للحد من العناوين التي تخالف أيديولوجية الأساتذة او العمادة او رئيس القسم نفسه” في إشارة الى أن أغلب هؤلاء يخضعون لأيديولوجية معينة.

مناهج النظام المباد!

الطالب في كلية العلوم السياسية، امجد فيصل، قال انه درس موادَ معتمدة من قبل الجامعة والوزارة، وفيها ما يشير الى حزب البعث المنحل ونظام صدام حسين الدكتاتوري، وتحديدا في مادة الأحزاب وغيرها. وأردف كلامه “صحيح اننا لم نتطرق الى هذه المضامين، وهي تحذف من قبل الأساتذة، لكن وجودها يثير الريبة بيننا. هل عجزت العقول العراقية عن انتاج مادة اكاديمية جديدة ومتطورة تناسب المتطلبات الحديثة، ام ان القائمين على نظام المحاصصة الاعمى، ليس همّهم سوى السلطة ومغرياتها؟”.